دى مش أخلاقنا

دخل إبنى من باب الشقة غاضبا ينفخ فى ضجر "أنا مش عارف إيه اللى بيحصل".. سألته عن السبب - وهو الذي ما زال لم يكمل سنوات عمره السبعة عشر – قال "الراجل بتاع السوبر ماركت كل يوم يديني علبة الجبنة بسعر أغلى عن اليوم اللى قبله".. ثم سألني فى براءة "هو إيه اللى بيحصل يا بابا ؟ ".

فى الحقيقة وجدت نفسى فى حيرة بالغة.. فما الذي يحدث فعلا؟ وكيف سأجيب عن سؤال إبنى إجابة تجعله يهدأ ويوافق أن ينزل فى اليوم التالى لشراء علبة الجبنة لزوم سندوتشات المدرسة.. فليس من المنطقى زيادة سلعة بشكل يومى على هذا النحو.

لم يكن عندى تفسير على الإطلاق؛ لذلك سوى أن هناك حالة من الانفصام أصابت الكثير من المصريين ونسينا أخلاقنا الجميلة التى نتميز بها عن شعوب الأرض وتظهر وقت الأزمات والمحن، فليس هناك تفسير منطقى أو علمى يستند إلى نظريات اقتصادية، يقول إن ثمة زيادة يمكن أن تحدث فى سلعة استهلاكية على هذا النحو غير "الجشع" واستغلال الأزمة؛ لتحقيق مكاسب وثروات.

نعم هناك موجة غلاء عنيفة تضرب بلدان العالم، وكلنا نعلم أسبابها، وكلنا فى مشارق الأرض ومغاربها نكتوى بنارها، ولكن ليس مبررًا أو معقولا أن نصل إلى هذا الحد من الاستغلال و الجشع وسوء التعامل فيما بيننا، لدرجة أن نخفى سلعا لنرفع أسعارها ونضع أسعار لسلعة كل يوم غير الآخر.

متى يكون بيننا هذا التاجر الذى وضع على علب الشاى فى نفس الرف سعرين مختلفين، وعندما سأله الزبون عن السبب، قال العلب التى عليها سعر أقل من كميات قديمة اشتراها بسعر قديم قبل الزيادة، والعلب الأخرى من كمية جديدة جاءت إليه بسعر جديد.

لسنا هكذا.. فما الذى يحدث؟.. لماذا لا نتكاتف ونتعاون ونكون عونا وسندا لبعضنا فى مواجهة هذه الأزمة، لماذا نثقل على أنفسنا إلى هذا الحد، لا شرع ولا قانون ولا عُرف ولا إنسانية تقول أن نستغل الأزمات بهذه الطريقة، بالعكس المحن والأزمات التى مرت علينا من قبل تقول إننا وقت الأزمة نكون أكثر تقاربا وأكثر تضامنا وأكثر سندا بعضا لبعض، وجميعا يتذكر ما كنا نفعل بعد نكسة 67 وكيف كنا نضرب أروع صور التلاحم والترابط والتآخي والتعاون؟ وكيف تحولنا إلى سند كبير للجيش فى محنته حتى عاد ووقف على رجليه واستطاع أن يحقق أعظم انتصاراته فى العصر الحديث.

نحن نمر بأزمة كبيرة ويجب أن تكون أخلاقنا مختلفة، لابد أن نتكاتف ونتعاون، ويجب أيضا أن تكشر الدولة عن أنيابها الرقابية أكثر من ذلك وتشدد من الرقابة على الأسواق والمتاجر؛ لضبط الأسعار ومنع أى صورة من صور الاحتكار أو الجشع والتربح.