المفتى: تحقيق رؤية الدولة فى التنمية يكون بالعمل الدؤوب والتخطيط الحكيم

المفتى: تحقيق رؤية الدولة فى التنمية يكون بالعمل الدؤوب والتخطيط الحكيممفتى الجمهورية

الدين والحياة28-11-2022 | 18:29

أكد الدكتور شوقى علام، مفتى الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء فى العالم، أن إثراء العلوم وتوليدها يحتاج دائمًا إلى كل جهدٍ من العلماء والباحثين الجادين؛ ذلك أن دراسةَ المناطق المشتركة بين العلوم فيما بينها هو الطريق إلى تحقيق النتائج المستهدفة من هذه العلوم على أرض الواقع؛ وفى هذا السياق يأتى التلاقح بين الفتوى والبحث الاجتماعى؛ خاصةً وأن هناك نطاقًا واسعًا من التأثير والتأثر بينهما.

وأوضح أن المفتى فى حقيقة الأمر يحتاج إلى سلوك نهجٍ علمى فى تأسيس فتواه وخطابه الدينى، وهذا النهج العلمى الذى ينحو إليه يقترب فى بعض خطوطه من البحث الاجتماعى؛ وهذا يوضح الاحتياج الحقيقى للبحث الاجتماعى فى المجال الإفتائى؛ بل واحتياج البحث الاجتماعى للإفتاء أيضًا بوصفه خطابًا خاصًّا محوره الإنسان فى ظل سياقه المجتمعى؛ ولذلك فإن الوصول إلى التكامل بين البحث الاجتماعى و الفتوى أصبح غايةً علميةً لا يمكن النظر إليها باعتبار كونها أمرًا تحسينيًّا يزيد من جودة المنتج الإفتائى فحسب، أو يُعمِّق من نظرة العالِم والباحِث الاجتماعى فقط؛ بل صار بيان نقاط التلاقى والتأثير والتأثر والاستفادة بذلك أمرًا لا بد منه للمتصدر للفتوى حتى يقوم بدَوره الدينى المهم.

جاء ذلك خلال كلمة فضيلة المفتى التى ألقاها فى الحلقة النقاشية التى نظَّمها المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية حول: "الفتاوى الدينية وقضية تنظيم الأسرة" برئاسة الأستاذة الدكتورة هالة رمضان مدير المركز.

وأكد مفتى الجمهورية أن تعاون مؤسسات الدولة يعد إحدى دعائم النهوض بأدائها لأدوارها؛ فكل مؤسسة لها دورها المحورى فى دعم غيرها من المؤسسات فى سبيل النهضة الحضارية للجمهورية الجديدة.

وثمَّن فضيلته ما قام به المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية من دراسة أحد أهم مبادرات دار الإفتاء المصرية فى 2021 وهو هاشتاج "تنظيم الأسرة جائز" الذى أطلقته الدار عبر صفحتها الرسمية على موقع فيسبوك فى فبراير 2021، وتُعد هذه المبادرة فى طليعة ما أطلقته دار الإفتاء المصرية من الهاشتاجات التى خاضت بها الدار غمار قضايا الأسرة فى المجتمع المصرى، واستطاعت بواسطتها أن تدرِس مدى تأثير جهودها السابقة فى تغيير بعض القناعات الخاطئة لدى المواطنين نحو تنظيم الأسرة.

وبيَّن فضيلته أن مبادرة هاشتاج "تنظيم الأسرة جائز" أفرزت جوانبَ عدةً ساعدت دار الإفتاء المصرية على تعظيم دور صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعى؛ لعل من أهمها زيادة التنسيق مع مختلف المؤسسات الدينية والإعلامية لتوجيه الجمهور المعنى باستقاء معلوماته الشرعية من خارج شبكة المعلومات الدولية إلى أنشطة الدار على الشبكة ومواقع التواصل الاجتماعى.

وأضاف أن مما أنتجته الدراسة أيضًا قوة تأثير المبادرة بالفهم والمعرفة لجواز تنظيم الأسرة بأدلته؛ ويدعم ذلك توجُّه دار الإفتاء المصرية نحو تعميق الوعى بمثل هذه القضايا من خلال وسائل التواصل؛ لأن التأثير على الاتجاهات والسلوك إنما ينبُع من بناء الوعى الصحيح؛ فالوعى أولى خطواته. ويؤكد نجاح دار الإفتاء فى القيام بدورها ما أنتجته الدراسة من أن نسبة 90٪ من المتزوجين بعيِّنة الدراسة اعتقدت أن "تنظيم الأسرة جائز"؛ فيما اعتقدت 10% حُرمته، وهذا يتطلب ضرورة بذل المزيد من الجهد لمحاولة تغيير فهم هذه الفئة.

وتابع فضيلته أن دار الإفتاء المصرية على يقين من أن الخطة الأخيرة للاستراتيجية القومية للسكان (2015–2030) عندما وضعت من بين أهدافها ضرورة صياغة خطاب دينى معاصر قد وقفت بذلك على أحد أساسيات تغيير قناعات المواطنين المصريين وأفكارهم نحو فهم الواقع وإعادة تشكيل التصرفات والتوجهات بناءً على ذلك، وبعيدًا عن العادات والتقاليد الموروثة التى لا تناسب العصر الحديث.

وأشار إلى أنَّ مما تُفيده الدراسة أيضًا توجيه النظر إلى استهداف فئة المتزوجين التى لديها أقل من ثلاثة أولاد لإقناعهم؛ لا بمجرد جواز تنظيم الأسرة؛ بل بحتميته فى ظل الظروف العالمية الحديثة وقلة الموارد والتوجيه الشرعى نحو بناء أمة قوية علميًّا ومعرفيًّا لا عدديًّا، ولا شكَّ أن دار الإفتاء المصرية ستضع ذلك فى قائمة أهداف خطتها الخاصة بمواقع التواصل الاجتماعى.

وهناك الكثير من النتائج التى توصلت إليها الدراسة مما يمكن الاستفادة بها فى التحسين الدائم والمستمر لحملات ومبادرات مواجهة الانفجار السكانى ودعم تنمية الأسرة المصرية؛ فوافر الشكر للقائمين على هذه الدراسة.

وأوضح مفتى الجمهورية أن دار الإفتاء المصرية لا يقف دَورها عند الإجابة عن الأسئلة الواردة لها فى الوقائع التى تحدُث للأفراد؛ بل يتعدى ذلك إلى طرح القضايا المتعلقة بالشريعة التى يتوجب على المجتمع معرفة التوجه الدينى الصحيح فى معالجتها، وخاصة تلك المسائل والقضايا التى لا تؤثر على الأفراد فحسب، بل على المجتمع بأسره، وكذلك المسائل والوقائع التى تُثار حولها التساؤلات والجدل بما يؤثر على وحدة الصف المصرى والالتفات نحو قضايا العبادة والعمران؛ فتُعنى دار الإفتاء المصرية بطرح هذه القضايا وتوجيه المواطنين نحو الأحكام الشرعية الصحيحة والممارسات التى ينبغى عليهم أن يسلكوها لمجابهة هذه المسائل.

وأشار إلى أنَّ دار الإفتاء المصرية قد استعانت فى أداء رسالتها بسائر وسائل التكنولوجيا الحديثة ومختلف الإجراءات والآليات التى توصَّل إليها الباحثون واحتَرَفَها المهنيُّون فى مجال التأثير المجتمعى؛ سواء باستخدام الوسائل التقليدية أو الإلكترونية؛ واستعانت بالآليات المختلفة من وسائل التواصل الاجتماعى بأنواعها والصفحات الإلكترونية والموشن جرافيك، والإجراءات المتعددة كالهاشتاجات والبوستات وجميع ما يُستخدم حديثًا من آليات وإجراءات التواصل؛ إلى جانب لقاءات شباب الجامعات ودورات المقبلين على الزواج وإنشاء إدارة مخصصة للإرشاد الزوجى وإدارة خاصة بالحوار وغيرها من المبادرات المهمة فى ذات الشأن.

وأوضح أنَّ صفحة دار الإفتاء المصرية على الفيس بوك تُعد من أقدم وأكبر صفحات التواصل الاجتماعى لمؤسسةٍ دينيةٍ حول العالم؛ وقد بنَتْ دار الإفتاء جمهورها المستهدَف فى هذه الصفحة وغيرها من صفحات التواصل الاجتماعى عبر استراتيجيةٍ محددةٍ؛ تمَّت مراجعتها على مدى السنوات الماضية ودراسة نتائجها وتقييمها وتحسينها بصورة متكررة، ولا زال التحسين مستمرًّا.

وقال فضيلته: "لعل أبرزَ ما يُعنَى بنطاق حديثنا هنا من هذه الاستراتيجية أنه من بين أصناف جمهور صفحة الدار على الفيس بوك طائفةٌ تعدُّ الدارَ المصدرَ الأساسى لاستقاءِ الأحكام الشرعية، وطائفةٌ أخرى تأخذ منها ومن غيرها، وتستهدف الدار هذه الطائفة الأخيرة بأن تكون الدار مصدرها الأول لاستقاء الأحكام الشرعية، وقد بينت إحصائيات هاشتاج "تنظيم الأسرة جائز" فى 2021 أنَّ قطاعًا كبيرًا من متابعى صفحة الدار تعدُّ هذه القضية إحدَى المسلمات، وقد ساعد فى ذلك ما سبق ونشرته دار الإفتاء المصرية قبل 2021 من فتاوى حول جواز تنظيم الأسرة".

أما الطائفة الثانية من الجمهور المستهدَف فلعل هؤلاء هم مَن تفاعلوا مع الهاشتاج بعدد يصل إلى 10 آلاف، كان منهم عددٌ كبيرٌ تفاعلَ تفاعلًا إيجابيًّا بالتأييد أو علامة الإعجاب أو إعادة النشر على صفحاتهم الشخصية، وقليلٌ هم مَن تفاعلوا تفاعلًا سلبيًّا معها.

وأكَّد فضيلته أن الربط بين استراتيجية الدار الموضوعة لصفحاتها على الفيس بوك وما حددته دراساتها من طبيعة المتابعين لصفحاتها ومقارنتها بنتائج الدراسة يُوقفنا على وضعِ حكمٍ دقيقٍ على مدى التفاعل مع الهاشتاج، ولكن القَدر الذى يمكن تَبنِّيه أن القضيةَ بالنسبةِ لعددٍ كبيرٍ من متابعى الصفحة تُعدُّ من القضايا التى لا تستدعى التأكيد، وهذا نابعٌ عما سبق للدار وأسسته من قناعاتٍ لمتابعيها حول هذه القضية، وهو ما كشفه هذا الهاشتاج.

وأشار إلى أن الهاشتاجات والمبادرات والحملات التى قامت بها دار الإفتاء المصرية على صفحات التواصل الاجتماعى قد توالت وهى تستهدف القضايا المختلفة للأسرة المصرية؛ وعلى رأسها تنظيم الأسرة، ومنها هاشتاج "من أجل حياة سعيدة" وهاشتاج "لتسكنوا إليها" القائم حاليًّا فى صفحة الفيس بوك الخاصة بالدار.

واختتم مفتى الجمهورية كلمته بقوله: "إنه مما لا شك فيه أن النهضة المصرية وتحقيق رؤية الدولة فى تحقيق التنمية تكون بالعمل الدءوب وَفقًا لتخطيطٍ حكيمٍ لن يتحقق إلا بتشكيل وعى شامل فى المجتمع؛ وذلك لأن العمل الناجع فرع الوعى الرشيد، ومؤسسات تكوين الوعى تلعب دورًا حيويًّا فى توعية المواطن بخطورة إهمال الأسرة وأهمية مساندة الدولة فى تحقيق تنمية الأسرة الشاملة والمستدامة ومواجهة جميع عوائقها ويأتى على رأسها الانفجار السكانى".

أضف تعليق

تدمير المجتمعات من الداخل

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
إعلان آراك 2