قبل أن أحدثك عن مشكلات هذا الفيلم الكوميدى الرومانسى الأمريكي، لابد من الإشارة إلى ملحوظتين، الأولى هى أن أهم عناصر الإتقان فى الفيلم الأمريكى وهى السيناريو لم تعد بالضبط كما تعودنا، فهناك مشاكل فى الكتابة فى كثير مما شاهدت فى السنوات الأخيرة، وأعنى بإتقان السيناريو أن يكون العمل محكما، وفيه ذكاء فى المزج بين الأنواع، لو تطلب الأمر ذلك، ويعنى الإتقان أيضا ألا نجد مشاهد زائدة، أو استطرادات، أو شخصيات زائدة عن الحاجة، بل إن السيناريو فى الفيلم ألأمريكى التقليدى كان مثاليا فى بنائه، فى البداية والعقدة والذروة والحل، وبصورة يمكن تدريسها للمبتدئين.
الملحوظة الثانية هى أن الكوميديا الرومانسية كانت دوما موضع تميز السينما، وتضاف لها أحيانا الأغنيات والاستعراضات، فتحقق نجاحا مبهرا، ولكنها الآن تتعرض لمنافسة قوية وخطيرة من الدراما التلفزيونية، التى قدمت من هذا النوع أعمالا تستمر فى مواسم متتالية، ولذلك لابد أن تجتهد الكوميديا الرومانسية السينمائية كثيرا لكى تتميز، وربما تكون تلك إحدى مشكلات فيلمنا الذى نتحدث عنه، والذى تاه فى نصفه الثاني، وبدا كما لو كان حائرا بين خطه الرومانسي، وخطه الكوميدي، وبين الترويج لجزيرة بالى الأندونيسية، وكأنه أنجز برعاية هيئة تنشيط السياحى هناك، وبدعم مجلس محلى الجزيرة الشهيرة!
الفيلم بعنوان "تذكرة للجنة"، أخرجه واشترك فى كتابته أول باركر، الذى قدم من قبل عدة أفلام كمخرج وكاتب، أشهرها فيلم " ما ميّا .. لنذهب مرة ثانية"، وهو الجزء الثانى الأقل فنيا من فيلم "ما ميّا"، والذى كان أيضا كوميديا رومانسية سياحية لو جاز التعبير.
ولكن "تذكرة للجنة"، رغم فكرته الجميلة، تظهر فيه مشكلات واضحة، فبينما يبدو النصف الأول منه متماسكا ومضحكا ومشتعلا بالصراع ومكثفا، فإن النصف الثانى منه تتراجع فيه الكوميديا، وتكثر فيه الاستطرادات، ويتراجع الصراع، بل وتبدو بعض الشخصيات فيه زائدة عن الحاجة، كما تتفكك خطوطه الكوميدية والرومانسية المتضافرة.
الفكرة ذكية، فبعد عشرين عاما من انفصال ديفيد (جورج كلوني)، عن زوجته جورجيا (جوليا روبرتس)، وكانا قد تزوجا لخمس سنوات فقط، يضطران للسفر إلى بالي، لحضور حفل زواج ابنتهما الوحيدة المحامية ليلى (كاترين ديفر)، من عريسها الأندونيسى جيدى (ماكسيم لوتييه)، ولأنهما اعتبرا الزواج مؤسسة فاشلة ومزعجة، قررا أن يفسدا زواج وابنتهما، وإن كان الفيلم يبدو مضطربا أيضا فى هذه النقطة، إذ ترتبط خطة الإفساد أحيانا بالتدخل فى حياة ابنتهما بشكل عام، وأحيانا ترتبط برفضهما قرار الابنة الحياة بعيدا فى بالى فى أندونيسيا، وأحيانا أخرى بالحديث عن كون الابنة تستحق عريسا أفضل، وهو تذبذب يضاف إلى اضطراب المعالجة الواضح.
ولكن البناء ظل جيدا فى البدايات، حيث يتم تقديم علاقة الزوج والزوجة السابقين بشكل مختزل ومضحك، بالانتقال بين كلام جورجيا وكلام ديفيد، كل منهما يحكى لشخص آخر، كما تقدم قصة حب ليلى وجيدى فى بالى بشكل مكثف جدا، وفى دقائق قليلة، ويبدو الصراع فى ذورته، سواء بسبب نقار ديفيد وجورجيا طوال الوقت، أو نتيجة اتحادهما معا لإفساد زواج ابنتهما، من خلال مقالب متعددة، بما فى ذلك سرقة جورجيا لخاتمى الزواج.
ولكن عند الانتقال لاكتشاف الزوجين المطلقين أنهما ما زالا يحبان بعضهما، وأن عليهما ألا يفسدا زواج الابنة، بل وأن يتعلما من ابنتهما وعريسها معنى الحب والتمسك بالفرصة، فإن الأحداث تترهل، وخصوصا مع حضور شخصية الطيار الذى يريد الزواج من جورجيا، لاختراع صراع وحبكة جانبية لا معنى لها، فجورجيا لا تحبه من البداية، وطليقها ديفيد لا يشعر بالغيرة أصلا، ولا يرى مشكلة فى أن تتزوج، والشخصية لا تصنع كوميديا جيدة، وكان يمكن حذفها، تماما مثل شخصة بونى صديقة ليلي، التى لم تتدخل فى الصراع المحورى بين الزوجين المطلقين من ناحية، وعريس ابنتهما من الناحية الأخرى، فظلت على الهامش، تظهر وتختفى حسب الظروف، وأهم مشاهدها عندما استمعت من ديفيد إلى سبب طلاقه، وسبب فتور علاقته بجورجيا، رغم حبه لها.
من زاوية القيم الأمريكية، فإن الفيلم يتحدث من جديد عن أهمية العائلة، ولكنه ينقل العائلة الأمريكية كلها لتعيش فى بلد وجزيرة أخرى هى بالي، هناك إذن اتساع فى الرؤية، واهتمام بالعالم، مع التغزل فى جزيرة بالى أكثر حتى من اللازم، بل ويبدو الأمر دعائيا بتكرار الحديث عن بالى باعتبارها الجنة، وكأجمل مكان فى العالم، وإن كان ديفيد يرى أن هاواى تسبقها فى الجمال، وأن مكان بيته مع جورجيا لا يقل جمالا، أى إن أمريكا حاضرة أيضا.
يمكن قراءة الفيلم كذلك باعتباره استعادة للحلم الأمريكي، ولكن فى بلد آخر، فعودة ديفيد وجورجيا المتوقعة إلى حياتهما الزوجية، والحديث المتكرر عن ذلك المنزل الذى بناه ديفيد، والذى احترق، والكلام عن حق ليلى فى الحرية والاختيار والاستقلال، ونجاح مشروع عريسها الأندونيسى جيدي، الذى يحافظ على البيئة، والذى يصدر طحالب البحر إلى أمريكا نفسها، كل هذه الإشارات تجعلنا أمام استعادة عناصر الحلم الأمريكى ، ولكن فى جزيرة بالي.
لكن الخلطة الكوميدية الرومانسية لم يتم مزجها بشكل جيد، وانتهى الأمر إلى اختصار أسلحة الفيلم على نجومية جورج كلونى وجوليا روبرتس، وكانا ظريفين فى مواقف كثيرة، وعلى تلك المشاهد السياحية الجميلة، ولكنها كانت زائدة عن الحد، ولم تستطع إنقاذ الفيلم فى نصفه الثاني، إلى الدرجة أن مشاهد ميكنج وتصوير الفيلم العفوية بين كلونى وجوليا روبرتس فى عناوين النهاية، كانت أكثر إضحاكا من معظم المشاهد الكوميدية، فى النصف الثانى من الفيلم.
عودة لملحوظات بدأت بها المقال، فإن تفوق الفيلم الأمريكى يهدده اضطراب بعض السيناريوهات فى أفلام كثيرة، ولا أعلم سبب ذلك، رغم وضوح تلك المشكلات على الورق، وقبل التصوير، أما قدرة الكوميديا الرومانسية السينمائية على منافسة تلك النوعية فى المسلسلات التليفزيونية، فيحتاج إلى جهد أكبر بكثير فى المعالجات والأفكار والكتابة، ولا يكفيه وجود النجوم، ولا جمال وسحر الغروب فى جزيرة بالي.