«أمستردام» .. كيف تصنع فيلما سخيفا ؟!

«أمستردام» .. كيف تصنع فيلما سخيفا ؟!محمود عبد الشكور

الرأى14-11-2022 | 10:57

يبدو أمرا غريبا حقا أن تكون لديك قصة مشوقة ومثيرة، وعدد لا بأس به من النجوم والنجمات مثل كريستيان بيل وروبرت دي نيرو ورامي مالك ومارجو روبي، ولديك أيضا إمكانيات إنتاجية جيدة جدا، وفريق تقني مميز، ثم تكون محصلة كل ذلك فيلما سخيفا ومتواضعا بعنوان "أمستردام" من تأليف وإخراج ديفيد أو راسيل.

ربما تكون المشكلة هنا أن كتابة السيناريو لم تكن على مستوى الموضوع، فهناك الكثير من الخفة والسذاجة فى المعالجة، وهناك حوارات طويلة أقرب إلى الثرثرة، ولدينا أيضا لمسات كوميدية لم تكن فى مكانها، فلا هي مناسبة لموضوع عن مؤامرة خطيرة، لها أصل من الواقع، تورط فيها زعماء النازية والفاشية فى ألمانيا وإيطاليا، لتصدير نموذج الحاكم الديكتاتور إلى البيت الأبيض، وبما يشبه الإنقلاب.

وبينما تدور الأحداث المحورية فى فترة ما بين الحربين العالميتين، وتحديدا فى العام 1933، وفى حين نشاهد أهوال الحرب العالمية الأولى، وما فعلته فى البشر من تشويه نفسى وجسدي، فإن الخفة التى نراها، وبعض الإفيهات المرحة، تتناقض تماما مع هذه الأجواء، ويضاف إلى تلك الثرثرة السردية، والخفة والاستظراف أحيانا، ضعف الحبكة التشويقية، بل وغموض الحكاية كلها.

ربما يكون الأصل الواقعى أكثر خطورة وأهمية ووضوحا، ولكننا نتحدث عما رأيناه فى الفيلم، الذى احتشد بعدد معتبر من الشخصيات، وبتفصيلات كثيرة، ومع ذلك فإنه لم يستطع أن يقنعنا بأن دولة مثل أمريكا يمكن أن تصبح ديكتاتورية على غرار ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية، بمجرد اختيار جنرال أمريكى ليرأس جمعية للمحاربين القدماء!

هذا الهدف هو محور الحكاية كلها، وسبب جرائم القتل والمطاردة فى الفيلم كله، وأظن أن القصة أخطر بالتأكيد من هذا الهدف، ولكن السيناريو لم يعرف بالضبط ما هو المهم، ولم يستطع حتى أن يحقق الحد الأدنى من التشويق، إلى درجة أننى قاومت النعاس ببسالة أحسد عليها، مع أننى دخلت الفيلم متحمسا ومستعدا ويقظا، ولم يكن بقية المشاهدين، وكلهم تقريبا من الشباب النشيط والمتحمس أفضل حالا، إذ بدأ التململ بعد عشر دقائق تقريبا من البداية، وهو رقم قياسى يستحق عليه صناع الفيلم جائزة إثارة الضجر والملل.

يبدأ الفيلم بتقديم بطله بيرت (كريستيان بيل) فى العام 1933، حيث يعمل طبيب تجميل لضحايا الحرب العالمية الأولى، ولديه صديق يدعى هارولد ( جون ديفيد واشنطن) يعمل محاميا، والاثنان يتعاونان فى قضايا كثيرة، منها قضية موت ميكنز العجوز، الذى كان قائدهما أثناء الحرب، فقد مات الرجل إثر عودته من أوربا، وابنته إليزابيث تشك فى موته، ليكتشف بيرت أثناء تشريح جثة ميكنز أنه قتل مسموما، وتزيد الأمور تعقيدا عندما تقتل إليز أيضا، ويصبح بيرت وهارولد مطلوبان بتهمة قتلها، فتبدأ رحلة هروب وبحث عن سبب تسميم ميكنز، وقتل ابنته، لأن الوصول إلى المسئولين عن ذلك، سيمنح بيرت وهارولد صك البراءة.

يعود الفيلم إلى الوراء أثناء الحرب العالمية الأولى، التى فقد فيها بيرت عينه، وأصيب فيها هارولد إصابات بالغة، ولكنهما تعرفا فى أمستردام على الممرضة فاليرى (مارجو روبي)، التى تبدو أيضا فنانة تستغل شظايا الحرب، لعمل لوحات فنية، وتقع فى حب هارولد الأسود، وستظهر علاقتها فى ما بعد بمسألة تورط بيرت وهارولد بمقتل ميكنز وابنته، كما سنتعرف على شقيقها توم فوز (رامى مالك)، وسيتضح دوره فى تنصيب جنرال أمريكى قديم نزيه يدعى جيل ديلينبيك (روبرت دى نيرو) رئيسا لجميعة المحاربين القدامى، والدفع به لدخول البيت الأبيض، ليكون ديكتاتورا يتواصل مع النازيين والإيطاليين.

توجد تفصيلات كثيرة ساذجة وغير مقنعة، والثنائى بيرت وهارولد لا يثيران الحد الأدنى من الإعجاب بذكائهما أو بقدرتهما على كشف الجرائم التى يشاهدونها، بالإضافة الى خليط فج ومتنافر من مشاهد التشريح والتشوهات الجسدية والفكاهات السمجة والعبارات المباشرة، التى تصل ذورتها بخطاب الجنرال، الذى يرفض أن يكون ديكتاتورا، والذى يدافع عن المحاربيين القدامى، وعن الديمقراطية الأمريكية، ليتم فى النهاية كشف المؤامرة النازية والفاشية ضد أمريكا.

هناك خطوط أخرى مرتبكة وباهتة عن علاقة بيرت مع زوجته بياترس، وعلاقة حب بين بيرت وزميلته طبيبة التشريح السمراء، والتى تنتهى بالزواج، أما توم فوز المتآمر الرئيسى فهو شخصية باهتة ومتواضعة الذكاء أيضا، ونكتشف فى النهاية أن قتل ميكنز وابنته كان كذلك لمنع كشف المؤامرة التى عرفا بعض تفاصيلها، مع أنها مؤامرة عبيطة تستحق الرثاء.

فى معنى الفيلم رغم سذاجته عناصر هامة للدفاع عن القيم الأمريكية مثل الديمقراطية، ومثل محاولة ذوبان السود ضمن التركيبة الأمريكية، وبيرت يتعرف مع المجند الأسود هارولد أثناء المعركة، ويدافع كل منهما عن الآخر، كما يدافع الفيلم بشكل مباشر للغاية عن أولئك الذين حاربوا من أجل الوطن، ولم يحصلوا على أى شيء، بينما يوجد تلميح إلى تحالف خمسة من رؤساء الشركات الأمريكية الكبرى فى المؤامرة، وبصورة تكاد تسقط الفكرة على صعود رجال أعمال إلى الحكم، أو دعمهم لرؤسا بعينهم لكى يدخلوا البيت الأبيض.

ولكن المعالجة كلها أبعد ما تكون عن التماسك والإحكام، وأبعد ما تكون عن تحقيق التشويق وفضول الاكتشاف، انعكست فوضى الكتابة بالتالى على أداء باهت من الجميع، حتى روبرت دى نيرو كان يؤدى بصورة فاترة ونمطية، وكأنه يتخلص من جمل الحوار، ولا أجد تفسيرا لتأديته الشخصية إلا الرغبة فى تحية الشخصية الأصلية الواقعية التى كشفت المؤامرة، والتى تظهر مع عناوين النهاية، وهى تشهد أمام الكونجرس عن تفاصيل محاولة النازيين والفاشيين السيطرة على البيت الأبيض.

ويبقى عنوان الفيلم الذى اختير لمجرد أن الشخصيات الثلاث بيرت وهارولد وفاليرى التقت وتصادقت فى أمستردام عاصمة هولندا، لتضاف بذلك سخافة وسذاجة جديدة الى رصيد الفيلم من السخافات والسذاجات، وبما يجعلنا نترحم على هيتشكوك، الذى كان يمكن أن يصنع من هذه الحكاية عملا كلاسيكيا عظيما، يحبس الأنفاس، ولا يدفع الجمهور الى التثاؤب، ومقاومة النوم.

أضف تعليق

حكايات لم تنشر من سيناء (2)

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2