.. من مواطن للرئيس

جاء عقد المؤتمر الاقتصادى كأحد أهم الأحداث التى شهدتها القاهرة، لكونه أحد مسارات الدولة المصرية لمواجهة الأزمة العالمية واستكمالًا لمسار الحوار الذى حرصت عليه الدولة المصرية وحديث المصارحة بين الرئيس والشعب.

في ظل حرب تديرها قوى الشر محاولة إعادة الروح إلى مخططها الاستراتيجي لإسقاط الدولة المصرية، فكان وعي الشعب لها بالمرصاد وتحرك القيادة لمواجهة مخططات هدم الدولة، من خلال تثبيت أركانها وإعادة بنائها، إحدى ركائز النجاح.
جاء حديث المصارحة من الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر من خلال طرحه مجموعة من النقاط، وعلى مدى ثلاثة أيام ناقش المؤتمر توصيف الحالة المصرية والتحديات التى تواجهها وكيفية عبور المرحلة لاستكمال مسار الدولة المصرية وفق فلسفة الحكم التى حددها الرئيس لمصر (وهى أن تتحرك الدولة وفق استراتيجية المسارات المتوازية) لمواجهة التحديات.
كلمات الرئيس فى بداية المؤتمر والتوصيات الصادرة عنه والقرارات الحكومية التى تلته تستوجب منا أن نتوقف عندها.

هى رسالة من مواطن للرئيس فى ظل الحرب التى تستعر ضد الدولة المصرية مستغلة تأثير الأوضاع الاقتصادية على مصر والعالم، وحالة عدم الاستقرار التى تضرب المحيط الإقليمى للدولة.
جاء حديث الرئيس فى كلمته خلال الجلسة الافتتاحية متضمنًا عدة نقاط توقف عندها، وهو ما أتوقف عنده كمواطن يرسل بعدة رسائل إلى الرئيس، فقد قال: «عمق الأزمة التى تعانى منها الدولة المصرية فى العصر الحديث يتطلب إجراءات حادة وقاسية ومستمرة لعلاج كافة الاختلالات التى تشكلت خلال الـ50 عامًا الماضية.. حيث إن الأزمات التى عانت منها مصر تطلبت إجراءات وحلولًا جذرية».


الرسالة الأولي:


نعم الدولة المصرية كانت تعانى من أزمة حقيقية على مدار الخمسة عقود الماضية بل أكثر من الخمسة عقود بكثير، فصورة القاهرة التى يتحدث عنها الجميع بأن شوارعها كانت تغسل كل يوم، ليست هى صورة مصر الحقيقية.
نعم كانت هى الصورة المصدَّرة للخارج فى الأربعينيات والخمسينيات تبهر العالم بجمالها، ولكن غالبية الشعب لم يكن يجد سوى لقيمات ونحن أبناء الريف نعلم ذلك تمامًا وسمعنا تفاصيله من أجدادنا ولم ننس السخرة فى حقول الأسرة المالكة والكوليرا التى كانت تضرب أجساد المصريين فتدفعهم إلى المصير المحتوم، وحالة العوز الشديد الذى كان يعانى منه أكثر من 90% من أبناء الشعب المصرى بناة الدولة الحقيقيين، ولن ننسى حفر القناة التى دفنت فى رمالها مئات الآلاف من المصريين.


إنها أزمة تجاوزت الخمس عقود بكثير، وعندما حاول المصريون تغيير واقعهم كانت قوى الشر لهم بالمرصاد لوقف هذا التغيير.
فازدادت العشوائيات وأصبحت الصحة (بعافية) وكانت وسائل النقل الحديثة
لا يحظى بها سوى عدة مدن منهما العاصمة والإسكندرية، ولم تكن هناك كهرباء أو خدمات أو بنية تحتية رغم الزيادة السكانية، وما إن بدأت الدولة إعادة بناء مؤسساتها عقب ثورة يوليو حتى كان استهداف قوى الشر لها بدءًا من العدوان الثلاثى مرورًا بـ 67 وانتهاءً بمواجهة الإرهاب والحروب غير التقليدية، مما زاد من حجم التحديات وعمق الأزمة بل إن الحلول غير الجذرية لها ضاعف من حدتها، وهنا كانت فلسفة الحكم فى الجمهورية الثانية هو العمل بمسارات متوازية لمواجهة التحديات وحل الأزمات والمشكلات ومنع تكرارها، وهو تحدٍ غاية فى الصعوبة، وهذا ما ندركه كمواطنين فكان لابد لنا أن نتحمل.


الرسالة الثانية:


ثم تحدثتم عن أن «مجابهة هذه التحديات كانت تصطدم بمحاذير الحفاظ على الاستقرار الهش للدولة بدلًا من التحرك فى مسارات الحلول الحاسمة التى تتسم بالخطورة.»
سيادة الرئيس بالفعل كانت عملية مجابهة التحديات التى كانت تواجهها مصر والأزمات، وكان الاستقرار الهش بمثابة صخرة صلبة فى مواجهتها فكيف لدولة بمجرد أن تتحرك باتجاه إحدى خطوات الإصلاح الاقتصادى لها، تواجه بحالة من الفوضى، رغم أن المواطن فى تلك المرحلة كانت لقرارات الدولة لديه رصيد كبير من الثقة، بعد تحقيق النصر، لكن الدولة المنتصرة كانت مازالت تلملم جراحها من آثار ما تكبدته على مدى سبع سنوات، وظن المواطن أن الحرب قد انتهت وعليه ان يسرع بحصاد ثمار ما زرعه وما تكبده لاستعادة الأرض؛ فلم ندرك وقتها أننا نخطئ فى حق أنفسنا.


الرسالة الثالثة:


لقد قلتم: «محصلة الضغوط الداخلية والخارجية كانت دائمًا تتطلب دعمًا شعبيًا قويًا ومستمرًا وتضحيات لم يكن الرأى العام مستعدًا لتقديمها فى ظل حالة الفقر والعوز التى يعيش فيها لسنوات طويلة».
وهذه النقطة ترتبط بسابقتها، فالشعب الذى عانى وتحمل الكثير لدعم قواته المسلحة فى معركة تحرير الأرض أصابته حالة من الفقر والعوز، ولم يكن مقبولًا لديه بعد أن حقق النصر الذى ظن أنه قد انتهت به المعركة، ولم يدرك أن المعركة لم تنته بعد، فرفض أى محاولة للإصلاح الداخلي، الذى كان يحتاج لمزيد من الدعم الشعبي.
الأمر الذى نتج عنه حالة استقرار ولكن تفاقمت الأزمة من الداخل وزادت حجم التحديات لدى الدولة.


الرسالة الرابعة:


«إننا ندرك أن حجم الثقة فى قدرة أجهزة الدولة لإيجاد مسار صحيح وسط خيارات صعبة كان يتطلب عملًا شاقًا ومستمرًا لم يكن متوفرًا فى ظل عودة جماعات ما يسمى بالإسلام السياسى المستمرة فى التشكيك والتشويه وأحيانًا التخريب والقيام بعمليات إرهابية تستهدف ضرب أحد أهم موارد الخزانة العامة للدولة (السياحة) بل وضرب الاستقرار، فرغم أن الرئيس السادات منحهم الفرصة ليقدموا مشروعًا، ولكن النتيجة أنهم لا يعرفون سوى لغة الدم فقتلوه».
المشهد الذى تكرر عقب أحداث يناير 2011 فاستهدفوا إحداث الفوضى للوصول للحكم، وما إن وصلوا إليه «لم يكن لديهم مشروع أو خارطة طريق حقيقية لإعادة بناء الدولة من جانب».. «وكان غياب الرؤية من جانب الكثير من المثقفين والمفكرين والمهتمين لحجم التحديات المطلوب مجابهتها.» وكانت النتيجة قفز الجماعة الإرهابية على كرسى الحكم وسعيها لتحويل الدولة إلى لا دولة فالتنظيم لا يؤمن بالوطن ويراه حسب مرشدهم (عاكف) ليست إلا حفنة من تراب عفن أمام مشروعهم.
لكن الشعب أدرك سريعًا واستعاد دولته ولكن بتكلفة باهظة أثرت بشكل كبير على الاقتصاد وقدم التضحيات من أرواح ودماء أبنائه من القوات المسلحة والشرطة فى مواجهة الإرهاب.


الرسالة الخامسة:


«الجهاز الإدارى للدولة لم يكن مستعدًا لتنفيذ خطط الإصلاح المطلوبة، بل بدا واضحًا أن الإصلاح يجب أن يشمل هذا الجهاز ويعالج ترهله» وهى حقيقة نتاجها كان مجموعة المصطلحات والعبارات التى رسخت فى الموروث الشعبى مثل «فوت علينا بكره يا سيد» «شخلل علشان تعدي» «الجنيه غلب الكارنيه» وغيرها من العبارات التى عبرت عن خلل جسيم فى الجهاز الإدارى يجب علاجه ليكون قادرًا على تحمل تنفيذ خطط الإصلاح، بالإضافة إلى ما تحمله هذا الجهاز من تبعات بعد أحداث 2011 والتعيينات غير المبررة والتى ما زال يعانى من آثارها بعد 11 عامًا.
ولكن مع ما يحدث حاليًا من تطوير للجهاز الإدارى للدولة وميكنة الخدمات وغيرها إلا أن العامل البشرى ما زال عقبة من العقبات يجب الانتباه إليها، لأن العبارات السابقة باتت فى العديد من المصالح مستبدلة بعبارة جديدة مثل «السيستم وقع»، الأمر الذى يستلزم من المسؤولين المتابعة الدقيقة لسير العمل والحوار مع المواطنين، فليس من المعقول أن يجرى الرئيس حوارًا مع المواطنين أسبوعيًا خلال تفقده للمشروعات ونجد مسؤولين بل رؤساء أحياء لا يستطيع المواطن الوصول إليهم.


الرسالة السادسة:


نعم كانت ردود الأفعال الشعبية لتحمل تكلفة الإصلاح وضغوطها دائمًا ما تشكل هاجسًا ضخما وعميقًا لدى صناع القرار وتقديرات الأجهزة الأمنية؛ وقد كانت أحداث يناير 1977 دليلًا على ذلك، وكانت بمثابة هاجس للقيادة السياسية بعد ذلك، كما أن رصيد القيادة السياسية والحكومة لم يكن بالقوة اللازمة التى يمكن أن تشكل قاعدة لانطلاق خارطة طريق صعبة ومريرة تحتاج لسنوات عمل شاقة وطويلة.
بالإضافة إلى أن قدرات الدولة المصرية لم تكن أبدًا كافية خلال العقود الماضية لتلقى ضربات هائلة ومتتالية مثل الصراعات والحروب، الأمر الذى ندركه تمامًا، فهناك تحديات كثيرة واجهت متخذ القرار وجعلت من الصعب التحرك باتجاه حلول جذرية رغم إدراكه التام أن تلك الحلول سيكون لها أثر إيجابى على المواطن فى المستقبل.
ولكن عدم وضوح المشهد بالكامل للمواطن فى ذلك الوقت وعدم قدرة القوى الناعمة على التحذير من خطورة تفاقم الأوضاع ما لم يتم اتخاذ قرارات جريئة للإصلاح جعل الضغوط الداخلية بالإضافة إلى الضغوط الخارجية حائلًا دون التحرك فى الاتجاه الصحيح، الأمر الذى جعل تكلفة الإصلاح فى زيادة يومًا بعد يوم، وأصبح تداخل الأزمات وتشابكها يشكل حالة من الإحباط واليأس لدى الغالبية، وليس فى الإمكان أحسن مما كان.
هذا ما يدركه المواطن الآن ويجعله يتحمل حجم التبعات الصعبة للإصلاح الاقتصادى فى سبيل الوصول إلى الهدف (النهوض بالدولة والوصول لمكانتها التى تليق بها).


الرسالة السابعة:


نعم لم تستطع الدولة بناء سياق فكرى إصلاحى للحالة فى ذلك الوقت، ولم تكن مؤسساتها عمليًا قادرة على تنفيذه حتى لو تم طرحه والتأكد من سلامته.
لكننا بعد أحداث 2011 وما أحدثته فى مصر والمنطقة المحيطة ندرك أن ما يجرى على أرض مصر يستهدف بناء دولة قوية قادرة على حماية مقدراتها والحفاظ على أمنها واستقرارها، مستهدفة رفع مستوى معيشة مواطنيها؛ نعم ما تحقق حتى الآن لم يصل إلى ما نطمح إليه كمواطنين، ولكن لأن طموحنا نحن المواطنين يتطابق مع طموحكم (سيادة الرئيس) فإننا سنظل على العهد مدافعين عن هذه الدولة لأننا نثق فى قيادتكم وإخلاصكم.
مع العلم أننا ما زلنا فى حاجة إلى استراتيجية لبناء الوعى فى ظل معركة أخطر أسلحتها هو السيطرة على العقول.
إن إيمان الشعب وثقته فى قيادتكم وإيمانه بحجم التحديات نابع من وعى فطرى لديه قد تؤثر فيه قوة الحرب الموجهة إليه، لكن لا تجعله يحيد أبدًا عن إدراك حجم المخاطر والتحديات وحجم ما تحقق من إنجاز خلال الفترة الماضية لتثبيت أركان الدولة ومؤسساتها لتصبح قادرة على القيام بدورها لخدمة المواطن.
نعم «التحديات لن تنتهى فى أى دولة فى العالم، والحلول فى ظل هذه المعطيات باتت مستحيلة خاصة مع تداخل الأولويات» لكننا نثق أن بالعمل والإنتاج والجد والحرفية والثقة الدائمة فى الله ثم الثقة فى قيادتكم لهذا الوطن فإننا نسير نحو مستقبل أفضل.


الرسالة الثامنة:


سيادة الرئيس لقد تساءلتم ما الحلول ودرجة جودتها وكفاءتها.. وهل نحن مستعدون للتكلفة شعبًا وحكومة وقيادة؟ وإذا كانت الحلول أقل من التحدي، فإن التحدى سيكبر ويزيد، وإذا كانت الحلول متساوية مع التحدي.. سيصبح التحدى قائمًا، ولكن لو كانت الحلول أكبر من التحدى فإن التحدى سيتراجع.
ونحن نؤكد لكم أن ما تحقق خلال السنوات السبع الماضية من إنجاز يؤكد أننا نثق فيما تقومون به .. نعم البسطاء مازالوا يعانون رغم ما تحقق ورغم حزم الرعاية الاجتماعية التى تزداد، لكن لا يمكن أن تزعزع ثقتنا فى الدولة ولا يمكن أن نتركها تضيع فى محيط يموج بالفوضى.
نعم لدينا ملاحظات على أداء بعض الوزراء والمسؤولين، خاصة فى الوزارات الخدمية، لكننا لا يمكن أبدًا أن نسمح بأن تسقط الدولة المصرية أو تعود جماعة الدم و الإرهاب إلى المشهد من جديد، نحن ندرك حجم التحديات ونرى بدقة حجم المخاطر والتهديدات.

الرسالة الأخيرة


نؤكد لكم أننا لا يمكن إلا أن نكون معكم فى خندق واحد وعلى خط المواجهة، لحماية الوطن والتصدى لمحاولات أعدائه النيل منه، لن نترك محاربًا مخلصًا محبًا لوطنه يقف إلا وكنا معه كتفًا بكتف، سنتحمل كافة الصعاب، فالشعوب لا تموت جوعًا، لكنها تموت عندما تفقد أوطانها.

أضف تعليق