أدت الزيادة الحادة في أسعار الطاقة إلى ارتفاع معدلات التضخم وتكلفة المعيشة في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي، مما يلحق الضرر الأكبر بالأسر ذات الدخل المنخفض، حسبما أفادت مجلة بوليتيكو الأمريكية في نسختها الأوروبية.
وأوضحت المجلة على موقعها الإلكتروني أن أسعار الطاقة المرتفعة، بما في ذلك الغاز الطبيعي، أدت إلى ارتفاع أسعار الكهرباء وتكلفة المعيشة للأسر في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي، مما دفع الحكومات إلى خفض الضرائب وتقديم الدعم المالي بما يصل إلى عدة مليارات من اليورو.
وأشارت إلى أن سلسلة من التقارير التي نشرها مكتب "كامبريدج إيكونوميتريكس" للأبحاث في أكتوبر ونوفمبر الجاري أظهرت أن الأسر، في دول الاتحاد الأوروبي تنفق على الطاقة أكثر بكثير مما كانت عليه في عام 2020، وأن الحكومات تنفق مليارات اليورو لمساعدة المستهلكين على دفع الفواتير وخفض الضرائب.
وأضافت أنه في فرنسا، على سبيل المثال، تنفق الأسر الأفقر الآن ما يقرب من الثلث على الطاقة أكثر مما كانت عليه في عام 2020، وبين أغسطس 2020 وأغسطس 2022، ارتفعت أسعار الطاقة المنزلية بنسبة 37%، بينما زاد التضخم الإجمالي بنسبة 9.2%.
وتابعت أن الزيادة في أسعار الطاقة المنزلية تجعل متوسط الأسرة الفرنسية 410 يورو وهو أسوأ حالًا في عام 2022 مقارنة بعام 2020، ويرجع ذلك في الغالب إلى ارتفاع أسعار الغاز.
واستجابة لارتفاع أسعار الطاقة، تبنت الحكومة الفرنسية سقوفًا للأسعار وتدابير دعم يتوقع أن تتكلف أكثر من 71 مليار يورو، أي ما يعادل 2.9 في المائة من إجمالي الناتج المحلي الفرنسي، وفقا للمجلة.
وفي إيطاليا، كان الوقود الأحفوري وحده مسؤولاً عما يقرب من 30 % من معدل التضخم السنوي للبلاد خلال ربيع عام 2022، وفقًا لمكتب "كامبريدج إيكونوميتريكس".
ووجد التقرير أنه على عكس البلدان الأوروبية الأخرى، تجاوزت أسعار التجزئة للكهرباء أسعار الطاقة الأخرى في إيطاليا، وكانت أعلى بنسبة 112 في المائة في يوليو 2022 مما كانت عليه في أغسطس 2020، وفي نفس الفترة الزمنية ارتفعت أسعار التجزئة للبنزين بنسبة 14% والديزل بنسبة 22% و الغاز الطبيعي بنسبة 42%.
وأفاد التقرير: "نقدر أنه قبل الدعم الحكومي، ستنفق الأسرة الإيطالية المتوسطة حوالي 1400 يورو على فواتير الطاقة والوقود هذا العام مقارنة بعام 2020، والأسر ذات الدخل المنخفض هي الأكثر تأثراً بارتفاع أسعار الطاقة".
وأضافت المجلة أن الغاز الطبيعي يهيمن على إنتاج الكهرباء في إيطاليا، مما أدى أيضًا إلى ارتفاع أسعار الكهرباء، وفي عام 2010، شكل الغاز الطبيعي نسبة 50 % من إجمالي إنتاج الكهرباء، وتراجعت حصة الغاز الطبيعي إلى 33 في المائة في عام 2014 ، لكنها ارتفعت مرة أخرى، لتصل إلى 48 في المائة في عام 2021، و56 في المائة في النصف الأول من عام 2022.
وفي إسبانيا، تنفق الأسر ذات الدخل المنخفض الآن ما يقدر بنحو 70% على الطاقة أكثر مما كانت عليه في عام 2020، ولهذا تدخلت الحكومة الإسبانية بشكل كبير في أسواق الطاقة من خلال خفض الضرائب، وإدخال التحويلات النقدية للأسر، وتحديد سعر الغاز الطبيعي لمولدات الطاقة، ما أدى إلى انخفاض أسعار الكهرباء مقارنة بالعديد من دول الاتحاد الأوروبي الأخرى، وفقًا لمكتب كامبريدج.
ومن المتوقع أن تكلف إجراءات الدعم هذه الحكومة الإسبانية أكثر من 35 مليار يورو، أي ما يعادل ثلاثة في المائة تقريبًا من إجمالي الناتج المحلي لإسبانيا/ ومع ذلك سيظل المستهلكون يشعرون بعبء ارتفاع تكاليف المعيشة.
ويعد ارتفاع معدلات التضخم تحديًا حقيقيًا أيضًا في ألمانيا، أكبر اقتصاد في أوروبا، ويرجع السبب إلى ارتفاع أسعار الغاز، وأفادت كامبريدج إيكونوميتريكس في تقريرها الذي يركز على ألمانيا: "نقدر أن الزيادة في أسعار الطاقة حاليًا تجعل متوسط الأسرة البالغ 735 يورو أسوأ حالًا في عام 2022 مقارنة بعام 2020، ويرجع ذلك في الغالب إلى ارتفاع أسعار الغاز".
وأدخلت الحكومة الألمانية عددًا من تدابير الدعم من أجل مساعدة الأسر والشركات والصناعة على دفع فواتير الطاقة، بما في ذلك الحدود القصوى للأسعار التي من المتوقع أن تدخل حيز التنفيذ في مارس من العام المقبل.
وعلاوة على ذلك، ستدفع الدولة فواتير الطاقة للأسر لشهر ديسمبر من هذا العام ،وفقًا للتقرير ستخفف هذه التدخلات من تأثير ارتفاع الأسعار "إلى حد ما" ، لكن من المتوقع أن تكلف إجراءات المساعدة الحكومة ما يقرب من خمسة في المائة من إجمالي الناتج المحلي.
بالإضافة إلى الغاز أدى ارتفاع أسعار الفحم أيضًا إلى ارتفاع التضخم في بعض البلدان، ففي بولندا، التي تعتمد بشكل كبير على الفحم لتوليد الكهرباء، شكل الوقود الأحفوري ما يقرب من 40 في المائة من إجمالي معدل التضخم السنوي في بولندا في يونيو الماضي، والذي بلغ أكثر من 14 في المائة.
وارتفع سعر الفحم المنزلي، الذي يستخدم على نطاق واسع في تدفئة المنازل البولندية، بنسبة 157 في المائة بين أغسطس 2021 وأغسطس 2022،
ويعود ارتفاع أسعار الطاقة في بولندا جزئيًا إلى العقوبات التي تفرضها بولندا و الاتحاد الأوروبي على الغاز والفحم الروسي.
وفي الوقت نفسه أنفقت الحكومة البولندية ما يقرب من 10 مليارات دولار على تحديد سقف أسعار الفحم، وتجميد أسعار الكهرباء حتى نهاية عام 2023 ، فضلاً عن توجيه الإعانات والتحويلات النقدية للأسر.
ورأت كامبريدج إيكونوميتريكس إن كهربة التدفئة والنقل، وكذلك نشر مصادر الطاقة المتجددة على نطاق واسع، وعلى المدى الطويل، يمكن أن يخفض أسعار الطاقة ويحد من الحاجة إلى تدخل حكومي مكلف في الاتحاد الأوروبي عندما ترتفع أسعار الوقود الأحفوري.