عقدت أكاديمية الأوقاف الدولية محاضرة لأئمة ووكلاء الأوقاف بدولة الجزائر الشقيقية، بالقاعة الرئيسية بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية اليوم الثلاثاء حاضر فيها الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، و الدكتور عبد الله مبروك النجار عضو مجمع البحوث الإسلامية، والإعلامي الدكتور محمد الباز رئيس تحرير صحيفة الدستور، وبحضور د. هشام عبد العزيز رئيس القطاع الديني بوزارة الأوقاف المصرية، ود. محمد عزت الأمين العام للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، ووفد أئمة ووكلاء الأوقاف بدولة الجزائر الشقيقة وأئمة وواعظات وزارة الأوقاف المصرية.
وفي كلمته رحب وزير الأوقاف بالحضور وبضيوف مصر الكرام من دولة الجزائر الشقيقة، مؤكدًا مصالح الأوطان من صميم مقاصد الأديان، وأنه لابد للدين من دولة قوية تحمله وتحميه وترفع رايته عاليا، فالمشـردون لا يقيمون دينًا ولا دولة، وإذا اختل ميزان الدولة عمت الفوضى، ونحن بلا شك وبكل قوة وحسم مع خيار الدولة.
وقال وزير الأوقاف: لن يحترم الناس ديننا ما لم نتفوق في أمور دنيانا، فإن تفوقنا في أمور دنيانا بالعمل والإتقان احترم الناس ديننا ودنيانا، ودورنا إعادة النظرة الحضارية العظيمة لديننا ليس بالكلام وإنما بالقدوة، فالإسلام فن صناعة الحياة لا صناعة الموت، ويوازن بين العبادة والعمل.
كما تناول وزير الأوقاف عددًا من إصدارات الأوقاف المتميزة في قضايا التجديد والتي يأتي في مقدمتها كتاب: "مهارات التواصل الدعوي في السنة النبوية"، مشيرًا إلى أن هذا الكتاب يوضح في رؤية عصرية أهم وسائل وأساليب الدعوة في السنة النبوية المشرفة، ويبرز بعض الجوانب الإنسانية في حياة رسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم)، ويبين أن الدعوة بالقدوة والحال أبين وأجل وأوضح وأكثر تأثيرًا من الدعوة بالمقال، فحال رجل في ألف رجل خير من كلام ألف في رجل، ويؤكد أن رسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم) الذي بلغ الرسالة وأدى الأمانة على أكمل وجه، بذل وسعه في سبيل البلاغ المبين، مستخدما سائر مهارات وأساليب ووسائل التواصل الدعوي والإنساني في أرقى صورها، كما يبرز ضرورة الاقتداء بنبيِّنا (صلى الله عليه وسلم) في ذلك، وأن نتسلح بكل مهارات التواصل الحديثة والعصرية في سبيل أداء مهامنا الإصلاحية والدعوية المستنيرة، وأن يكون ذلك بالحكمة والموعظة الحسنة، ميسرين لا معسرين ولا منفرين.
وكتاب: "الكليات الست" والذي أكدنا فيه أن عدد الكليات وترتيبها إنما هو نتاج رؤية العلماء والمجتهدين لما يجب الحفاظ عليه باعتباره أمرًا ضروريًا، وأن الأمر متسع للاجتهاد في عددها وترتيبها كونهما اجتهادًا بشريًّا، وليس قرآنًا ولا سنة، كما يهدف الكتاب إلى بيان أن الحفاظ على الوطن لا يقل أهمية عما ذكره العلماء من الكليات الأخرى؛ إذ لا يوجد وطني شريف لا يكون على استعداد لأن يفتدي وطنه بنفسه وماله، مؤكدًا أن الحفاظ على الدين مقصوده الأسمى الحفاظ على أصل الدين ومقاصده، أما عند التفصيل فقد يتقدم حفظ النفس على التمسك ببعض الجزئيات، فللإنسان المضطر أن يأكل من الميتة المحرمة شرعًا ما يحفظ به أصل النفس، كما يوضح الكتاب أن الشرع الحنيف قد أحاط الدين والنفس والعقل والمال والنسل والعرض والنسب بسياجات من الصيانة والحفظ، تحفظ للإنسانية حرمتها وكرامتها، وتضبط مسارات حركتها بضوابط محكمة لا تمييز فيها ولا إقصاء.
وعن كتاب: "تنظيم النسل ومتغيرات العصر" أكد وزير الأوقاف أن قضية تنظيم النسل والمشكلات السكانية هي من المتغيرات التي يختلف الحكم فيها من زمان إلى زمان، ومن مكان إلى مكان، ومن دولة إلى أخرى، بحيث لا يستطيع أي عالم أن يعطي فيها حكمًا قاطعًا أو عامًّا، وأن الكثرة إما أن تكون كثرة صالحة قوية منتجة متقدمة يمكن أن نباهي بها الأمم في الدنيا، وأن يباهي نبينا (صلى الله عليه وسلم) بها الأمم يوم القيامة، فتكون كثرة نافعة مطلوبة، وإما أن تكون كثرة كغثاء السيل، عالة على غيرها، جاهلة متخلفة في ذيل الأمم، فهي والعدم سواء.
مبينًا أن تناولنا لقضية تنظيم النسل يجب ألا يقتصر فقط على الجوانب الاقتصادية، إنما يجب أن يبرز إلى جانب هذه الآثار الاقتصادية كل الآثار الصحية والنفسية والأسرية والمجتمعية التي يمكن أن تنعكس على حياة الأطفال والأبوين والأسرة كلها، ثم المجتمع والدولة.
وفي كلمته قدم الدكتور عبد الله مبروك النجار عضو مجمع البحوث الإسلامية خالص الشكر والتقدير للأستاذ الدكتور/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف الذي نتعلم منه المعاني الدينية الصحيحة والتي أتت من واقع الحياة، سائلاً الله (عز وجل) أن يديم عليه نعمة التفوق، كما رحب بالدكتور/ محمد الباز الذي يمتع القارئ بعمق التفكير والتحليل من خلال كتاباته ومحاضراته ولقاءاته.
كما أكد أن فكرة الدولة هي مفتاح للسعادة، والتي ارتقت إلى أن تكون أحد الكليات الست، ففكرة الدولة قامت منذ بداية الإسلام عندما أقام النبي (صلى الله عليه وسلم) دولة يعيش الناس فيها، وكل القيم والمعاني الإنسانية قامت على تلك الدولة، وانتشر الإسلام بهذا الطريق الصحيح، والذي يسافر إلى أقاصي الدنيا كإندونيسيا وغيرها من البلدان البعيدة يجد أن الإسلام وصل إلى هناك عن طريق الأخلاق التي تمتع بها التجار المسلمون، والتي تعد القاسم المشترك بين كل الأديان.
وأشار إلى أمرين، الأمر الأول: أن حب الوطن فطرة طبيعية، وقد ضرب لنا النبي (صلى الله عليه وسلم) أروع المثل على حب وطنه حينما حدث في مكة وهو خارج منها، حيث خاطبها مخاطبة الشخص الطبيعي قائلاً: "والله إنك لأحب بلاد الله إلي، وأحب البلاد إلى الله ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت"، هذا المثل الذي يُحتذى به في أن المكان الذي يعيش فيه الإنسان هو كيان يمثل درجة كبيرة من الأهمية، بل لابد أن يعتبره جزءًا من انتمائه ووجوده ويشعر الإنسان بالغيرة عليه، والأمر الثاني: أن هذا الوطن له واجب على الإنسان، ومن الخطأ أن يظن البعض أن له حقوقًا وليس عليه واجبات، فكل حق يرتبط بواجب، فالبائع حينما يقدم السلعة ينتظر الثمن، وفي مجال الحق الوطني هو حق من حقوق الله (عز وجل) وهو حق مطلق لا ينتظر منه العبد المقابل، ومن الواجب أن يوفي به الإنسان في كل الأحوال، وقد قال النبي (صلى الله عليه وسلم) للمرأة التي توفيت أمها وقد نذرت أن تصوم: "أرأيتِ لو كان على أمِّك دَينٌ أكنتِ قاضيَتَه؟ قالت: نعم، فقال النبي (صلى الله عليه وسلم) اقضُوا اللهَ فاللهُ أحقُّ بالوفاءِ"، فإذا تعارض الحق العام مع حق الفرد قُدِّم الحق العام، وإذا تعارض حق الدولة مع حق الفرد قُدِّم حق الدولة، وإذا تعارض حق الوطن مع حق المواطن قُدِّم حق الوطن.
وفي كلمته أكد الدكتور محمد الباز أن ضياع الدولة يعني ضياع الدين، وبقاء الدولة تمكين للدين، فالدولة تسير عبر مؤسساتها القانونية الشرعية، مبينًا أن مصلحة الفرد والدولة مصلحة واحدة مشتركة وليست مصالح متقابلة، وهو أمر يحتاج إلى وعي بضرورة ذلك، حتى يتمكن الفرد من تقديم مصلحة الدولة على مصلحته الشخصية، والرسالة الدعوية تكمن في إقناع الفرد بهذه الرسالة، مبينًا أن النبي (صلى الله عليه وسلم) أول ما وصل إلى المدينة عني ببناء الدولة على أسس سليمة، فأول ما قام به هو بناء مؤسسات الدولة التعليمية والتعبدية وتتمثل في بناء المسجد، وكذلك عني ببناء المؤسسات الاقتصادية والتي تتمثل في إقامة السوق.