السياسة لا تعرف المواقف الثابتة، وتتغير فيها القرارات بحسب المصالح والظرف التاريخي وموازين القوى، وشكلت المصافحة التاريخية بين الرئيس السيسى ونظيره التركي أردوغان، على هامش افتتاح بطولة كأس العالم فى قطر، بداية لذوبان جبل الجليد فى العلاقات المصرية التركية.
ليس خافيا على أحد أن تركيا هي الدولة الوحيدة، التي ناصبت النظام المصري العداء صراحة وعلنا، ودخلت معها فى سياسة مكايدة ومناكفة فى ملفات عدة منها: دعم جماعة الإخوان، وإيواء عدد من المطلوبين للعدالة، وإطلاقها منصات إعلامية تهاجم وتحرض على الفوضى، والتواجد فى ليبيا، وأزمة غاز شرق المتوسط، واللعب فى ملف المياه، مرورا بالتدخلات العسكرية التركية فى شمالي العراق وسوريا، كلها أمور "سممت" مجرى العلاقات بين البلدان، وسببت انسدادا فى مسارها.
لكن ما الذي دفع أردوغان إلى التراجع إلى الخلف، و"لحس" كلامه العنتري ضد النظام المصرى، ويجعله مدفوعا دفعا للتقارب مع مصر، لعل سياسة خلق الأزمات مع دول المنطقة أثبتت فشلها، وتسببت فى عزلة سياسية وخسائر اقتصادية وتراجع شعبيته، فكان الحل فى سياسة تصفير المشاكل وتبريد الملفات الساخنة أو ما يشبه عملية الاستدارة.
حسابات المكسب والخسارة تفرض نفسها دائما فى بوصلة العلاقات الدولية، والواقع يقول إن تركيا هى من سعت إلى التقارب، من خلال المحادثات "الاستكشافية، والقاهرة أعلنت أنها تريد أفعال لا أقوال.. والأتراك "رموا بياضهم وبالقوى"، ومع ذلك بدت القاهرة متشككة، إذا ما كانت هي مناورة بتغيير نهج تحركات أردوغان أم تغير فى جوهر سياساته الخارجية.
بدون شك عداء أردوغان للدولة المصرية كلفه خسارة حلفاء مصر من دول الخليج، فزادت من أوجاع الاقتصاد التركى، كما أن ملف الأخوان تقريبا "كفن" "ودفن"، وأصبح كارتا محروقا، بخلاف كسر شوكة الإرهاب، واستعادة القاهرة مكانتها الطبيعية إقليميا ودوليا.
أردوغان يريد غاز المتوسط.. فهو مسألة أمن قومي، فتركيا صاحبة أطول شواطئ على البحر المتوسط، هى أفقر دولة فى مصادر الطاقة!!!، ولعل تصريحاته عقب المصافحة بأن "مطلبنا الوحيد" من مصر، لتطبيع العلاقات، أن تقول لمن يتخذ مواقف معادية ضدنا فى البحر المتوسط: "نريد إرساء السلام فى المنطقة" يعكس ذلك، ف مصر صنعت كماشة قوية بالتحالف مع قبرص، وفى ذات الوقت أصبحت مقرا لمنظمة غاز شرق المتوسط، التى أصبحت تركيا منبوذة منها.
مصر وتركيا قوتان إقليميتان مؤثرتان فى المنطقة، وبينهما روابط تاريخية، وهناك تشابه فى الظروف الجيوسياسية والتجارب التاريخية.