الحرب الروسية الأوكرانية.. أزمة تتمدد (3)

الحرب الروسية الأوكرانية.. أزمة تتمدد (3)دكتور وليد فاروق

الرأى23-10-2022 | 08:19

استكمالا لسلسة مقالاتنا السابقة بعنوان "الحرب الروسية الأوكرانية.. أزمة تتمدد".. والتى نصل فيها اليوم إلى المقال الثالث بنفس العنوان نظراً لما نراه من أهمية لهذا الطرح المعنى فى الأساس بالأزمات "الفرعية" التابعة والناتجة عن تداعيات تلك الحرب "الأزمة الأم".. فقد سبق وأن شبهنا تلك الحرب بأنها الزلزال الذى أصاب النظام العالمى الحالى فتسبب فى تصدعه الأمر الذى يلزم معه إجراء عمليات ترميم عاجلة له.. قد تشمل تحوله من النظام الاحادى القضبية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية بتفويض ودعم كاملين من أوروبا الغربية إلى نظام متعدد الأقضاب تتشارك فيه الولايات المتحدة الأمريكية فى قيادة العالم مع كلاً من روسيا والصين.. وقد تشمل عملية الترميم هذه طرح مشروع لتعديل ميثاق الأمم المتحدة خاصة فيما يتعلق بالدول دائمة العضوية فى مجلس الأمن وهو الملف الذى تجنب الغرب فتحه لعدة عقود.. ليشمل التعديل إنضمام عدد أكبر من الدول سواء للدول ذات العضوية الدائمة "خمسة أعضاء فقط حاليا" أو للدول الغير دائمة العضوية "عشرة دول فقط الآن" ليصل إجمالى أعضاء مجلس الأمن "بعد التعديل" إلى 25 دولة بدلا من 15 دولة حاليا لتحقيق المزيد من العدالة فى التمثيل الجيوسياسى للكرة الأرضية وهو الأمر الذى تقاومه أوروبا الغربية ومن خلفها الولايات المتحدة بقوة.. بينما تدعمه كلا من روسيا والصين كلا طبقا لوجهة نظره وهو حديث يطول سيتم التعرض له مستقبلا إن شاء الله .

إلا أن توابع هذا الزلزال لن تقف على هذا الحد.. فقد ضرب أحد توابع هذا الزلزال أوروبا الغربية مسببا لها أزمة طاقة غير مسبوقة أثرت وستؤثر على كافة مناحى الحياة وعلى حجم الإنتاج الصناعى تزامنا مع عرقلة لسلاسل الإمداد خاصة فى مجال المنتجات الغذائية لتدخل أوروبا ومعها أمريكا ومعظم الدول المرتبطة بهم اقتصاديا فى أزمة تضخم مالى غير مسبوقة قد يتبعها ركود عالمى كبير وهو الأمر الذى دفع الشعب الفرنسى إلى التظاهر فى الشوارع والدعوة إلى اضراب عام احتجاجا على موجات الغلاء الغير مبررة بالنسبة للمواطن الفرنسى.. ونعتقد أن هذه الموجة الاحتجاجية مرشحة للانتقال إلى أكثر من عاصمة أوروبية أخرى خاصة بريطانيا التى تعانى رئيسة وزرائها المنتخبة حديثا من حالة تخبط غير مسبوقة فى إدارتها للملف الاقتصادى .. أدت إلى تقدمها بإستقالتها بعد 45 يوم فقط كرئيسة وزراء فى سابقة تعبر عن مدى ضعف النظام الاقتصادى البريطانى الحالى وعدم قدرته على تحمل أى ضغوط مفاجئة رغم أن انجلترا ليست طرفا فى الحرب ولا دولة مواجهة ولا حتى جوار جغرافى.. ومن جهه أخرى فهذه الاستقالة تعبر عن هشاشة النظام الانتخابى والسياسى البريطانى ..فالسيدة ترأس يتم إعدادها لهذا المنصب منذ أكثر من عشرون عاماً.. ونظريا هل لديها بحكم مناصبها السابقة القدرة والإمكانية على شغل هذا المنصب بكفاءة؟

بينما توجه تابع آخر لهذا الزلزال ليضرب النظام الحاكم فى إيران "نظام آيات الله" والذى على مايبدوا قد قرر الغرب التخلص منه الآن .. عقابا لهم على تعاونهم الكامل مع روسيا فى أكثر من ملف أبرزها الملف السورى.. ثم الدعم الكامل ل روسيا فى الحرب الروسية الأوكرانية وما تردد عن إمدادات بطائرات مسيرة ايرانية ل روسيا وإن كان ملف تسويق البترول الروسى فى ظل العقوبات الغربية عن طريق إيران يبقى هو الأهم والأكثر استفزازا للغرب.. فكان تلك الحراك الشعبى واسع النطاق والمدعوم من الغرب ومن المؤسسات الأممية الدولية ضد حكم آيات الله فى إيران معلنا بوضوح عدم رغبة الغرب فى استمرار آيات الله فى الحكم.. وهو ما يعنى دخول إيران فى مرحلة فوضى لفترة زمنية غير محددة فى ظل عدم وضوح الرؤى بالنسبة لنظام الحكم البديل أو المرشح لخلافة آيات الله .. ومن ثم يجب علينا توقع السيناريو المحتمل للمنطقة فى مرحلة ما بعد انتهاء حكم آيات الله لإيران.. فهناك ثلاث ملفات هامة تديرها طهران بمهارة.. ملف حزب الله فى لبنان.. ملف حزب الحوثى فى اليمن.. ملف سوريا.. ولنبدأ بالملف السورى الذى لا يخفى على الجميع أن الداعم الأكبر لنظام حكم بشار هو الجانب الإيرانى ثم الجانب الروسى.. وفى ظل انغماس الروس فى الحرب الأوكرانية والعقوبات الدولية وفى حالة سقوط نظام آيات الله قد يجد بشار الأسد نفسه ظهره للحائط فى مواجهة المتربصين به والمتمثلين فى الذئب التركى والثعلب الإسرائيلى الذى يطمع كل منهما فى إقتطاع أجزاء من الأراضى السورية لصالح كلا منهما.. فالأتراك سرعان ما سيهرولون لتنفيذ عملية عسكرية محدودة داخل الأراضى السورية "سبق الإعلان عنها فى شهر يونيو الماضى" تشمل احتلال شريط بمواجهة قد تصل إلى أكثر من 400كم وبعمق حتى 30 كم داخل الأراضى السورية هدفها المعلن تشكيل منطقة عازلة بين كلا من الأكراد فى سوريا وتركيا.. إلا أن الهدف الغير معلن هو تشكيل دولة كردية على أجزاء من الأراضى السورية وربما العراقية تضم كافة أكراد المنطقة .. يتخلص فيها أردوغان من عدوة الأول داخل تركيا وهم الأكراد "18 مليون نسمة " ويمثلون 18% من إجمالى السكان.. أما الجانب الإسرائيلى فيطمع فى تأمين هضبه الجولان المحتلة أساسا .. وتأمين حدوده مع سوريا بإحتلاله منطقة آمنة داخل الحدود السورية تضمن تأمين هضبة الجولان خاصة فى ظل زيادة حركة الاستيطان الإسرائيلى بها.. وإذا كان حلم إسرائيل الكبرى قد تحطم غرباً بفعل صلابة الجيش المصرى ومن خلفه الشعب.. فإن حلم التمدد شرقا على حساب الأراضى السورية فى هذه الحالة سيكون ممكناً .. ولا نستبعد السيناريو الأسوأ وهو حدوث تنسيق تركى إسرائيلى فى هذا الشأن .. ومع الوضع فى الاعتبار أن توغل الجانب الإسرائيلى داخل سوريا يضمن لها قطع كافة خطوط الإمداد عبر الأراضى السورية إلى حزب الله في لبنان إمعانا فى حصاره وإضعافه تمهيدا لتصفيته وهو الحزب الذى تم تصنيفه كمنظمة إرهابية "2021" لتوفير المبرر القانونى لأى إجراءات تتخذ لحصاره وتدميره.

وإلى حديث آخر بإذن الله نتعرض فيه إلى المزيد من التوابع للزلزال الناتج عن الحرب الروسية الأوكرانية..

أضف تعليق