زاخر: المجلس المقترح «استشاري» ولا يزاحم «المجمع المقدس»

زاخر: المجلس المقترح «استشاري» ولا يزاحم «المجمع المقدس»المفكر القبطي كمال زاخر، منسق جبهة العلمانيين فى الكنيسة

حوارات وتحقيقات11-12-2022 | 16:33

«المجلس المقترح لا يزاحم المجمع المقدس فى اختصاصاته».. هذا ما أكده المفكر القبطي كمال زاخر، منسق جبهة العلمانيين فى الكنيسة، ردا على حالة الجدل الشديدة التى أثارها اقتراحه بتشكيل مجلس استشارى لمعاونة البابا تواضروس الثاني فى إدارة الكنيسة، والذى قوبل بهجوم شديد من التيارات الكنسية المحافظة، مؤكداً أن اقتراحه جاء تأكيداً لمنهج البابا تواضروس العلمى والعملى فى إدارة الكنيسة، ومشدداً على أن هناك من يهمهم أن ينفردوا بالبابا فيما يرونه معركتهم معه، وأن الكنيسة ما زالت تعاني من مقاومة تيارات راديكالية مازالت ترى أنها أحق بموقع البابا البطريرك.

وإلى نص الحوار..

اقتراحكم بوجود مجلس استشاري لمعاونة البابا.. ما الهدف منه؟
تشهد علوم الإدارة فى الآونة الأخيرة تطورات نوعية متلاحقة تقلص فيها دور الفرد لحساب العمل الجماعى، وتشهد المؤسسات الدينية تزايدا فى الأعباء الملقاة على عاتقها، فى مواجهة المد المادى والتمرد على منظومات القيم التى تتبناها، فضلاً عن دورها فى رعاية المعوزين والكادحين، و الكنيسة مكلفة بهذه الأدوار فى عالم أكثر تعقيداً، والمجلس المقترح يشكل ما يعرف فى علوم الإدارة «مراكز بحثية think tanks»، واحسب أن المجلس الاستشارى المقترح واحد منها، مهمته توفير ما يحتاجه متخذ القرار، وهو هنا البابا البطريرك، من رؤى ومعلومات متعلقة بالقضية المطروحة عليه.

ما هي مهام وصلاحيات المجلس المقترح؟


المجلس بحسب المقترح يضم عشرة أعضاء يمكن زيادتهم إلى اثنى عشرة عضواً على الأكثر، تتنوع تخصصاتهم ما بين الكنسى والمدنى والقانونى والاجتماعى والسياسى، ومهمته تقديم الدراسات النوعية التى يحتاجها قداسة البابا، ويمكنه تقديم مقترحات محددة تتعلق بما تواجهه الكنيسة فى تعاملها مع الغير أو فى «أزمة حالة» داخلها، ومن مسمى المجلس يتبين أنه «استشاري»، ومن ثم تنتهى مهمته بتقديم الرأى والمشورة.

البعض انتقد الفكرة على أساس أن هذا المجلس سيهمش دور المجمع المقدس.. فما رأيك؟


لا علاقة للمجلس بأى تنظيمات كنسية قائمة، ولا علاقة له بمجمع الأساقفة، ولا يتقاطع مع عمله أو يزاحمه، فالمجمع سلطة كنسية إدارية له نظامه وآلياته وهو ملزم فى قراراته للكافة بما فيهم قداسة البابا، والذى هو بحسب الكنيسة الأخ المتقدم بين إخوته فى المجمع، بينما المجلس الذي نقترحه دوره استشارى لمعاون البابا البطريرك، وللبابا أن يأخذ برؤية المجلس أو يعدلها أو يرفضها.
وإذا أخذ البابا بفكرة المجلس، فمن الطبيعى أن يصدر فى قرار تكوينه دوره وصلاحياته وحدود عمله وعلاقته بمؤسسات الكنيسة الإدارية، المجمع ومجلس الأراخنة (الملى سابقاً).

برأيك.. لماذا قوبل الاقتراح بكل هذا الهجوم الضاري؟


أسباب ودوافع الهجوم متعددة، بعضها رفض المقترح لكونه صادرا منى، وبعضه لتخوفه من أن يزاحمهم المجلس المقترح فى مواقعهم التى استقرت لهم، سواء فى الكنيسة أو حول البابا البطريرك، والبعض يهمهم أن ينفردوا ب البابا البطريرك فى معركتهم معه لحساب بعض القيادات الكنسية، التى جندتهم لهذا الدور، والبعض لتخوفهم من كل ما هو جديد بزعم أنه مخالف للموروث، والبعض يراه ـ على غير حقيقته ـ بديلاً عن المجلس الملى الذى يتطلعون ـ ويسعون ـ لعضويته يوماً.

ولكن البعض هاجم اختياراتك لأعضاء هذا المجلس المقترح..؟
لم يكن من المنطقى أن أقدم اقتراحاً بغير تصور لتشكيله، حتى لا يتحول إلى إغراق فى التنظير، وحتى يستبين لصاحب القرار أبعاد ما يمكن أن يقدمه هذا المجلس له باعتباره جماعة بحثية، أما الهجوم فيفتقر للموضوعية والعقلانية، وفاتهم أننى ذكرت فى تقديمى للمقترح أن الأمر متروك لصاحب القرار، فى قبول الفكرة ككل أو فى التشكيل، فالأسماء التى وردت فيه على سبيل الاسترشاد.

ولماذا لا يترك اختيار أعضاء هذا المجلس للبابا أو أن يكون بالانتخاب؟


بالفعل وبحسب ما قدمته، الأمر متروك لقداسة البابا، ويكفى لبيان أهمية الطرح أنه حرك المياه الساكنة، ونبه لأهمية التفاف العقول المفكرة والمشهود لها بمحبتها للكنيسة والحرص عليها.

لماذا برأيك لم يتم تفعيل المجلس الملي حتى الآن، وفيه مع المجمع المقدس الكفاية للقيادة الجماعية للكنيسة كما ترغبون؟


المجلس الملى منذ لحظة تكوينه (فبراير 1874)، وهو محل رفض من الباباوات المعاصرين له، ربما تأثراً بكون الكنيسة مجتمعاً أبوياً، وكان الآباء حينها يعتبرون المجلس انتقاصاً من أبوة البابا البطريرك والآباء الأساقفة، وتدخلاً فى صلاحياته فى التصرف فى أموال الكنيسة بل ذهب البعض إلى أنه يعنى تشكيكاً فى أمانة الآباء، وهى أمور تحتاج مراجعة، ولعل تقلص صلاحيات المجلس التى نص عليها قرار تشكيله، جعلت منه مجلساً احتفالياً، وفقده لصلاحياته جاء بعد إلغاء المحاكم الملية وتحويل صلاحياتها فى عام (1955) إلى القضاء المدنى، محكمة الأسرة الآن، ووضع المدارس القبطية، تحت إشراف وزارة التربية والتعليم، وكذلك الحال مع المستشفيات القبطية التى أحيلت لوزارة الصحة، وتشكيل هيئة الأوقاف القبطية لتتولى إدارتها، وهكذا تم إفراغ المجلس الملى من صلاحياته، وصار الحال بحاجة إلى إعادة صياغة من المسمى المفارق للواقع بانتقالنا من دولة الملل والطوائف إلى الدولة القومية، التى تعتمد المواطنة سبيلاً، ووجود محاور جديدة لموارد الكنيسة وممتلكاتها، وظهور محاور جديدة للصرف، تستوجب وجود مجلس لإدارتها وفق قواعد الإدارة الحديثة.

تأكيد لمنهج البابا

البابا تواضروس اتخذ منهجا علميا متميزا فى قيادة الكنيسة منذ اعتلائه الكرسي المرقسي، فماذا سيضيف هذا المجلس مع المجالس الأخرى الموجودة بالفعل سواء المجمع المقدس أو المجلس الملي أو المجالس الاكليريكية؟


هذا المجلس تأكيد لمنهج البابا البطريرك فى تبنيه الحلول العلمية العملية فى الإدارة، وهو يؤسس للانتقال من الفرد للمؤسسة، ولا يمكن تصور إدارة حديثة بدون وجود مراكز بحثية تدعمها بالأبحاث والرؤى المدروسة، فالمجلس بهذا التصور إضافة إلى منهج إدارة البابا للكنيسة.

هل عرضت الفكرة على قداسة البابا قبل طرحها على الرأي العام؟ بمعنى هل أخذت موافقته؟


هذا المقترح جاء ضمن أفكار ومقترحات عديدة تضمنتها سلسلة الكتب التى أصدرتها بالتتابع منذ عام 2009 وحتى عام 2019، وحملتها توصيات مؤتمرات التيار العلمانى منذ العام 2006 وحتى العام 2010، وقد قدمت هذه الكتب وأبحاث مؤتمراتنا المعلنة، لقداسته فور إعلان انتخابه بطريركاً فى مقر إقامته بدير الأنبا بيشوى بوادى النطرون، وأنا كاتب مستقل لا أتوقف عن طرح ما أراه عبر وسائل النشر المختلفة، فالأمر ليس شخصياً، بل هو شأن عام.

لماذا أصبحت أي فكرة أو مقترح من العلمانيين محل ارتياب وهجوم حتي قبل دراستها؟


فى المجتمعات التقليدية تبرز حالات التخوف من الاقتراب، مما هو مستقر ومتوارث بغض النظر عن ملائمته لاحتياج هذه المجتمعات، وفيها تسيطر الصورة الذهنية التى يرسمها أصحاب المصالح فى أن يبقى الوضع على ما هو عليه، ودورنا فى سعى التنوير مواصلة الطرح والمواجهة بهدوء وثقة ويقين بأن الكنيسة فوق الأفراد وقبلهم.

هل تتوقع أن ترى فكرتك النور يوما؟


لا أملك الحكم على إمكانية تحقق ما أطرحه على الأرض، ف الكنيسة مازالت تعانى من مقاومة تيارات راديكالية وتيارات مازالت ترى أنها أحق بموقع البابا البطريرك، لأسباب ليس من بينها صالح الكنيسة، لكن رهانى قائم على الزمن وعلى الفضاءات المفتوحة التى تكشف الغث من الثمين.

أضف تعليق