صدر حديثًا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، برئاسة الدكتور أحمد بهي الدين العساسي، كتاب «المسرح والتلقي.. دراسة في أنماط تلقي مسرح باكثير الشعري» للدكتور معنز سلامة.
ويقول معتز سلمة في مقدمة الكتاب: «المسرح فن يشتمل على ألوان كثيرة من المهارات الفنية، والمواهب الأدبية، وقد ارتبط الفن الدرامي منذ نشأته لدى الشعوب جميعها بالدين من ناحية وبالشعر من ناحية أخرى، ثم انفصل عن الدين بعد فترة، وظل مرتبطا بالشعر حتى نهاية القرن الثامن عشر؛ ولعل سبب هذا الارتباط هو ذلك النسق الموسيقي للشعر الأمر الذي يستهدف - إلى جانب التأثير المباشر في المتلقي، ذلك الأثر الممتد المفعول عبر حدود الزمان والمكان من خلال سهولة الحفظ وتداول العمل الفني في صورته الشعرية، فالشعر يثير انفعالات المتلقين ويفرج عنهم أحزانهم، ويطهر الأمهم المكبوتة، والدراما الشعرية تحتاج إلى شاعر موهوب؛ لأن البناء الدرامي للشخصيات في الدراما الشعرية يفرض على الشاعر أن يحدد لكل منها نصيبا من الحوار الشعري الأمر الذي يدفع الشاعر إلى محاولة استنطاق تلك الشخصيات- كل على حدة- الشعر الذي يعبر عنها، مما أدى إلى أن تظهر أساليب شعرية جديدة للتعبير عن الحالات النفسية وخلق تداع للأفكار والعواطف للشخصيات باستخدام الصور الشعرية.
وفي العصر الحديث ازدهر المسرح الشعري في أوروبا، ولا سيما في إنجلترا وفرنسا إبان القرنين الثامن عشر والتاسع عشر من الميلاد ازدهارا كبيرا، وأقبل عددا غير قليل من المشاهير في الأدب والشعر على نظم المسرحيات الشعرية على اختلاف أنواعها وكانت أول محاولة لكتابة المسرحية الشعرية في الأدب العربي على يد خليل اليازجي، الذي قدم مسرحية المروءة والوفاء أو الفرج بعد الضيق 1876».
ويتناول الكتاب تحليل الإطار الخارجي لعملية تلقي مسرح باكثير الشعري، من خلال تتبع أفاق توقعات القراء الذين تناولوا دراسة مسرح باكثير الشعري، وتحليل عمليات تلقيهم المتعددة؛ لأن أي بحث في عملية التلقي ينبغي أن يأخذ بعين الاعتبار عمليات التلقي السابقة للنص، فتلقي النص لا يمكن أن يقف عند الحد الذي قد نفسر في ضوئه البنى النصية وعلاقات الدوال ببعضها داخل النص فقط بل يتجاوزه إلى ما يمكن أن نسميه "تاريخ التلقي".
كما أطلق عليه "هانز روبرت ياوس"، عندما قرر أن تفاعل القارئ مع النص تفاعل ممتد عبر التاريخ لأن أي عمل أدبي يختلف الفهم الحديث له بالضرورة عن فهمه أول ما ظهر، لأن أفق التوقعات لدى قارئ اليوم مختلف عنه لدى القارئ القديم، ومن ثم فإن كل تلق محكوم بأفقه التاريخي وسياقه الثقافي، وينتج معنى النص وفق معطيات هذا السياق وذلك الأفق، فالقارئ ينطلق من فكرة أن خبراته ومخزونه الثقافي مسارات يهتدي بها في تلقي النص وإنتاج معناه، فهو يدخل إلى النص محملاً بافق توقع خاص به شكلته قراءته من قبل.