تأملات في ذكرى ميلاد المصطفي صلي الله عليه وسلم

تأملات في ذكرى ميلاد المصطفي صلي الله عليه وسلمعصام عياد

الرأى17-10-2022 | 08:30

أن المتأمل في حياة النبي صلي الله عليه وسلم ، يجد العجب العجاب حبه صلي الله عليه وسلم لأمته.

فالمتأمل في حياة النبي صلي الله عليه وسلم ، يجده كثير الحب لأمته صلي الله عليه وسلم ، وكثير الانشغال بها ، فما ترك صلاة إلا ودعا لأمته صلي الله عليه وسلم فيها ، وما ترك سجده الا واستغفر لهم ، فتروي السيدة عائشة ، رضي الله عنها : "أن النبي صلي الله عليه وسلم ، قام يوما طيب النفس ، فقلت يا رسول الله ، ادعو الله لي فرفع صلي الله عليه وسلم يديه وقال : اللهم اغفر لعائشة ما تقدم من ذنبها وما تأخر ، وما أسرت وما أعلنت ، قلت يا رسول الله أو لهذه الدعوة شئنا ؟ قال والله يا عائشة انها لدعوتي لأمتي في كل صلاة أصليها

وكان صلي الله عليه وسلم مهموم دائما بأمته ، فقد جاء في صحيح مسلم عن ابي هريرة رضي الله عنه قال : قام النبي صلي الله عليه وسلم الليل كله يصلي ويدعو ويبكي ، فقال ربنا عز وجل لجبريل وربنا أعلم ، يا جبريل انزل الي محمد وسله ما يبكيك ؟ فنزل جبريل وقال يا محمد ان الله يسألك ما يبكيك ؟ فقال صلي الله عليه وسلم يا جبريل أمتي أمتي
انظر كيف كان لا يغفل عن ذكرك.. فقال جبريل ، يا رب انه يبكي شفقة علي أمته ، فقال الله عز وجل يا جبريل انزل الي محمد وقل له ، انا سنرضيك في أمتك ولا نسوئك ، وفي هذه اللحظة رضي قلب النبي صلي الله عليه وسلم لما اطمئن علي أمته.

كان دائما صلي الله عليه وسلم ما يتحدث مع أصحابه عنا ، فتارة كان يقول :" إن من اشد امتى لي حبا أقوام يأتون من بعدي يود أحدهم لو رآني بماله وأهله وولده " أي لو خير بين ماله واهله وولده ورؤيا النبي لأختار رؤيا النبي صلي الله عليه وسلم وتارة كان يقول لأصحابه صلي الله عليه وسلم " ليتنا نري إخواننا ، قلنا يا رسول الله أولسنا بإخوانك ؟ قال أنتم أصحابي واخواني قوم يأتون من بعدي ، أمنوا بي ولم يروني " وتارة يخير بين النعيم في الدنيا وبين دعوة تكون لأمته يوم القيامة ، فيترك نعيم الدنيا ورفاهية الدنيا ويترك العطاء في الدنيا من أجلنا.

يقول ابي بن كعب وسالم مولي حذيف ، افتقدنا النبي صلي الله عليه وسلم في يوم تبوك ، بعد أن كتب الله لهم النصر ، خرج النبي من بين يدي الجيش ، قال فافتقدنا فخشينا عليه ، فأخذنا نبحث عنه ، فوجدناه صلي الله عليه وسلم مقبلا علينا مستبشر الوجه ، فقلنا يا رسول الله افتقدناك ، فقال صلي الله عليه وسلم : " اتاني جبريل فخيرني بين أن يدخل نصف امتي الجنة ، وبين ان أشفع لأمتي يوم القيامة ، فاخترت الشفاعة " لتنال كل انسان منا
بل كان صلي الله عليه وسلم ، مع ضيق العيش ، وكل الابتلاءات التي تمر عليه يتحمل من أجل أمته ، فكان صلي الله عليه وسلم قادراً علي ان يدعو الله فيؤتيه ما أراد ، ولكنه ادخر دعوته لأمته يوم القيامة.

يدخل عبد الرحمن بن ابي عقيل علي رسول الله ، بعد أن قام من نومه ، وقد أثر الحصير في جنبه صلوات ربي وسلامه عليه ، فيقول يا رسول الله ، الا تسأل ربك ملكاً كملك سليمان ، فقال صلي الله عليه وسلم : " يا عبد الرحمن ان لصاحبكم عند ربك لشأن ، ولكن يا عبد الرحمن ، ما من نبي الا وكانت له دعوه ، فمنهم من جعله في دنيا كسليمان ، قال ربي هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي ، ومنهم من جعلها دعاء علي قومه كما قال نوح رب لا تزر علي الارض من الكافرين ديارا ، واما انا فادخرت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة "
كلما تنظر حياة الرسول صلي الله عليه وسلم تعجب غاية العجب
- ستة من ابناء الرسول يموتون بين يديه ، وكان قادرا علي أن يدعو ربه أن ببقي له ولده ولكنه ادخرها شفاعة لأمته
- كان يمر عليه الهلال تلو الهلال تلو الهلال ، ولا يوقد في بيته نارا ، وكان قادرا علي ان يدعو الله فيأتيه نعيم الدنيا ، ولكنه ادخرها لأمته
- أوذي صلي الله عليه وسلم و أصحابه ، وحصر في شعب أبي طالب ، وحاصره مشركي مكة يوم غزة الاحزاب ، وغدر به اليهود ، واضطربت القلوب ، وزلزلت القلوب والافئدة ، وكان قادرا ان يدعو الله ولكنه ادخرها لنا
- مرت عليه اشد الابتلاءات ، والمحن ،طعن في عرضه ، ورميت عائشة رضي الله عنها بالزني ، وكان قادرا ان يدعو الله ان يبين له الأمر ،ولكنه صبر من أجل أن تكون الدعوة لنا يوم القيامة

هكذا كان حاله صلي الله عليه وسلم مع أمته ، لا ينساها في صلاة ولا ينساها في دعاء ، لأنه كان محب صادق لهذه الامة
فهل نبادله نفس الحب ؟
إن أول علامات حبنا له صلي الله عليه وسلم ، كثرة ذكرنا له ، والتأسي به ، والصلاة عليه
ü حب الله وتكريمه عز وجل له
فقد جعل الله عز وجل الصلاة علي النبي صلي الله عليه وسلم من أعظم العبادات عند الله
و ما يتمناه المرء في الدنيا وما يتمناه في الاخرة ، إنما يناله الانسان بكثرة ذكره للنبي صلي الله عليه وسلم والصلاة عليه
هذه العبادة التي قالها الله عز وجل لهذه الامة علي سبيل الامر " ان الله وملائكته يصلون علي النبي يا ايها الذين أمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما "
فالصلاة علي النبي صلي الله عليه وسلم ،عبادة من أجل العبادات ، ينال المرء بها خيري الدنيا والاخرة
وان اكثر الناس قربا من النبي صلي الله عليه وسلم يوم القيامة ، ليس اصحاب الاموال الكثيرة ، ولا اصحاب السجود والركوع الكثير ، ولكن اقرب الناس من رسول الله يوم القيامة ، اكثرهم صلاة عليه في الدنيا ، كما جاء في حديثه صلي الله عليه وسلم " ان اولي الناس بي يوم القيامة اكثرهم صلاة علي "
وقال : " ما زال الملائكة تصلي علي أحدكم ما دام يصلي علي ، وإن اقريكم مني مجلسا اكثركم صلاة علي "
فقرب النبي صلي الله عيله وسلم منك يوم القيامة ، تحدده انت علي قدر ذكرك وصلاتك عليه
وجعل الله مضاعفة الحسانات للعبد وتكفير الذنوب ورفع الدرجات مرهونة بكثرة الصلاة عليه صلي الله عليه وسلم
فقد قال صلي الله عليه وسلم : " جاءني جبرائيل آنفا ، وبشرني ببشري من عند الله عز وجل ، وكان سبب الحديث ، أن الصحابة رضوان الله عليهم ، رأو رسول الله صلي الله عليه وسلم ، سجد سجدة وأطالها جدا ، فلما انتهي قالوا يا رسول الله ، فعلت شيئا لم تفعله من قبل ، فقال صلي الله عليه وسلم ، اتاني جبرائيل آنفا وبشرني أن الله عز وجل ، قد أعطي لمن يصلي علي صلاة واحدة ، أن يصلي الله عليه عشرا ، ويرفعه الله في الجنة عشر درجات ، ويكتب له عشر حسنات ، ويمحو له عشر سيئات
ü فضل الصلاة عليه صلي الله عليه وسلم
الصلاة علي النبي صلي الله عليه وسلم عبادة عظيمة ، ولا تحتاج الي جهد ومع ذلك فان أجرها وفضلها عظيم ، فانظر الي هذا الحديث وعظم الاجر فيه ، رغم قلة العمل فيه ، قال صلي الله عليه وسلم " من صلي علي حين يصبح عشرا ، وحين يمسي عشرا ، حلت له شفاعتي يوم القيامة " فكم تأخذ من الوقت ؟ انظر الي عظم الاجر والفضل من الله ، وقلة العمل
بل إن من أعظم الشرف ، أن يذكر الانسان عند رسول الله صلي الله عليه وسلم ، بأبيه وأمه واذا كان الانسان منا ، يفرح أن يذكر اسمه عند كبير من الكبراء ، فان الشرف الحقيقي ، أن تذكر باسمك واسم ابيك عند رسول الله ، قال صلي الله عليه وسلم : " إن الله وكل بقبري ملكاً ، معه اسماء الخلائق ، ما يصلي علي من احد ، إلا وينادي الملك ، يا محمد إن فلان ابن فلان يصلي عليك " هذا هو الشرف أن تكون معروفا عند رسول الله
بل عظيم الشرف ، أن تنال الصلاة من رسول الله عليك ، فقد قال صلي الله عليه وسلم " ما من احد يصلي علي الا رد الله علي روحي حتي ارد عليه السلام "
الله اكبر ما اعظمه من شرف أن يكون الذي يرد عليك السلام هو رسول الله
كثير من الناس يقول لمن ذهب الي الحج أو العمرة ، بلغ سلامي الي رسول الله صلي الله عليه وسلم والنبي صلي الله عليه وسلم أراحك من هذا كله ، فقد قال صلي الله عليه وسلم" حيثما كنتم قصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني " فما من مرة تصلي عليه الا وتصل اليه
وانظر الي هذه البشري العظيمة ، التي جاءت في حديث ابي بن كعب رضي الله عنه: قلت: يا رسول الله إني أكثر الصلاة عليك فكم أجعل لك من صلاتي؟
فقال: ما شئت، قال: قلت: الربع، قال: ما شئت فإن زدت فهو خير لك، قلت: النصف، قال: ما شئت، فإن زدت فهو خير لك، قال: قلت: فالثلثين، قال: ما شئت، فإن زدت فهو خير لك.
قلت: أجعل لك صلاتي كلها قال: اذا تكفى همك، ويغفر لك ذنبك "والهم لا يكون الا في الدنيا وغفران الذنوب يكون في الاخرة ، فالصلاة علي النبي صلي الله عليه وسلم تمنحك خيري الدنيا والاخرة
فلا يوجد عطاء لله سبحانه وتعالي علي شيء كعطائه علي الصلاة علي النبي ، فوالله هي مفتاح كل خير لعباد الله سبحانه وتعالي
ü الحرمان لمن لا يصلي عليه
و أوصي نفسي والجميع بالمحافظة علي تلك العبادة ، وعدم تضيعها او التفريط فيها ، وقد حذر من ذلك النبي صلي الله عليه وسلم فقال : " ما من مجلس لا يذكروا الله فيه ولا لم يصلوا علي النبي فيه الا وكان مجلسهم هذا حسرة عليهم يوم القيامة "
ويقول صلي الله عليه وسلم أيضاً : " ما تحسر أهل الجنة علي شيء كتحسرهم علي ساعة لم يذكروا فيها الله "
فكم من المجالس لم نذكر فيها ربنا ، وكم من المجالس لم نصلي فيها علي نبينا صلي الله عليه وسلم ، وحذر المصطفي صلي الله عليه وسلم فقال : " من ذكرت عنده فخطأ الصلاة علي الا خطأ طريق الجنة يوم القيامة "
ولا يزل أحد يوم القيامة كمن ذكر اسم النبي ولم يصلي علي .

صعد النبي المنبر فيقول أمين ، ثم يصعد الثانية فيقول أمين ، ثم يصعد الثالثة فيقول أمين ، فسأله الصحابة عن تفسير ذلك ، فقال اتاني جبريل ، فقال يا محمد ،من أدرك رمضان فلم يغفر له فأكبه الله في النار قل آمين فقلت آمين ثم قال من أدرك أبويه أو أحدهما ولم يغفر له بهما فأكبه الله في النار قل آمين فقلت آمين ، ثم قال يا محمد من ذكرت عنده ولم يصلي عليك فأكبه الله في النار فقل آمين قلت آمين وتذكر يوم القيامة ، هذا اليوم الذي يفر فيه المرؤ من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه فان رسول الله لم يتركك ما دمت تصلي عليه فالعطاء كله في الصلاة عليه صلي الله عليه وسلم والحسرة لمن لم يصلي عليه ما أعظمك يا حبيبي يا رسول الله
اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلي آله وصحبه وسلم

أضف تعليق