سينما الصور المشوهة

سينما الصور المشوهةمحمد رفعت

الرأى27-12-2022 | 14:51

يقولون دائمًا إن ال سينما هى مرآة المجتمع، منه تستقي موضوعاتها وتنسج حكاياتها، وتستوحي لغة الحوار فيها.. لكن المجتمع أحيانًا ما يتحول هو الآخر إلى انعكاس أو مرآة لل سينما تنطبع عليه صورتها ويستوحى من أفلامها تطلعاته وأحلامه وطريقة أفراده فى التعبير والكلام بل تصوراته عن الأشياء.

ومن هنا تأتى خطورة ال سينما لأن ما تقدمه يتلقاه الناس أحيانًا كثيرة على أنه الواقع، خصوصًا إذا كانوا لا يعرفون جيدًا حقيقة الموضوع الذى يتحدث عنه الفيلم، أو إذا كانت الصورة التى تقدمها ال سينما نمطية وكسولة مثل صورة الصعيدى أو الفلاح أو التاجر أو «الصنايعى» فى الأفلام المصرية، وكلها صور مغلوطة ومشوهة وتؤثر بشكل سلبى للغاية على حركة التطور الاجتماعى وترسخ لأفكار رجعية ومتخلفة مثل رفض الناس للأعمال اليدوية والتحقير من شأن المشتغلين بهان رغم تعارض ذلك مع ما يحدث فى الواقع.

فالسباك أو الميكانيكى الآن لم يعد هو «بلية» الذى يرتدى «العفريتة» المزيتة أو يتحدث بلغة سوقية وإشارات مبتذلة، بل أصبح معظم الحرفيين من أصحاب الشهادات العلمية المتوسطة والجامعية، واستمرار تصويرهم فى الأفلام على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية، أو رعاع يكسبون الكثير من المال ويتصرفون بوضاعة ويحاولون أن يشتروا بنات الناس بأموالهم فهذا كله يسيء كثيرًا إلى هذه المهن الشريفة وأصحابها، ويؤكد العقدة المصرية القديمة للتعلق بالوظائف الحكومية والتمرغ فى تراب الميري.

والحقيقة أن ال سينما لا تظلم الحرفيين فقط، لكنها تقدم صورًا مشوهة وغير واقعية لمعظم أصحاب المهن، فالصحفى فى الأفلام المصرية هو شرلوك هولمز الذى يطارد المجرمين ويتقمص شخصية الضابط ووكيل النيابة فى وقت واحد، والطبيب هو الشخص الذى يرتدى البالطو الأبيض ويقول على باب غرفة العمليات إنه فعل ما عليه والباقى على الله، هكذا بدون أى محاولات لتطوير تلك الشخصية النمطية أو الاقتراب من تفاصيل المهنة، والمحامى غالبًا فاسد ومتواطئ مع اللصوص.

والحقيقة أنك لا تستطيع أن تعرف أيهما بدأ أولاً، وهل ال سينما هى التى شوهت صورة كل هؤلاء الناس، أم أن سوء الفهم والاستسهال والتنميط قد انتقل من الشارع إلى السينما، خاصةً أن هذه الرغبة غير المفهومة فى الإساءة للآخر والتقليل من شأنه تكاد تكون عادة متأصلة فينا، وإلا فما معنى التنابز بالأنساب وأصل النشأة بين المصريين.. «فالمنوفى لا يلوفى» والشرقاوى «كورك عبيط» و الصعيدى «لا يفقه شيئا» والدمنهورى «نورى».. والإسكندراني «كالح»!

أليس من الطبيعى أن تنتقل تلك الصور المرفوضة من المجتمع إلى السينما، وأن تتحول الأفلام إلى وسيلة لتأكيد وترسيخ المعانى الخاطئة والأفكار المغلوطة؟! ولن يتغير هذا الحال إلا إذا تنبه صُناع ال سينما لخطورة تقديم تلك الصور «المعلبة»، وحاولوا بذل مزيد من الجهد لتقديم شخصيات حقيقية من لحم ودم، وليس مجرد أنماط سينمائية فاسدة ومستهلكة.

أضف تعليق