تفاصيل كلمة أبو الغيط فى افتتاح القمة العربية الـ 31 بالجزائر

تفاصيل كلمة أبو الغيط فى افتتاح القمة العربية الـ 31 بالجزائر الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط

عرب وعالم1-11-2022 | 21:33

قال أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية، إن القمة العربية المقامة حاليا في الجزائر، تلتئم بعد ثلاثة أعوام من انقطاعٍ فرضته ظروف جائحة كورونا، وأحسب أن انعقاد القمة جاء في وقته، إذ أن ما يشهده العالم من تغيرات غير مسبوقة منذ عقود، وما ترتبه هذه التغيرات في الظروف الدولية من تبعات هائلة على الشعوب والدول عبر العالم، يجعل القمة ضرورةً واجبة، وفرصة سانحة لكي نرتب أوراقنا.

وجاء نص كلمة الأمين العام فى افتتاح القمة العربية 31 ب الجزائر كالتالى:

سيادة الرئيس عبد المجيد تبون

أصحاب الفخامة والسمو،

السيدات والسادة،

اسمحو لى فى البداية أن أتقدم بجزيل الشكر وعميق الامتنان لكم سيادة الرئيس.. ومن خلالكم إلى شعب الجزائر الحبيب، وحكومتها... على ما أُحطنا به من كرم ورعاية منذ وصولنا إلى هذه الأرض الخيرة.. وأن أهنئكم على تبوئكم رئاسة القمة فى دورتها الحادية والثلاثين.. وأدعو الله أن يوفقكم إلى ما فيه خير أمتنا وشعبنا.. وأتقدم لكم بخالص التهنئة كذلك، باسم الجامعة العربية، فى ذكرى اندلاع ثورة التحرير منذ 68 عاماً.. تلك الثورة العزيزة على قلوب العرب جميعاً.. والتى أعلت من قيم الحرية وحق تقرير المصير إلى حدِ تقديم تضحياتٍ لا توصف... لتصيرَ نموذجاً نادراً ومثالاً باهراً على ما يمكن أن تفعله الشعوب وتحققه إن هى أرادت والحرية والكرامة.

كما اتقدم بالشكر والتقدير للسيد الرئيس قيس سعيد، رئيس الجمهورية التونسية، على الجهد المقدر الذى بذلته تونسطوال رئاستها للقمة السابقة.

وأغتنم هذه الفرصة، سيادة الرئيس، لنترحم جميعا ًعلى القادة العرب الذين رحلوا عن عالمنا منذ انعقاد القمة الماضية، وكانوا فى موقع المسئولية وقت أن وافتهم المنية... الرئيس الباجى قايد السبسى- رئيس تونس الراحل، وصاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، أمير دولة الكويت الراحل.. وصاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم- سلطان عمان الراحل.. وصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات الراحل.. لقد تشرفتُ بلقاء ومعرفة هؤلاء القادة العظام، وأتذكر بكل تقدير وعرفان عطاءهم السخى لبلادهم وللأمة العربية جمعاء.

تلتئم هذه القمة بعد ثلاثة أعوام من انقطاعٍ فرضته ظروف الجائحة... وأحسب أن انعقاد القمة جاء فى وقته، إذ أن ما يشهده العالم من تغيرات غير مسبوقة منذ عقود.. وما ترتبه هذه التغيرات فى الظروف الدولية من تبعات هائلة على الشعوب والدول عبر العالم.. يجعل القمة ضرورةً واجبة، وفرصة سانحة لكى نرتب أوراقنا... ونناقش قضايانا ومواقفنا العربية فى عالمٍ تتحرك أحداثه فى سيولة مخيفة.. وتتوالى أزماته فى تتابع مروِّع.

إن المنطقة العربية، شئنا أم أبينا، تقع فى قلب الأزمات.. فهى، من ناحية، ركيزةٌ أساسية فى معادلة إمدادات الطاقة وأسعارها العالمية.. ومن ناحية أخرى، هى ضحية أولى للتغير المناخى وآثاره المُدمرة، من حيث الجفاف وغيره.. ومنناحية ثالثة، تُعانى المنطقة من تهديد خطير لأمنها الغذائى، كما تقع غالبية دولُها فى نطاق الفقر المائى... فضلاً عما تواجهه بعض دولها من تصرفات غير قانونية من جانب جيرانها من شأنها تعريض أمنها المائى للخطر.

إن هذه الثلاثية الخطيرة.. الغذاء والطاقة والمناخ.. تُمثل حلقة متصلة، ومنظومة مترابطة.. فإنتاج الغذاء يعتمد على أسعار الطاقة واستقرار المناخ.. والتغير المناخى يتأثر فى الأساس بالانبعاثات المتولدة عن انتاج الطاقة.. والعناصر الثلاثة صارت عنواناً للأزمة العالمية التى نشهدها حالياً.. بكل تبعاتها الاقتصادية والإنسانية التى تتحملها الشعوب، والتى قد تشتد وطأتها فى هذا الشتاء.. ولا شك أننا نتابع جميعاً الآثار المزدوجة للجائحة والحرب فى أوكرانيا.. وما أفرزته ولا تزال من تبعاتٍ اقتصادية سلبية.. صار واضحاً أن العالم أجمع سيضطر للتعامل معها لفترةٍ طويلة قادمة.

إن دولنا العربية فى حاجة ماسة لاستراتيجية شاملة للتعامل مع "حالة الأزمة الممتدة".. يحتاج الأمر فى تقديرى الىتفكير طويل المدى من أجل تحصين المجتمعات العربية وتعزيز صمودها فى مواجهة صدماتٍ داهمة ونوازل مفاجئة... ولدى اقتناع راسخ بأن مثل هذا التفكير لا يُمكن إلا أن يتبلور فى إطار جماعى وبنهج تكاملى... إن فى مقدور العرب فعل الكثير إن هم حشدوا الإمكانيات العربية، وهى كبيرة ومتنوعة، على نحو صحيح وبمنهج علمى... وليست استراتيجية الأمن الغذائى العربى، المعروضة على القمة، سوى نموذج ومثال واحد لما يُمكن أن تقوم به الدول العربية بشكل جماعى فى مواجهة أزماتها.

إن الأوضاع العالمية تفاقم متاعب دولنا.. فهى تداهم المنطقة العربية وهى لم تخرج بعد من واحدةٍ من أخطر الأزمات والتحديات فى تاريخها الحديث.. لقد مرّ على المنطقة عِقدٌ صعب، ولا زالت بعضُ دولِنا تعيش أوضاعاً لا تُهدد فقط أمنها واستقرارها.. بل وجودها ذاته...لا زالت الدولة الوطنية، ذات السيادة والاستقلال والقرار المستقل، تتعرض لهجمة شرسة فى بعض أركان منطقتنا.. من الإرهاب والميلشيات والجماعات المسلحة.. وأيضاً من أطراف غير عربية، فى جوار الإقليم العربى، تُحرض وتُمارس تدخلاتٍ غير حميدة فى المجتمعات العربية بهدف بسط النفوذ والهيمنة.

إن الدفاع عن الدولة الوطنية، دولة المواطنة وحكم القانون.. التى لا يكون ولاء مواطنيها سوى لعلمها ومصالحها وعروبتها، هو دفاع عن مستقبلنا جميعاً.. وهذه الصراعات الدامية التى تُدمى قلب الأمة... هى تهديد لنا جميعا... وإننى أناشدكم، زعماء الأمة وقادتها، ألا تتركوا هذه الجراح النازفة تأتى على حاضر الأمة ومستقبلها.

أعرف أن دولاً عربية تقوم بالكثير من أجل التخفيف من وطأة الأزمات، ومن أجل نجدة إخوانهم العرب فى وقت الشدة... هناك، على سبيل المثال، دول تستضيف مئات الآلاف – وأكثر- من اللاجئين السوريين.. ودول تفعل كل ما بوسعها لكى لا يسقط إخواننا فى اليمن والصومال فى هوة المجاعة.. ولكن أقول بكل صراحة إن إطفاء الأزمات العربية المشتعلة وليسفقط التخفيف من حدتها أو التعايش معها... أصبح واجباً أكثر من أى وقتٍ مضى.

لم يعد مقبولاً الإلقاء بأزماتنا العربية على كاهل مجتمع دولى ينوء بأحمال ثقال، وينشغل بقضايا أخرى ضاغطة ومُلحة.. إن الإرادة العربية قادرةٌ – فى تقديرى- على التدخل الفعال لتسوية الأزمات العربية، إن هى استجمعت قوتها الإجمالية... وهذه الجامعة العربية هى محصلةُ إراداتكم.. وقدرتها على التحرك والفعل مرهونة بحجم الدعم والتفويض الممنوح لها من الدول... ويقينى أنها قادرة على التحرك إن اجتمعت الإرادة وتحقق التوافق المطلوب.

إننى من أشد أنصار تعريب حلول وتسويات الأزمات التى تواجه بعض دولنا.. صحيحٌ أن المشكلات معقدة وتتشابك فيها المصالح والأيدى الإقليمية والدولية... لكن يبقى أننا كعرب نفهم بعضنا، ونعرف حدود مصالحنا أكثر من أى طرف خارج منظومتنا.. وهذه دعوةٌ لتكثيف الانخراط العربى فى تسوية المشكلات والأزمات العربية... نأمل أن تُفضى إلى تحقيق نتائج إيجابية.

لا زالت التطورات فى سوريا تحتاج إلى جهد عربى رائد ومبادر يضع البصمة العربية على خارطة تسوية الوضع المأزوم فى هذا البلد العربى المهم.. ويحتاج الأمر إلى إبداء المرونة من جميع الأطراف المعنية حتى يُمكن تبديد ظلمة الانهيار الاقتصادى والانسداد السياسى وغلق صفحة الماضى بآلامها، والسعى نحو وضع جديد يُتيح انخراط سوريا فى محيطها العربى الطبيعى، وفى جامعتها العربية التى هى من دولها المؤسسة.

أما فى ليبيا، فإننا نتابع عن كثب كافة التطورات.. ونقول إن الأمور تحتاج إلى مزيدٍ من المرونة من كافة الأطراف الليبية-وبمساعدةٍ عربية أساساً وهى ممكنة- من أجل تخطى العقبات التى تحول دون إجراء الانتخابات فى القريب.. وستستمر الجامعة فى متابعة الأمر بكل تجردٍ، واضعةً نصب أعينها هدف تحقيق تطلعات الليبيين على أساس قرارات مجلسكم الموقر.

وفى اليمن.. لا زال الحوثيون يراوغون ويُعرقلون.. ومع ذلك سنستمر فى تأييدنا للحكومة الشرعية ودعمها بكل قوة لمصلحة الشعب اليمنى.. فالتطورات الجارية فى اليمن هى أحد أبلغ الأمثلة –للأسف- على التأثير الإقليمى السلبى، بل والمدمر، على الشأن العربى.

يُمارس اخوتنا فى فلسطين صموداً أسطورياً على الأرض.. وقضيتهم هى قضيتنا جميعاً... ونضالهم الطويل شرفٌ لهذه الأمة، وبُشرى بأن ليل الاحتلال مهما طال سيبدده فجر الحرية والاستقلال.

إن تعزيز هذا الصمود الفلسطينى البطولى، والدفاع عن هذه القضية المحورية، هو واجبٌ على كل عربى.. ونتابع جميعاً ما يجرى من تصعيد فى الأراضى المحتلة بسبب سياسات القمع والقتل التى يُمارسها الاحتلال بدم بارد.. إنه تصعيد يُنذر بما هو أسوأ.. وللأسف الشديد يقف العالم مكتوف الأيدى.. لا يُدافع عن حل الدولتين سوى من طرف اللسان.

إن الإجماع العربى ما زال منعقداً على حل الدولتين كسبيل لإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود1967، وعاصمتها القدس الشرقية.. ولا نرى طريقاً لذلك سوى إطلاق عملية سلمية جادة، على أساس من المرجعيات المعروفة والقانون الدولى... وندعو جميع دول العالم للانضمام إلينا فى هذا النضال السلمى، بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، والموافقة على عضويتها فى الأمم المتحدة.

تحتاج دولُنا العربية، أكثر من أى وقتٍ مضى، إلى تعزيز شراكاتها عبر العالم.. إننا نتطلع إلى انعقاد القمة العربية-الافريقية الخامسة التى تلتئم فى الرياض فى العام القادم بإذن الله... وكذا إلى القمة العربية-الصينية التى تُعقد فى الرياض أيضاً الشهر القادم.. ولا شك أننا سنغتنم هذه المنتديات الدولية المهمة لتعزيز المصالح العربية الجماعية ودعم مواقفنا على الصعيد الدولى.

نريد لهذه القمة أن تكون، وبحق، قمة لمِّ الشمل، ورأب الصدع، واستجماع الإرادة... وهناك من البشائر والعلامات الإيجابية ما يؤشر لأن هذه القمة سوف تواكب تطلعات الرأى العام العربى وطموحاته فى أن يتحول التضامن العربى، وهو راسخ فى الشعور والوجدان، إلى برامجِ عملٍ وخططٍ تكاملية يلمسها المواطن فى حياته ويشعر بها فى معاشه... وعلى الله قصدُ السبيل.

شكراً سيادة الرئيس، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أضف تعليق

المنصات الرقمية و حرب تدمير الهوية

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
إعلان آراك 2