أعجبنى جدا.. القول بتميز الشخصية المصرية وقدرتها على استيعاب كل جديد ليتسع مخزونها ويزداد ثراؤها..
وفي تعبير آخر.. تميز المصريون بـ "وحدة الثقافة"، أي ثقافة واحدة – تعبر عن نفسها فى مختلف المناسبات الدينية والاجتماعية – تضم ثقافات فرعية تتواصل فيما بينها معبرة عن المحبة والتسامح والرغبة فى العيش المشترك والتعاون البنّاء.
تلك الثقافة الواحدة المتراكمة على مر العصور مكنت مصر من "تمصير" الديانات السماوية التى أتت إليها من الجوار الجغرافى، وهو ما ترجمه علماء الاجتماع؛ د. سيد عويس إلى الانصهار الاجتماعى، ود. على فهمى إلى الدين الشعبى!
هكذا.. وصف د. مصطفى الفقى مصر والمصريين فى بداية محاضرته القيمة بمتحف الحضارة والتى كان عنوانها "تتابع الحضارات على مصر" وكأن العنوان يصف هذا المتحف الجديد والفريد والذى يضم "مقتنيات" ممثلة للحضارات المصرية المتعاقبة بداية من الفرعونية ومرورًا بالقبطية ثم الإسلامية وانتهاء بالعصر الحديث.
ود. الفقى يرى أن "التسامح" حالة وجدانية مصرية، فلم ينظروا طوال تاريخهم إلى موطن أو جنسية الأولياء الذين يزورونهم ويطلبون شفاعتهم؛ أمثال السيد البدوى (مغربى)، أبو العباس (أندلسى)، أبو الحسن الشاذلى (تونسى)، بل أن القصص الشعبى جعل من السيدة زينب بطلة لموقف تاريخى يشابه ما فعلته العائلة المقدسة فى رحلتها إلى مصر طلبا للأمان من بطش الرومان، حيث حملت رأس شقيقها الحسين وجاءت بها إلى مصر ليدفن بأرضها.
ولقد وصف د. الفقى الحضارة الفرعونية بـ "أم الحضارات" حيث سبقت حضارات المتوسط الإغريقية والرومانية والفينيقية..
والطريف أن تلك الحضارات تجاورت على أرض مصر مكانا، وتتابعت زمانا وعبرت عن قدرة هذا البلد على الانصهار والانسجام والتناغم.
وتسائل د. الفقى عما جرى للحضارة العربية الإسلامية، حيث جرى استبدال التسامح فيها بالتعصب، والاعتدال بالتشدد، حتى أصبحنا أمام حالة "ركود" ينهى حقبة ناصعة فى التاريخ الإسلامى والعربى تميزت بفريضة التفكير وحرية الاجتهاد.
لقد صال وجال د. الفقى فى التاريخ المصرى والعربى وأمتع الحاضرين بثقافته الموسوعية وفكره العميق، والشكر واجب للصديق د. أحمد غنيم الرئيس التنفيذى لمتحف الحضارة الذى حول المتحف إلى "منارة" ثقافية مبهرة، ونأمل أن يسعى إلى توسيع وتنوع دائرة "رواد" تلك المحاضرات الثقافية المهمة والمتنوعة، والتى يحسن اختيار المتحدثين فيها.