لم يلق مشروب من الجدل الفقهي العنيف بين علماء الدين لثلاثة قرون من الزمان مثلما لاقت " مشروب القهوة ".. منهم من أفتى بحرمتها حرمة قطعية مستندين إلى أن الرسول الكريم لم يشرب البن لذلك فمستحلها كافر حلال الدم، ومنهم من قال بحلها، بل أطلق عليها اسم "خمرة الصالحين".
ونظرًا لاعتبار القهوة مشروبا أساسيا بل وعالميا لا يمكن الاستغناء عنه، خصص هذا اليوم الأول من أكتوبر كل عام يوما عالميا للقهوة، بعد أن وافقت المنظمة الدولية للقهوة على تخصيص اليوم يوما دوليا للقهوة، واتخذت كل دولة يوما لها للاحتفال بهذه المناسبة.
وقد حرم سلاطين الدولة العثمانية شرب القهوة باعتبارها تنبه العامة وتعينهم على عصيان الولاة، كما عارضها الأزهر ونادى الملوك بمنعها.
دخلت القهوة مصر مع طلاب الأزهر من اليمنيين وقبلهم شيخ الزهد والتصوف أبوبكر عبد الله العيدروسى الشاذلى اليمني، وحسب كتاب (ملامح القاهرة فى ألف عام) للأديب جمال الغيطانى يقول: "أول من اهتدى إليها حيث كان يمر فى سياحته بشجر البن فاقتات من ثمره حين رآه متروكا مع كثرته، فوجد فيه تجفيفا للدماغ واجتلابا للسهر وتنشيطًا للعبادة، فاتخذه طعاما وشرابا، وأرشد اتباعه إليه، ثم وصل العيدروس إلى مصر سنة 905هــ، وبعد أن أحبها الناس، انتشر بيعها فى دكاكين الشربتلية وسميت باسم المقاهي.. وتم توسعتها وتنظيمها بالشكل الذى نراها عليه الآن وسمى من يقدمها " قهوجي".
ونظرا لاعتبار القهوة مشروبا أساسيا بل وعالميا لا يمكن الاستغناء عنه، انقسم شيوخ الأزهر بين مؤيد ومعارض حول مشروب القهوة، وشهدت شوارع القاهرة خلافا حادا حول القهوة حيث أفتى الشيخ على أحمد بن عبد الحق السنباطى ـ أحد فقهاء الشافعية ـ بتحريم شرب القهوة عام 1534 حتى إن الشرطة قامت بسجن بعض شاربيها مما دفع الأهالى عام 1539 إلى التجمع أمام بعض المقاهى وتحطيم محتوياتها والاعتداء على روادها، واعتبروا السنباطى عدوا للقهوة، وكان أول من تحداه المغتربون الدارسون بالأزهر، وقامت المظاهرات مطالبين السنباطى الرجوع عن فتواه، فأفتى القاضي الحنفى محيى الدين بن إلياس بجواز شربها وأصبح في مصر حكمان متضاربان أحدهما يحرم والآخر يجيز تناول القهوة.
من أجل ذلك تشكلت لجنة من المتخصصين في الأمور الطبية لبحث هل القهوة مضرة أم مفيدة، إلا أن القهوة فرضت نفسها كمشروب يساعد على النشاط والسهر، وأصبح أماكن شربها على المقاهى وفى المجالس وأصبح استيراد البن علنيا من اليمن عن طريق البحر، وتباع في محلات عرفت بخان البن.
وفى عام 1572 صدرت فتوى من الشافعية بتحريم تناول القهوة، مما ادى إلى هياج العامة حتى قاموا بتكسير المقاهى التي تقدم هذا المشروب الحرام، وفى نهاية العام تصاعد الغضب الشعبى ضد القهوة وكثرت تحريضات أئمة الجوامع ضد القهوة وشاربها وحاملها، حتى صدرت فتوى رسمية بغلق جميع المقاهى ومصادرة البن بل تكسير الأوانى التي تصنع فيها القهوة، وطبعا نفذت الغوغاء حكم الشرع بنفسها، وانتشر العسس يقبضون على شاربى القهوة وتجارها.
يرى الدكتور عاصم الدسوقى المؤرخ واستاذ التاريخ الحديث أن انتشار القهوة جاء بجهود مصرية خالصة، فعن طريق مصر انتقل فنون شرب القهوة الى ارجاء الدولة العثمانية كلها، وعن طريق العلاقات التجارية بين مصر والمدن الإيطالية انتقل فنون شرب القهوة الى أوروبا، فقد كان مصر تستورد البن من اليمن ثم تعيد تصديره بن ومعها الإنتاج من السكر الى أوروبا.
وأشار إلى أن شرب القهوة تحول الى طقس اجتماعى في مصر بعدما انتشرت المقاهى نسبة الى القهوة الى جميع ارجاء القاهرة، وظلت القهوة المشروب رقم واحد حتى القرن التاسع عشر عندما دخل الاحتلال البريطاني لمصر الذى جاء بعاداته بعد ان فرضوا طباعهم حيث يحب الانجليز شرب الشاي فبدات النخب المصرية في تقليدهم لينتشر في مصر شرب الشاي في مقاهى الاحياء الشعبية والريف، ويزيح الشاي القهوة عن عرش المشروب المفضل عند المصريين بحلول منتصف القرن العشرين.