يبدو أن خطط السيطرة على الزيادة السكانية في دول العالم الثالث ارتدت إلى الدول الغربية التي نظمت المؤتمرات ووضعت السياسات وأنفقت الأموال لوقف النمو السكاني، فأصحبت المحصلة الآن هي تراجع الخصوبة في دول أوربا وأمريكا الشمالية حتى صارت شعوب الغرب مهددة بالانقراض.
الإحصاءات التي تصدرها المنظمات الدولية عن الخصوبة تشير إلى أن الغرب مقبل على كارثة ديموغرافية، ولكنها لا تحظى بالاهتمام الكافي رغم تأثيرها المدمر في مستقبل الشعوب الغربية، فقد تراجع عدد المواليد عن معدل الإحلال الطبيعي وهو 2.1 مولود لكل امرأة في سن الإنجاب.
تشير آخر إحصاءات الأمم المتحدة عام 2022 إلى انخفاض معدل الخصوبة في أمريكا الشمالية إلى 1.6، وفي أوربا إلى 1.5، وفي أستراليا ونيوزلندا إلى 1.6، وفي أمريكا اللاتينية إلى 1.8، وفي آسيا إلى 1.9. أما في أفريقيا فتشير الأرقام إلى ارتفاع المعدل، حيث بلغ متوسط المواليد 4.2، وفي الشمال الأفريقي حيث تقع الدول العربية يبلغ المعدل 3، وهو معدل يعني بقاء حيوية سكان القارة مقابل شيخوخة الآخرين.
وحتى آسيا التي كانت تسبق الآخرين في قفزات النمو السكاني، فهي تتعرض الآن لانتكاسة بسبب إجراءات السيطرة وتحديد النسل؛ فالصين التي فرضت سياسة الطفل الواحد منذ عام 1980 حتى عام 2016 قررت التراجع وسمحت بثلاثة أطفال للأسرة للحفاظ على قوة العمل، وكوريا الجنوبية التي يبلغ سكانها 51 مليون نسمة تراجع معدل الخصوبة بها إلى أدنى معدل عالمي وهو 0.9 لك امرأة -أي أقل من طفل واحد- ومن المتوقع أن ينخفض سكانها إلى النصف في 2050 ولذلك قررت تقديم منح ومكافآت لكل طفل يولد تشجيعا لزيادة النسل.
ولأن دول أوربا أكثر المنتضررين من انخفاض الخصوبة، فإنها تسد العجز في قوة العمل بفتح الباب أمام المهاجرين، ولا تستطيع الاستغناء عنهم، لكن بعض الدول تريد محو هوية القادمين خاصة أن معظمهم من المسلمين، لذا نجد دولة مثل فرنسا في صراع دائم لفرض علمانيتها والتضييق على الإسلام. وفرنسا بها أعلى معدل خصوبة في أوربا 1.8 بسبب المواطنين المسلمين ذوي الأصول الأفريقية.
منذ القرن الماضي حاولت دوائر في الغرب فرض تحديد النسل والتعقيم على الرجال والنساء، لوقف النمو السكاني بعد تبني نظرية مالتس التي ثبت فشلها، والتي تزعم أن السكان يزيدون بمتوالية هندسية في حين يزيد الطعام بمتوالية عددية، وتمتليء الكتب وصفحات الصحف بمعلومات عن المؤامرات التي تحاك ضد البشر في العالم الثالث لوقف نموهم.
وشاعت نظرية المليار الذهبي والخلاص من باقي سكان الكوكب، التي تحدث عنها كثيرا الرئيس الروسي بوتين مؤخرا، وكثرت التقارير والأفلام الوثائقية عن مؤامرة الماسونية العالمية للاكتفاء بمليار إنسان والتخلص من الباقين، لكن العجيب أن الاتجاهات العالمية للخصوبة تقدم إشارات تؤكد أن محاولات تعقيم البشر ليست أوهاما وليست ادعاءات وإنما هناك معلومات تؤكدها، ولكن المفاجأة أن الذي أضير هو الغرب نفسه.
فقد حذرت دراسة حديثة من الانخفاض المستمر للحيوانات المنوية للرجال في القارات الست، الذي بلغت وتيرته خلال العقود الخمسة الأخيرة نحو 51%، وأشارت إلى أن الانخفاض الأكبر والأسرع والمثير للقلق منذ عام 2000 يجري في أمريكا وأوربا وأستراليا.
أعد الدراسة فريق دولي استند إلى 223 دراسة متخصصة أجريت طوال الخمسين عاما الماضية، وتم جمع بيانات من أكثر من 57 ألف رجل من 53 دولة، وهذه الدراسة مكملة لجهد متواصل يتابع حالة الخصوبة في العالم بشكل علمي من خلال التحليلات المعملية.
أشارت الدراسة التي نشرتها مجلة هيومن ريبرودكشن أبديت في نوفمبر 2022 إلى أن الفريق الدولي طالب المؤسسات الطبية وصناع القرار في العالم بالبحث عن الأسباب وسرعة التحرك لإيجاد الحلول، خاصة أن هذا الانخفاض سيؤثر في الحالة الصحية بشكل عام!
ورغم ما أشارت إليه الدراسات العلمية من وجود عوامل خفية وغير معلومة لتعقيم البشر وتقليل خصوبتهم؛ فإن العامل الأكبر لتراجع الخصوبة في الغرب يرجع إلى الانهيار الحضاري في أمريكا وأوربا الذي كان له الدور الرئيسي في تدمير الأسرة، وبالتالي تخفيض عدد المواليد.
في عام 2050 سيصل سكان العالم إلى 9 مليارات نسمة، وكل هذه الزيادة ستكون في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، في حين ستختفي مئة مليون من الشعوب الأوربية الأصول. ففي عام 2000 بلغ العدد الإجمالي لسكان أوربا من إيسلندا إلى روسيا 725 مليون نسمة وهذا الرقم سيهبط إلى 600 مليون في 2050 وهناك تقديرات أخرى تشير إلى أن العدد سينخفض إلى 556، وكلهم سيكونون من الشيوخ والعجائز.