البطارية الحيوية «6»

البطارية الحيوية «6»د. تامر جمال الدين

الرأى1-11-2022 | 14:15

ربما لاحظت أن مياه الشلالات تتحرك من الأعلى إلى الأسفل وليس العكس، والسبب فى ذلك كما هو معلوم للجميع هو الجاذبية الأرضية التي تحرك جميع الأشياء نحوها. كلما ازداد ارتفاع النقطة التي تسقط منها مياه الشلال، كلما ازدادت الطاقة الكامنة (المخزنة) فى جزيئات المياه فى أعلى الشلال، وبالتالي كلما ازدادت سرعة سقوط المياه وارتطامها بالأرض. ولذلك فإن بعض الشلالات تستخدم كمصادر لتوليد الكهرباء وذلك من خلال وضع التوربينات أسفل الشلال، وهي التي تحول الطاقة الحركية لجزيئات المياه إلى طاقة كهربائية. إذا لدينا هنا مصدر للطاقة، وسببه هو وجود فرق فى الطاقة الكامنة لجزيئات الماء أعلى الشلال وأسفله، وهو ما يجعل المياه تتحرك من أعلى إلى أسفل، ثم لدينا الكهرباء التي يمكن أن تنتج من تحويل حركة المياه من أعلى إلى أسفل إلى طاقة كهربائية باستخدام المحولات الكهربائية كما ذكرنا. استمرارية وجود مياه أعلى الشلال سيضمن وجود تلك الطاقة المتجددة، وحركة المياه من أعلى إلى أسفل ستضمن توليد الكهرباء. مثال آخر، وهو البطارية الجافة التي نستخدمها فى حياتنا اليومية. البطارية لها قطب موجب، أي أنه تتجمع فيه شحنات موجبة، ولها قطب سالب، أي تتجمع فيه شحنات سالبة. فى حالة عدم استخدام البطارية تكون هناك طاقة كيميائية مخزنة كامنة نتيجة لوجود فرق جهد ما بين القطبين، المماثل لفرق الارتفاع فى حالة الشلال المائي، ما بين القطبين الموجب والسالب.

بمجرد توصيل القطب الموجب بالسالب من خلال وضع البطارية الجافة فى دائرة كهربائية تتحول الطاقة الكيميائية إلى طاقة كهربائية من خلال تحرك الشحنات السالبة ناحية القطب الموجب للبطارية الجافة. إذا لدينا هنا مصدر للطاقة التي يمكن تخزينها من خلال فرق الجهد ما بين الموجب والسالب، وبمجرد التوصيل تسري الكهرباء. وإذا ما أردنا أن نعيد شحن البطارية فإننا نوصل تلك البطارية بجهاز يعمل على إعادة الشحنات السالبة إلى مكانها والموجبة إلى مكانها، وبالتالي إعادة فرق الجهد إلى ما كان عليه، بالضبط وكأنك ترفع المياه الموجودة فى أسفل الشلال وتعيدها إلى أعلاه. أردت أن أبدأ بهذه الأمثلة التي نراها بأعيننا أو نستخدمها فى حياتنا اليومية فى أماكن كثيرة، قبل أن نذهب إلى وضع مماثل إلى حد كبير فى أجساد الكائنات الحية وهو غشاء الخلية الحيوية والذي يعتبر المكان الذي يتم فيه تخزين الطاقة الكهربائية للكائن الحى.

جدار الخلية يتكون أساسا من أحماض دهنية، هذه الأحماض الدهنية كارهة للماء وبالتالي تسمح بمروره، وذلك لأن جزيء الماء متأين جزئياً والأحماض الدهنية لا تسمح بمرور الأيونات أو الجزيئات المشحونة بشكل عام، والأيونات كما ذكرت من قبل هي ذرات يكون لديها إلكترون زائد فتصبح أيونات سالبة أو ذات إلكترون ناقص فتصبح أيونات موجبة. تذكر معي التجربة التي كنا نجريها ونحن أطفال عندما نضع نقطة ماء (لها شحنة جزئية) فى كوب من الزيت (أحماض دهنية) و نجد أن نقطة الماء تمر بصعوبة شديدة جدا من خلال الزيت. يماثل هذا الوضع محاولة مرور الشحنات من خلال الغشاء الخلوي الدهني للخلية. وكنتيجة لطبيعة هذا الجدار العازل الدهني فهو يعمل كمكثف، ما يعني أنه يقوم بتجميع الأيونات الكهربائية على سطح الخلية دون أن يجعل هذه الأيونات تمر من خلال الجدار الخلوي. يكون تركيز الأيونات الكهربائية الموجبة أكثر على السطح الخارجي للخلية بينما يكون تركيز الأيونات السالبة أكثر على السطح الداخلي، وذلك يعود لأسباب عديدة سنذكرها فيما بعد. المهم الآن أن تتذكر أن خارج الغشاء الخلوي للخلية يكون موجبا بسبب زيادة تركيز الشحنات الموجبة وتكون الناحية الأخرى من الغشاء الخلوي الدهني سالبة الشحنة بسبب تجمع الأيونات السالبة، وكما نعرف فإن الأيونات الموجبة والسالبة تجذب بعضها البعض، ولذلك يتم تخزين الطاقة نتيجة قوة الجذب ما بين الأيونات الموجبة والسالبة بالضبط كما يتم تخزين الطاقة بسبب فرق الارتفاع ما بين أعلى وأسفل الشلال أو ما بين القطب الموجب والسالب للبطارية الجافة، ولكن فى حالة الغشاء الخلوي للخلية لا تتحرك الشحنات الموجبة نحو السالبة أو السالبة نحو الموجبة، تماما كما لو أننا تخيلنا أننا نمنع المياه الموجودة فى أعلى الشلال من النزول إلى أسفله! يتراوح فرق الجهد ما بين داخل وخارج الخلية من 70 إلى 90 ملي فولت، أي أننا نمتلك فى كل خلية عصبية أو قلبية بطارية صغيرة. قارن ذلك بالبطارية الجافة (البطارية القلم كما نسميها) والتي يوجد بها فرق جهد ما بين قطبيها 1.5 فولت.

لكن مرور الماء والأيونات من خارج الخلية إلى داخلها والعكس يعتبر أمرا ضروريا جدا لصحة وحيوية الخلايا من ناحية، ومهم أيضا للكهرباء الحيوية للجسم كما سنتكلم لاحقا. كيف تسري الكهرباء إذن؟! توجد أنفاق تصل ما بين خارج وداخل الخلية. تلك الأنفاق لها أبواب تفتح فقط عندما تحتاج الخلية لمرور بعض الأيونات أو لإعادة ترتيب بعض الأيونات. هذه الأنفاق متخصصة جدا أي أن كل نفق يمر فيه نوع معين من الأيونات الموجبة أوالسالبة، وبالطبع هناك بعض الاستثناءات. أيضا بعض الأنفاق يعمل فى اتجاه واحد فقط، ما يعني أنه يوصل الأيونات إما من خارج الخلية إلى داخلها أو من داخل خارج الخلية إلى خارجها. البعض الآخر يوصل الأيونات فى الاتجاهين وذلك تبعا لتركيز الأيونات على جانبي الخلية، فالأيونات تتحرك فى معظم الأحيان من التركيز الأعلى لها إلى التركيز الأقل بدون الاحتياج لطاقة لتحركها. بمجرد فتح تلك الأنفاق، تتحرك الأيونات فى الاتجاه المطلوب. تلك الأنفاق هي القنوات الأيونية وهي السبب فى سريان الكهرباء، الأيونات فى تلك الحالة، فى أعصاب الكائن الحي وهو ما سنتحدث عنه فى الحلقات القادمة.

أضف تعليق

وكلاء الخراب

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
إعلان آراك 2