أكد سفير إسبانيا لدى مصر البارو ايرانثو جوتييريث أن علاقات التعاون بين بلاده ومصر تتطور بشكل كبير، مشيرا إلى أن مصر أصبحت مزودا إستراتيجيًا للغاز لإسبانيا.
ووصف السفير جوتييريث - فى حديث خاص لوكالة أنباء الشرق الأوسط اليوم الثلاثاء بمناسبة اليوم الوطني ل إسبانيا والذي يوافق الثانى عشر من أكتوبر - العلاقات بين بلاده ومصر بأنها "ممتازة" بفضل الإرادة المشتركة للحكومتين والشعبين، مضيفا أن مصر و إسبانيا تتشاركان في العديد من القيم والمصالح، والتي أصبحت أكثر ثراءً على مر السنين في جميع المجالات.
وأوضح أن مصر تعد أحد أقرب أصدقاء إسبانيا وأكثرهم ثقة في منطقة البحر المتوسط، مؤكدا أن البلدين اتفقا على زيادة التعاون والدفع بالطموحات حيث تتطلب تحديات العالم المتعددة اليوم تحالفات قوية وعملًا حاسمًا.
وشدد جوتييريث - الذي تولى مؤخرا مهام عمله كسفير جديد لبلاده لدى مصر - على أن الحوار السياسي يعد القوة الدافعة لعلاقاتنا الثنائية.. مشيرا إلى زيادة وتيرة الزيارات المتبادلة بين مسئولي البلدين منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي مقاليد الحكم في مصر في عام 2014، حيث قام الرئيس السيسي بزيارة رسمية ل إسبانيا في عام 2015.
وأضاف السفير الإسبانى أن الفترة الماضية شهدت انعقاد ما يقرب من 20 لقاء ثنائيا رفيع المستوى بين مسئولي البلدين حيث قام رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز بزيارة إلى مصر في ديسمبر 2021، كما قام وزير الخارجية سامح شكري بزيارة إلى مدريد في أبريل الماضي، بالإضافة إلى الزيارة الناجحة للغاية التي قامت بها مؤخرا وزيرة الدولة الإسبانية للتجارة نشيانا مينديز بيرتولو إلى مصر قبل أيام قليلة، على رأس وفد تجاري كبير.
وأوضح أنه تم خلال هذه الزيارة عقد العديد من الاجتماعات مع الجانب المصري مما أسهم فى رفع مستوى طموحاتنا وأهدافنا فيما يتعلق بدفع التعاون بين الجانبين.. كاشفا عن أن الأشهر القادمة ستشهد المزيد من الاجتماعات المماثلة بين الجانبين.
وأكد أننا ندرك الأهمية الحاسمة للحظة التي نعيشها إذ تعاني في الوقت الحالي معظم دول العالم من المصاعب الاقتصادية وبالطبع من المخاطر الأمنية التي نتجت عن "الأزمة الروسية الأوكرانية".. مضيفا أن إسبانيا ومصر ليستا استثناء، ولكن وجود الإرادة السياسية يدفعنا إلى العمل جنبًا إلى جنب لتقليل تلك الآثار السلبية للأوضاع الحالية من خلال التعاون بين البلدين.
وحول مشاركة بلاده فى الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر الأطراف للأمم المتحدة للمناخ (COP27) التى ترأسها وتستضيفها مصر الشهر المقبل في شرم الشيخ.. أكد السفير الإسبانى بالقاهرة أن تسارع الاحتباس الحراري يشكل تحديا عالميا يواجه بلدينا، وأشاد بالدور "القيادي" الذي تقوم به السلطات المصرية لتنظيم مؤتمر COP27، معربا عن التطلع لمشاركة وفد إسباني على أعلى مستوى في المؤتمر، حيث ترغب إسبانيا أيضًا في أن تكون في طليعة الجهود الدولية للوصول إلى طرق عادلة ومستدامة للعيش والازدهار في كوكبنا الجميل ولكن الهش.
وبالنسبة للعلاقات الاقتصادية المصرية - الإسبانية.. أكد السفير الإسبانى بالقاهرة أن البلدين اتفقا على تكريس الجهود لتعزيز التعاون الاقتصادي بينهما..مشيرا إلى أن زيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين خلال السنوات القليلة الماضية شجعت مصر و إسبانيا على المزيد من العمل من أجل الدفع بالتعاون الاقتصادي.
وقال إن الصادرات الإسبانية من السلع والخدمات لمصر في عام 2021 بلغت 1.6 مليار يورو، كما ارتفعت الصادرات المصرية ل إسبانيا فى العام نفسه لتصل إلى 1.1 مليار يورو..متوقعا زيادة حجم التبادل التجاري ووصوله إلى آفاق جديدة خلال عام 2022، خاصة بالنسبة للصادرات المصرية إلى إسبانيا.
وأوضح أن مصر أصبحت مزودًا استراتيجيًا للغاز لإسبانيا، ويمكن أن تتضاعف صادراتها في هذا القطاع مرتين أو ثلاث مرات في العام الحالي.
وأشار السفير إلى أنه يلتزم، على الرغم من الطفرة التي شهدها التعاون الاقتصادي والأرقام الإيجابية التى تحققت، بالسعي لتعزيز تدفقات التجارة والاستثمار المتبادلة في السنوات القادمة وذلك فى ضوء وجود إمكانات نمو قوية.
ولفت السفير الإسباني إلى التعاون بين بلاده ومصر في العديد من المجالات الأخرى ومن بينها الأمن، ومكافحة الجريمة المنظمة بما في ذلك الإرهاب والجرائم الإلكترونية وتدفقات الهجرة غير النظامية والحوكمة .
وفيما يخص الاستثمارات الإسبانية في مصر، استعرض السفير استثمارات الشركات الإسبانية الكبيرة في مصر خاصة في قطاعات الطاقة المتجددة ومعالجة المياه والنقل والبتروكيماويات والأسمنت وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والزراعة وتربية الأسماك والسياحة وصناعة السيارات والجلود والأزياء وتجهيز الأغذية.
وأضاف أن الحكومة الإسبانية تشجع الشركات على الاستثمار في مصر من خلال تقديم مجموعة متنوعة من الدعم المؤسسي والمالي.. مذكرا بأن إسبانيا ومصر وقعتا على بروتوكول مالي ثنائي في عام 1998، كما وقع رئيسا الوزراء المصري والإسباني فى ديسمبر 2021 إعلانًا مشتركًا للتعاون المالي.
وفيما يتعلق بالتعاون في قطاع النقل.. قال السفير إن الشركات الإسبانية اكتسبت الخبرة والقدرات التكنولوجية، لدرجة أنها أصبحت رائدة في العالم في هذا القطاع، حيث تمتلك إسبانيا أطول شبكة للسكك الحديدية عالية السرعة في العالم والأولى في أوروبا، حيث تعمل بأكثر من 3152 كم من إجمالي 15500 كم من خطوط السكك الحديدية.
وأضاف أن بلاده تحتل مرتبة متقدمة في جودة السكك الحديدية وكذلك في أنظمة مترو الأنفاق في المدن الكبرى، حيث تقوم الشركات الإسبانية بإجراء بحث وتطوير مكثف في مجالات مثل الإشارات، التحكم في حركة المرور، أنظمة الأمن، الكهرباء، وعربات السكك الحديدية، كما وضعت معيارًا عالميًا في الاستشارات والهندسة للبناء وكذلك لمعدات السكك الحديدية، مشيرا إلى أن شركات السكك الحديدية الإسبانية الرئيسية تعمل في هذا المجال في مصر.
وفيما يخص الطفرة التنموية التي تشهدها مصر خاصة فيما يتعلق بمجال البنية التحتية.. أشاد السفير الإسباني بالقفزة النوعية في إستراتيجية البنية التحتية التي بدأتها الحكومة المصرية في عام 2014 لاسيما في مجال الطاقة من خلال جهود الاستكشاف، حيث حققت مصر اكتشافات كبيرة للغاز من شأنها أن تغير ميزان الطاقة في المنطقة بأكملها، وأضاف أن الطاقة المتجددة تزداد وتحتل أيضا أهمية في قطاع الطاقة المصري، وهو ما يعني وجود وجذب استثمارات ضخمة.
كما أثنى السفير الإسباني على الطفرة التي يشهدها قطاع النقل في مصر وكذا التطور في قطاع تحلية المياه ومعالجتها والذى بات من قطاعات البنية التحتية الرئيسية في مصر، مضيفا "لا يمكن لنهر النيل وحده تلبية جميع احتياجات السكان المتزايدين والزراعة والصناعة"، وأوضح أن العديد من الشركات الإسبانية تشارك في مجموعة من المشروعات التى تنفذها الحكومة في إطار مبادرة "حياة كريمة".
واعتبر السفير جوتييريث أن مصر تسير بلا شك على المسار الصحيح في تطوير البنى التحتية.. مشيدا في الوقت نفسه بالإصلاحات الاقتصادية التي وصفها بـ "الجادة والشاملة" والتي تهدف إلى تعزيز النمو بطريقة مستدامة، وأكد أن إسبانيا تتطلع إلى مواصلة شراكتها مع مصر للمساعدة في إطلاق العنان لإمكاناتها الاقتصادية ومضاعفة العلاقات الثنائية.
وعما إذا كانت الفترة القادمة ستشهد المزيد من الاستثمارات الإسبانية في مصر بمجال الطاقة بالنظر إلى السياق الدولي وأزمة الطاقة الحالية.. قال السفير الإسبانى إن مصادر الطاقة المتجددة في إسبانيا تشكل ما يقرب من 47٪ من مزيج التوليد على الصعيد الوطني، وهو أعلى مستوى على الإطلاق بفضل الزيادة في إنتاج الكهرباء باستخدام تقنيات الرياح والطاقة الشمسية.
وأضاف أنه في عام 2021، احتلت طاقة الرياح المرتبة الأولى في مجال الطاقة المتجددة في مزيج توليد الطاقة في إسبانيا، تليها الطاقة الكهرومائية..موضحا أن المعرفة الإسبانية في صناعة الطاقة الخضراء مشهود لها في جميع أنحاء العالم بفضل الجودة والقدرة التنافسية للشركات.
وقال جوتييريث إن الشركات الإسبانية تهتم بشكل كبير بالمشاركة في تطوير قطاع الطاقة المتجددة في مصر.. مشيرا إلى أن هناك شركات إسبانية تشارك منذ التسعينيات في مزارع طاقة الرياح في الزعفرانة وجبل زيت، بمساعدة الموارد المالية الإسبانية، كما أن الشركات الإسبانية موجودة أيضًا في محطة بنبان للطاقة الشمسية ومشاريع أخرى في مجال الطاقة الشمسية.
وكشف السفير عن وجود مناقشات جادة تجري حاليا بين الشركات الإسبانية والسلطات المصرية المعنية بشأن نقل التكنولوجيا المتعلقة بمشاريع الطاقة الخضراء في مختلف المدن الساحلية في مصر، ويشمل ذلك المشاركة في مشروعات تطوير الهيدروجين الأخضر في مصر.
وحول العلاقات الثقافية التي تربط بين إسبانيا ومصر.. أوضح السفير الإسبانى أن شعبي البلدين يتشاركان في نمط حياة البحر المتوسط ، وهذا يعني ضمناً القيم المشتركة، الروابط الأسرية وروابط الصداقة، وحب الحياة وممارسة الرياضة في الهواء الطلق والتفاعلات الاجتماعية وفن الطهو القائم على النظام الغذائي المتوسطي الشهير والعديد من السمات الأخرى التي تكشف عن ثقافتنا والقرب التاريخي.
وتابع "لذلك، فإن التبادل الثقافي والتعاون بين إسبانيا ومصر يمثلان سمة أساسية وحيوية لعلاقاتنا الثنائية"، مضيفا أن المواطنين الإسبان يشعرون بسحر الثقافة الغنية لمصر القديمة.
وذكر جوتييريث أنه في الوقت الحاضر، هناك 12 فريقًا علميًا إسبانيًا تعمل جنبًا إلى جنب مع نظرائها المحليين في مواقع التنقيب المختلفة في مناطق سقارة والأقصر وأسوان تحت إشراف وزارة السياحة والآثار المصرية، ويتم عرض هذا التعاون الدولي في المعارض المختلفة التي يتم تنظيمها في كل من إسبانيا ومصر.
وأوضح أن السفارة تهتم أيضا بالترويج للغة الإسبانية، حيث تتزايد أعداد المواطنين المصريين الراغبين فى تعلم الإسبانية كل عام، ويوجد أكثر من 600 مليون حول العالم ناطقين بالإسبانية التي تحتل المرتبة الثانية كوسيلة للاتصال الدولي على الإنترنت.
وقال جوتييريث إن أكثر من 6000 طالب في مصر يدرسون حاليا اللغة الإسبانية.. مشيرا إلى الأنشطة التي يقدمها معهد سرفانتس (الثقافي الإسباني) في كل من القاهرة والإسكندرية والتى تتضمن تدريس اللغة الإسبانية والترويج الثقافي ليس فقط للثقافة الإسبانية بل أيضا ثقافة جميع البلدان الأيبيرو أمريكية.
وأكد أن هناك 19 جامعة في مصر لديها قسم نشط لدراسة اللغة الإسبانية..لافتا إلى أن الأنشطة الثقافية تزدهر بسبب الإعجاب المتبادل بإبداعنا حيث يعشق المصريون الموسيقى والرقص الإسبانى ويتوقون دائمًا للاستمتاع بالفلامنكو، فضلاً عن الفنون الجميلة وعلى سبيل المثال، فازت الممثلة الإسبانية الشابة كارلوتا بيرزال مؤخرًا بعدة جوائز في مهرجان الإسكندرية الدولي للمسرح.
وأشار إلى انطلاق أسبوع السينما الأيبيرية الأمريكية السنوى قبل يومين في القاهرة والإسكندرية.. مؤكدا أن الجمهور الإسباني حريص أيضًا على الاستمتاع بالإنتاج الثقافي المصري الحديث مثل الموسيقى والسينما.
وقال جوتييريث إن بلاده تعتبر أيضا الرياضة تجسيدًا ثقافيًا..معربا عن سعادته لوجود عدد هائل من الجماهير المصرية التي تتابع كرة القدم الإسبانية أو رياضة التنس أو كرة السلة أو الجولف أو الدراجات النارية، وتابع "وعلى سبيل المثال لا الحصر، نتابع في إسبانيا تطور النجوم مثل محمد صلاح، وأتمنى أن يأتي يوم ما ليلعب في إسبانيا".
وفيما يتعلق بالسياحة..قال السفير إن التدفقات السياحية من إسبانيا إلى مصر تتزايد بأطراد مرة أخرى حيث يتم تسيير رحلتي طيران يوميا بين البلدين من خلال شركة مصر للطيران، بالإضافة إلى رحلتين أسبوعيتين تديرهما شركة الطيران الإسبانية Vueling، فضلا عن عدد لا يحصى من رحلات الطيران العارض (شارتر).
وحول ما يمثله تاريخ الثانى عشر من أكتوبر الذي يوافق العيد الوطني لإسبانيا..قال السفير إن هذا اليوم يوافق ذكرى وصول البعثة الإسبانية بقيادة كريستوفر كولومبوس إلى أمريكا في عام 1492، وهو يوم مشهود لبداية ربط العالمين القديم والجديد، مما أدى إلى تغيير التاريخ العالمي إلى الأبد.
وأضاف أن أكثر من 600 مليون شخص حول العالم يتحدثون اليوم اللغة الإسبانية كلغة أولى، وهذا يدل على عمق الإرث الذي تركته واستقبلته إسبانيا في أمريكا والقارات الأخرى..لافتا إلى أن بلاده تعتبر يومها الوطني احتفالاً بهويتها ووحدتها وإرادتها في الاستمرار في لعب دور إيجابي على الساحة العالمية والتعاون مع جميع الشركاء، مع الاحترام الكامل لسيادة جميع الأمم وتنوعها.
وأوضح أنه عندما نفكر في أهمية اليوم الوطني الإسباني، يجب أن نعترف بالتأثيرات المتعددة، سواء الأصلية أو المرتبطة بمنطقة البحر المتوسط، والتي ساهمت في تشكيل الهوية الوطنية الإسبانية على مر القرون.
وأشار إلى أننا نفخر بشكل خاص بالإرث الثري الذي خلفته الحضارة العربية والإسلامية في إسبانيا، حيث حرصنا على الحفاظ على التراث العربي الضخم الذي يمكن رؤيته في مدن مثل غرناطة وقرطبة وإشبيلية..وذكر أن ما لا يقل عن 4 آلاف كلمة إسبانية هى مشتقة من اللغة العربية.
وحول الاحتفال هذا العام باليوم الوطني الإسبانى على أرض مصر حيث تسلم السفير مهام عمله مؤخرا بالقاهرة..أعرب السفير جوتييريث عن سعادته وعائلته ببدء فصل جديد من حياتهم "في بلد رائع مثل مصر"..مشيرا إلى أن مصر، كما إسبانيا، متجذرة بعمق في التاريخ وتلعب دورا هاما في العالم المعاصر لصالح السلام والتعاون في الشرق الأوسط، حيث تلتقي أوروبا وإفريقيا وآسيا.