المفتى: التشريع ربط كثيرًا من الأحكام بالوطن مما يدل على عِظمه وفضله

المفتى: التشريع ربط كثيرًا من الأحكام بالوطن مما يدل على عِظمه وفضلهالدكتور شوقى علام -مفتى الجمهورية

الدين والحياة17-12-2022 | 07:40

قال الدكتور شوقى علام -مفتى الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء فى العالم: إن معانى الرحمة من نقاء المعدن وسمو الروح ونبل الطبع قد بلغت نسقها الأعلى فى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حيث اكتملت شمائله ونضجت فضائله؛ فكان مظهرَ رحمة الله تعالى للخلق كافة، قال الله تعالى: ﴿وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين﴾ [الأنبياء: 107].

وأضاف أن النبى صلى الله عليه وسلم كان مصدرًا للرحمة، وباعثًا لها، ومتخلِّقًا بها فى جميع أحواله، خاصة مع المخالف؛ حيث أمر بحسن معاملته ومنع من انتقاصه ولو بكلمة.

واستعرض فضيلة المفتى بعض النماذج التى وقعت أثناء فتح مكة وعززت مبدأ الرحمة والسماحة والعفو، منها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الْيوم يوم المرحمة» ردًّا على قول أحد الصحابة: "الْيَوْمَ يَوْمُ الْمَلْحَمَةِ".

وأوضح فضيلته كيف تعامل صلى الله عليه وسلم مع من آذَوه وأخرجوه وظاهروا على إخراجه وإيذائه، فلم ينكِّل بأهل مكة عندما فتحها، فقط سألهم: «ما ترون أنى فاعل بكم؟» فأجابوه: "خيرًا، أخٌ كريمٌ وابن أخٍ كريم"، فقال لهم: «اذهبوا فأنتم الطُّلَقاء»، فهذا هو قمة العفو مع المقدرة، لم يعتب ولم يمنَّ عليهم بالعفو، بل عفا وسامح ودعا بالرحمة والمغفرة، ليكون مثالًا لمن يأتى بعده؛ لأن أفعاله وأقواله أصبحت تشريعًا ودستورًا للمسلمين وغيرهم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

وشدَّد فضيلة المفتى على أهمية دراسة السِّيرة النبوية العطرة واستلهام العِبر منها، وعلى أهمية تربية النَّشء عليها مؤكِّدًا أنها مغذية للجانب الروحى عند الإنسان.

ولفت فضيلة مفتى الجمهورية النظرَ إلى أن النبى صلى الله عليه وسلم جاء للبناء والعمران، ولم يأتِ لإقصاء أحد ولا للصراع مع أحد، ومن حادَ عن هذه الأفكار أو حاول هدم التراث الإنسانى فهو يحيد عن سيرته العطرة.

وأكَّد فضيلة مفتى الجمهورية على ضرورة المحافظة على المقاصد الشرعية، وهى المقاصد التى تبحث فى المقصود من أوامر الشرع الشريف ونواهيه، وتتلخَّص فى حفظ خمسة أمور: الأديان، والنفوس، والعقول، والأعراض التى تعنى الكرامة الإنسانية، والأموال.

وعن أهمية مراعاة المقاصد الشرعية أضاف فضيلته: "وهذه المقاصد ترسم ملامح النظام العام وتمثل حقوق الإنسان، وتكشف عن أهداف الشرع العليا وسمات الحضارة بما يجلب المصالح الحقيقية للخلق عامة؛ لذا أجمعت كل الملل والعقول السليمة على وجوب المحافظة عليها ومراعاتها فى كل الإجراءات والتشريعات.

وأوضح فضيلة المفتى أنَّ المنهجية العلمية للشرع الشريف والمأخوذة من القرآن والسنَّة قد عمل العلماء على ترسيخها عبر العصور، ومن بين سماتها التواضع واحترام رأى الآخرين وعدم المصادرة على أقوالهم، وهى تصبُّ فى صالح التَّدين الصحيح، وتحقِّق الأمن المجتمعي، الذى به تستقرُّ المجتمعات، وهو منهج الرسول صلى الله عليه وسلم كما نرى ذلك جليًّا فى سيرته العطرة؛ وهذه المنهجيَّة أثبتها الشافعى حين قال: "رأيى صواب يحتمل الخطأ ورأى غيرى خطأ يحتمل الصواب".

واختتم فضيلته حواره بالتأكيد على حب الوطن قائلًا إنَّ حبَّ الوطن متأصل عن النبى صلى الله عليه وسلم؛ فهو أمر ثابت وراسخ فى النفس بالفطرة، والإسلام لا يتعارض مع الفطرة؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم أحب مكة باعتبارها وطنه الذى نشأ فيه، على الرغم من إيذاء أهلها له، حتى إنه رغم كل هذا الإيذاء خرج منها وقلبه متعلق بها تعلقًا تامًّا، قائلًا قولته الشهيرة: "والله إنك لأحب البلاد إلى الله وأحب البلاد إلى نفسى ولولا أن أهلك أخرجونى منك ما خرجت"، فضلًا عن أن التشريع ربط كثيرًا من الأحكام بالوطن؛ كقصر للصلاة، ورخصة للفطر، وغيرها من الأحكام، وذلك لأن مفارقة الأوطان عسيرة مما يدل على عِظم الوطن وفضله.

أضف تعليق

وكلاء الخراب

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
إعلان آراك 2