انتهاك الحريات.. عرض مستمر قمع المحتجين !

انتهاك الحريات.. عرض مستمر قمع المحتجين !انتهاك حقوق الإنسان

حوارات وتحقيقات12-12-2022 | 15:58

حين يتعلق الأمر بملف الأمن العام فى دول الغرب، تبدو قيم الديمقراطية والحرية و حقوق الإنسان بلا أدنى قيمة، إذ لا تمثل هذه القيم بالنسبة لدول الغرب فى واقع الأمر سوى شعارات تبتز بها دول العالم الأخرى التى لا تتفق مع أهدافها ومصالحها، وهذا ما رأيناه مرارا فى أمريكا والدول الأوروبية فى حالات عديدة، منها قوانين مكافحة الإرهاب وحالات الطوارئ ومنع المظاهرات وقمعها، وكان آخرها تعهد رئيس الوزراء البريطانى ريشى سوناك، بمنح قوات الشرطة صلاحيات جديدة لوقف الاحتجاجات التى وصفها بأنها «غير قانونية».

اعتبر سوناك أنه «من غير المقبول بتاتا أن تتعطل حياة الناس بواسطة أقلية أنانية تشارك فى مظاهرات غير قانونية»، مبينا أن الحكومة البريطانية منحت الشرطة صلاحيات جديدة لوقف هذه الاحتجاجات.
ونشر سوناك على حسابه بموقع «تويتر»، صورًا لاجتماعه مع رؤساء الشرطة، وعلق بالقول «التقيت برؤساء الشرطة لأوضح لهم أننى أدعمهم بشكل كامل فى العمل بحزم لقمع الاحتجاجات غير القانونية». وأضاف «لقد سئم الجمهور من هذا الاضطراب وعلى من يخالف القانون الشعور بعواقب ذلك».
وينظر البرلمان البريطانى حاليا فى مشروع قانون «الأمن العام»، الذى يمنح الشرطة مجموعة من الصلاحيات الجديدة للتعامل مع المتظاهرين فى إنجلترا وويلز، بما فى ذلك سلطة إيقاف وتفتيش أى شخص يشتبه فى أنه ينوى المشاركة فى «مظاهرة تخريبية»، وإغلاق مناطق بأكملها فى حالة حدوث مظاهرة.
قمع الشرطة للمتظاهرين فى بريطانيا ليس بجديد، وشاهدناه فى أوقات كثيرة خلال الأعوام الماضية، أبرزها قمع تظاهرات المواطنين الغاضبين من سوء إدارة الحكومة لأزمة كورونا، وموجة التظاهرات التى اندلعت فى 2021 احتجاجاً على مشروع قانون يمنح الشرطة سلطات لتقييد المظاهرات السلمية فى مدينة بريستول جنوب البلاد، وقوبل الانتفاض الشعبى آنذاك بتدخل عنيف من قبل الشرطة، وتحولت الاحتجاجات إلى أعمال عنف.
ويحدث هذا فى الوقت الذى حذرت فيه جماعات حقوق الإنسان مرارا من الحالة المؤسفة للسجون البريطانية، وارتفاع معدل الانتحار فى هذه السجون، والسلوك العنيف للشرطة.

تهمة «الإزعاج العام»

وتشهد بريطانيا فى الآونة الأخيرة تظاهرات من قبل المحتجين على غلاء المعيشة ونشطاء البيئة والمناخ المطالبين بوقف تراخيص التنقيب عن النفط والوقود الأحفورى، فضلًا عن الاضرابات العمالية للمطالبة بزيادة الأجور.
ووفقا لمساعد مفوض شرطة مكافحة الإرهاب مات تويست، فقد «تم اعتقال 755 شخصا حتى الآن، وتم توجيه اتهامات لـ 182 شخصا بارتكاب مجموعة من الجرائم، تتراوح بين عرقلة الطريق السريع والتآمر والتسبب عن قصد أو بتهور فى الإزعاج العام».
والأسبوع الماضى، تم تطبيق عقوبة السجن لمدة ستة أشهر على جان جودى (57 عاما)، المتظاهر من حركة
«Just Stop Oil» ، بعد تسلقه جسرا واعترافه بالذنب للتسبب فى الإزعاج العام.
وقال تقرير لصحيفة «نيويورك تايمز» إنه «مع تصعيد نشطاء حماية البيئة ونشطاء المناخ لاحتجاجاتهم فى بريطانيا- باستخدام تكتيكات تعطل الحياة اليومية- بدأت السلطات تتعامل معهم بإجراءات قوية أثارت المخاوف بشأن تآكل الحريات المكرسة منذ فترة طويلة».
وذكرت الصحيفة الأمريكية، أنه عندما أوقف المتظاهرون البيئيون مؤخرًا حركة المرور على الطريق السريع M25 الذى يحيط بلندن، كانت إحدى الصحفيات، وتدعى شارلوت لينش ، تقف على جسر فوق الطريق لتغطية المظاهرة لمحطتها الإذاعية «إل بى سى»، لتتفاجأ بالشرطة تقوم بتقييد يديها وتفتيشها واعتقالها بعد استجوابها من قبل ضابطى شرطة حول كيفية معرفتها بمكان وتوقيت المظاهرة.
ورغم إظهار لينش للبطاقة الصحفية التى يحملها الصحفيون فى بريطانيا للتعريف بأنفسهم للشرطة، وتوضيحها أنها علمت بمكان إقامة الاحتجاج من وسائل التواصل الاجتماعى، إلا أنه تم احتجازها لمدة خمس ساعات فى مركز للشرطة، حيث تم أخذ الحمض النووى الخاص بها وبصماتها.
ونقلت «نيويورك تايمز» عن لينش قولها لاحقًا: «كان أمرًا مرعبًا للغاية أن تكون فى زنزانة بها وسادة لسرير فى أحد الزوايا ومرحاض معدنى فى زاوية أخرى ... لم أفعل شيئا سوى أننى كنت أقوم بعملى».

الكيل بمكيالين

الغريب أن هذا السلوك من الشرطة البريطانية يتناقض مع موقف بريطانيا عندما اعتقلت الشرطة الصينية مؤخرا مراسلا بريطانيا لفترة وجيزة أثناء تغطيته لاحتجاج فى شنغهاى ضد قيود كورونا، حيث ندد وزير الأعمال البريطانى جرانت شابس بممارسات الشرطة الصينية «غير المقبولة» و«المثيرة للقلق»، وقال الوزير لإذاعة «إل بى سى»: «مهما يحصل، يجب أن تكون حرية الصحافة مقدسة»، وذلك بالرغم من تأكيد وزارة الخارجية الصينية أن مراسل «بى بى سى» إد لورانس «لم يعرف نفسه على أنه صحفى ولم يظهر طوعا بطاقة الاعتماد الصحفية».

برلين ويوم النكبة

ومن بريطانيا إلى ألمانيا لم يختلف الوضع كثيرا، حيث يتم التعامل مع المظاهرات حسب ما تقتضيه مصلحة الدولة، وخير مثال على ذلك، قيام الشرطة فى برلين بحظر العديد من المظاهرات التى كان مخططا لها بين 13 و15 مايو الماضى لإحياء يوم النكبة حيث تم فرار أو طرد أكثر من 700 ألف فلسطينى من ديارهم، وتدمير أكثر من 400 قرية فلسطينية فى الأحداث المرتبطة بإقامة إسرائيل عام 1948.
وبحسب منظمة «هيومان رايتس ووتش»، بعدما نزل الناس إلى الشوارع رغما عن القرار، استخدمت الشرطة الألمانية القوة، حيث دفعت وسحلت العديد من المتظاهرين، واحتجزت العشرات منهم لمدة تصل إلى ساعتين، وفقا لشهود ومحامين ولقطات فيديو راجعتها «هيومن رايتس ووتش». وفى أحد المقاطع، يخبر شرطى امرأة أنها محتجزة لأنها صرخت «فلسطين حرة».
وتأتى قرارات الشرطة الألمانية فى ضوء قرار مجلس النواب الاتحادى لعام 2019 الذى أعلن بشكل جائر أن أشكال مقاطعة إسرائيل بطبيعتها معادية للسامية، بينما تفضل الحكومة الألمانية غالبا الصمت بشأن انتهاكات إسرائيل الجسيمة ل حقوق الإنسان ضد الفلسطينيين، حسب «هيومان رايتس ووتش».
وذكر تقرير لمنظمة «العفو الدولية» عن حقوق الإنسان فى ألمانيا لعام 2021، أن برلمان ولاية شمال الراين وستفاليا الفيدرالية تبنى فى ديسمبر 2021 قانونًا يقيد بشكل غير متناسب مع الحق فى حرية التجمع السلمى من خلال فرض سلسلة من المتطلبات الإدارية وتوسيع سلطات المراقبة والسيطرة الحكومية بشكل غير ملائم، على سبيل المثال من خلال إنشاء نقاط تفتيش. كما نص على عقوبات جنائية للمنظمين الذين لم يقدموا إخطارًا مسبقًا، باستثناء التجمعات العفوية.
ووفقًا لمنظمة «مراسلون بلا حدود»، لم يتمتع الصحفيون بحماية كافية من قبل الشرطة الألمانية عند تغطيتهم للمظاهرات. وأبلغت المنظمة عن عشرات الحالات من الصحفيين الذين تعرضوا للاعتداء الجسدى والإساءة اللفظية فى الاحتجاجات، وخاصة تلك المعارضة لإجراءات كوفيد-19.

نصوص جنائية مبهمة

وفى فرنسا، التى لم ينس العالم استخدامها المفرط للقوة فى مواجهة متظاهرى «السترات الصفراء»، قال تقرير منظمة «العفو الدولية» لعام 2021، إن السلطات الفرنسية واصلت استخدام نصوص جنائية مبهمة وفضفاضة للغاية لإلقاء القبض على المحتجين السلميين وملاحقتهم قضائيا، واستخدمت أسلحة خطرة للحفاظ على الأمن أثناء التجمعات العامة؛ ففى يونيو 2021، استخدمت الشرطة الفرنسية القوة المفرطة لتفريق مئات الأشخاص الذين تجمعوا سلمياً لحضور مهرجان موسيقى فى بلدة ريدون ببريتانى.
ووفقا لتقرير «العفو الدولية»، أثارت اللجنة الأوروبية لمنع التعذيب بواعث قلق بشأن العنف والانتهاكات التى تعرّض لها أشخاص فى الحبس الاحتياطى، بما فى ذلك تعرضهم لإهانات عنصرية من جانب الشرطة الفرنسية.
وأعربت اللجنة الأوروبية لمنع التعذيب عن قلقها إزاء الاكتظاظ وغيره من الأوضاع فى السجون الفرنسية، إضافة إلى احتجاز أشخاص مصابين بأمراض عقلية فى سجون نظامية بسبب عدم توفر المرافق المناسبة.
كما ذكر تقرير منظمة «العفو الدولية» عن حقوق الإنسان فى أوروبا وآسيا الوسطى لعام 2021، أنه فى نهاية العام، أشعلت القيود المتعلقة بوباء كوفيد-19 مظاهرات كبيرة فى إيطاليا وبلجيكا وكرواتيا والنمسا وهولندا، وأن بعض المظاهرات اتسمت بالعنف، وأدت إلى اعتقال العشرات من الأشخاص، ووقوع إصابات فى صفوف المتظاهرين والموظفين المكلفين بإنفاذ القانون.

ستار كوفيد-19
وأصاف التقرير، أن بعض الحكومات أمعنت فى تجاوز الحدود المشروعة لإجراءاتها تحت ستار وباء كوفيد-19، وأزمات الهجرة، ومكافحة الإرهاب أو التطرف؛ فقد أعلنت بولندا ولاتفيا وليتوانيا حالة الطوارئ التى قصرت عن الوفاء بالمعايير الدولية، وفرضت قيوداً بالغة على أنشطة وسائل الإعلام والمنظمات غير الحكومية على الحدود.
ولجأت الحكومات الأوروبية إلى أساليب تقنية تزداد تعقيداً يوماً بعد يوم للنيل من منتقديها؛ فقد اتضح أن المجر وبولندا استخدمتا برنامج «بيجاسوس» فى التجسس على المدافعين عن حقوق الإنسان، والصحفيين، وغيرهم.
أما الحديث عن انتهاكات الشرطة فى الولايات المتحدة واستخدامها للعنف فيحتاج إلى صفحات، ويكفى الإشارة إلى حوادث قتل المواطنين السود فى بعض المدن الأمريكية على يد رجال الشرطة البيض فى الأعوام الأخيرة، وأشهرها مقتل الشاب الأسود جورج فلويد فى مايو 2020، حيث أظهر مقطع فيديو أحد أفراد الشرطة البيض وهو يضغط بركبتيه على عنقه حتى اختنق ومات. وليس هذا فحسب بل شهد العالم بأثره كيف قوبلت المظاهرات على مقتل فلويد بالقمع و العنف والضرب والسحل من قبل الشرطة الأمريكية.
وذكر الموقع الإلكترونى لصحيفة «يو إس إيه توداى» الأمريكية فى 21 يونيو 2021 أن الشرطة فى الولايات المتحدة تطلق النار بشكل قاتل على نحو 1000 شخص سنويا. فقد أطلقت الشرطة النار على أكثر من 6300 شخص منذ عام 2015، لكن تم القبض على 91 ضابطا فقط، أو واحد فى المائة فقط من المتورطين.

أضف تعليق

حكايات لم تنشر من سيناء

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2