دراسة تدعو للتأمل عن ميلاد الخلق فى الفكر المصرى القديمة للباحثة ميرنا محمد المرشدة السياحية تشير إلى أن المصري القديم صوّر لحظة الأزل قبل بدء أي خليقة وكانت هناك قوة واحدة ليس كمثلها شيء كامنة داخل مياه الأزل "نون"
وتشير الباحثة ميرنا محمد إلى أن مياه الأزل هى محيط لا متناهى ليس له سطح ولا قاع وليس له أبعاد، فهى المنبع اللامحدود الذى خرج منه كل شئ ولا يمكن سبر أغوار "نون" ولا يستطيع عقل الإنسان أن يعبر عنها بأى كلمات أو مصطلحات تنتمى للعالم المادى الذى تحكمه قوانين الزمان والمكان.
ووصفت "نون" في كتب "العالم الآخر" بأنها هاوية سحيقة ليس لها قاع، كما وصفت بأنها مياه أو محيط لا نهائي من المياه وارتبطت "نون" في الفكر الديني المصري بأسطورة الخلق فهي المصدر أو الينبوع الذي انبثق منه كل شيء، كما اعتقد قدماء المصريين أن الأرض ترتبط فيزيائيًا بالمحيط الأزلي، ويتضح ذلك من النصوص المصرية القدمية التي تقول إن مياه الأزل هي الأصل الذي ينبع منه نهر النيل.
ويلقى خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان عضو المجلس الأعلى للثقافة لجنة التاريخ والآثار الضوء على هذه الدراسة موضحًا أن قصة الخلق فى المعتقد المصرى القديم تبدأ بأن خلق الإله أتوم نفسه من الماء، وتصف قصة الخلق المنسوبة الي مدينة "أون" (هليوبوليس) المعروفة باسم تاسوع هليوبوليس نشأة الكون عن طريق الانبثاق وفى نظرية التاسوع يطلق على الاله الواحد اسم "آتوم" وهو النقطة شديدة التركيز التى انبثق منها كل شيء، وإليها يعود كل شيء، آتوم هو الجوهر اللامحدود الذى يحوى كل إمكانيات الخلق التى لم تتشكل بعد.
وكان أول فعل من أفعال الخلق التى قام بها "آتوم" هو أنه انفصل عن مياه الأزل "نون" وبذلك أحدث تغييرًا جذريًا فيها، فلم تعد كحالتها الأولى حيث لا سطح ولا عمق ولا شكل ولا شيء سوى الفوضى والظلام. فلم تعد مياه الأزل ساكنة لأن آتوم أحدث بها تغييرًا حين انفصل عنها وارتفع منها
ويؤكد "آلان ف. الفورد"، الباحث الشهير في علوم المصريات، أن المصريين آمنوا بأنه من المحيط الأزلي "نون" كما تؤكد متون الأهرام ومتون التوابيت، جاءت فكرة انفصال السماء في الأزل عن الأرض وعن المحيط الأزلي، حيث أصبح كلًا من الأرض والمحيط الأزلي هما مركز الكون، ولقد أطلق قدماء المصريين على الأرض اسم "تا " وهي كلمة تكتب برمز هيروغليفي على هيئة جزيرة بيضاوية الشكل تسبح وسط محيط هائل من المياه أطلق عليه قدماء المصريين اسم "نون" ووصفت الأرض فى العديد من النصوص المصرية القديمة بأنها جزيرة "ايو" واعتاد قدماء المصريين النظر إلى المفاهيم الميتافيزيقية باعتبارها كيانات إلهية و منها بالطبع أبعاد الكون، فقد رمزوا للأرض بأحد الكيانات الإلهية وهو "جب" في مقابل السماء التي عبروا عنها أيضا بإحدى الكيانات الإلهية وهي "نوت" ووصفت النصوص المصرية القديمة العالم الذي يحكمه "جب " بأنه تل و ينطق "ايات" (iat) باللغة المصرية القديمة وهو تل يحتوى على مجموعة من التلال الثانوية التي لا يعرف عددها على وجه التحديد و يطلق عليها اسم تلال حورس و تلال ست ومن الكيانات الإلهية التي ارتبطت بالأرض أيضا "تا" تنن" و هو رب الأرض التي ارتفعت
ويتابع الدكتور ريحان من خلال الدراسة بأن المصرى القديم عبّر عن تحول "خبرى - آتوم" و صيرورته من حال الى حال بطريقتين: الطريقة الأولى هى اتخاذه هيئة جعران مقدس، والطريقة الثانية هى اتخاذه هيئة تل أزلى ارتفع فوق مياه الأزل، وقد جاء وصف الطريقتين فى متون الأهرام فى اثنتين من نصوص الأهرام. يقول النص الأول"تقدس اسمك يا آتوم ... تقدس اسمك يا خبرى... يا من خلق ذاته بذاته بأن تحول وصار من حال إلى حال ... ومن ذاته خلق التل الأزلى ... ثم تحول الى جعران مقدس يحمل اسم خبرى"
ويقول النص الثانى :-"تقدست يا "خبرى - آتوم" ... يا من ارتفعت على هيئة تل أزلى... يا من ارتفعت كطائر الـ"بنو" فوق حجر الـ"بن بن" في مدينة "أون".
وطائر الـ "بنو" فى مصر القديمة هو طائر "الفينيكس"، أما حجرالـ"بن بن" فهو الحجر الذى سال من جسد آتوم والذى يحوى بذور الخلق جميعًا (المني المقدس).
فى تاسوع هليوبوليس خرج "آتوم" من مياه الأزل على هيئة تل أزلى، ثم أخرج للوجود أول زوج من الكيانات الإلهية وهم "شو" و"تفنوت" وذلك عن طريق العطس والبصق، وهو تعبير مجازى عن الانبثاق، أى أن الإله خلق من ذاته ولم يخلق من عدم أو من أى مادة منفصلة عنه
كما اعتقد قدماء المصريين في وجود نسخة أخرى من "نون" التي تحيط بالأرض ولكنها نسخة سماوية و هي عبارة عن محيط أزلى يرتبط بشكل خاص بأطراف الكون والمناطق الأشد ظلمة ويقع هذا المحيط الأزلى فى السماء العليا و يطلق عليه "نو " في حين يطلق على المحيط الأزلى الأرضى اسم "نون" أما فى السماء الدنيا فيطلق على ذلك المحيط "نوت" وأول شئ تفعله روح الملك عند الموت بعد انفصالها عن الجسد هو أن تنزل إلى المحيط الأزلى الأرضى وذلك بأن تنزل إلى باطن الأرض وبذلك تعود إلى الأصل و المنبع الذي نشأ منه الأزل وبذلك تتحد بروح الإله الأزلى الذى كان موجودًا في مياه الأزل و لا موجود سواه
وتقدم لنا متون الأهرام وصفًا ل "نون" باعتبارها أهم معالم الزمن الأول ونقطة الانطلاق التى بدأ منها الخلق، وأهم الصفات التي ارتبطت ب "نون" فى الفكر الدينى المصرى الظلمة والامتلاء الى حد الفيضان وتحتوى "نون" على بوابات وكهوف وعلی بحيرة عظيمة و تسكنها ال "نترو" (الكيانات الإلهية وكيانات ميتافيزيقية وظيفتها تنفيذ القوانين الكونية كما يسكنها أيضا "أوزوريس" و لذلك كان من ألقاب أوزوريس في مصر القديمة لقب الساكن في نون الذي يحل العقد التي تقيد جثمان الملك ومن سكان "نون" أيضا كيانات ميتافيزيقية ليس لها اسم يشار إليها بوجه عام بعبارة ساكنى نون وهم الذين يمنحون ملك مصر الحياة مرة أخرى ويبحرون بقاربه ليقطع المحيط الأزلي و يعبره به.