مفتى الجمهورية: التأمل فى انتهاء عام وبداية آخر أمر مطلوب شرعا

مفتى الجمهورية: التأمل فى انتهاء عام وبداية آخر أمر مطلوب شرعامفتى الجمهورية

الدين والحياة31-12-2022 | 07:12

قال فضيلة الدكتور شوقى علام مفتى الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء فى العالم، إن الاستبشار بقدوم العام الجديد و التأمل فى انتهاء عام وبداية عام جديد أمر مطلوب شرعًا، وهو بمثابة مراجعة الذات ومحاسبتها على عملها فى العام المنقضى لتلافى السلبيات والتقصير فيما سلف.

وأضاف مفتى الجمهورية أن محاسبة النفس دأب أهل الهمَّة العالية والعقول الراقية التى تنشد الكمال. وينبغى أن يكونَ الإنسان ذا همَّةِ عالية، فسيحَ الأمل، واسعَ الرجاء، مستشرفًا للمستقبل، عاملًا منتجًا للحياة، يعطيها كما يأخذ منها، وعليه التمسك بالأمل والثقة بالله فهما قوةٌ باعثةٌ على العمل، ومن العوامل المؤثرة فى استنهاض النشاط والهمة فى الروح والجسد، واستدعاء مظاهر الاستبسال، والكفاح نحو أداء الواجب، ودفع اليائس إلى الجِد، وتكرار المحاولة مرة بعد أخرى حتى يتحقق نجاحه.

وشدد فضيلته على ضرورة العمل الدءوب واستفراغ الوسع فى الأخذ بالأسباب المادية، وعلى المسلم أن يثق ثقة كاملة غير منقوصة بقدرة رب العزة سبحانه وتعالى وأنه لا يُعجزه شيء فى الأرض ولا فى السماء، وبغير هذه الثقة لا يكون الأمل أملًا فى الله، وإنما هو أمل فى الأسباب المادية التى إن تلاشت يسيطر اليأس على قلب الإنسان.

وتوجَّه فضيلة مفتى الجمهورية إلى المسلم ناصحًا له بأن يُعدَّ نفسَه إعدادًا جيدًا فى كل وقت وحين، وأن يتأمَّل فى انقضاء العام بعد العام فيُطهر نفسه بالتوبة إلى الله تعالى؛ لينال الجائزة الكبرى والمغفرة لذنوبه وألا ينفق وقته وعمله فى غير طاعة الله حتى لا يرغم أنفه ويخسر المغفرة، وعلى مَن أراد التقرُّب إلى الله عليه بالتوبة وعليه أن يسارع بالتخلص من التبعات بردِّ حقوق العباد واستغفار الله عزَّ وجلَّ، والندم على ما فات من تقصير فى حقِّه عزَّ وجلَّ، وأن يتخلَّص الناس من النزاع وأكل حقوق بعضهم البعض حتى تقلَّ القضايا والمنازعات التى أرهقت المحاكم، وعليهم كذلك الكفُّ عن أساليب الخداع والتحايل.

ولفت النظرَ إلى أنَّ المنهجية العلمية للشرع الشريف والمأخوذة من القرآن والسنَّة قد عمل العلماء على ترسيخها عبر العصور، وهى التى تلقَّفها الأزهر الشريف، وسارت كذلك على دربها دار الإفتاء المصرية، ومن بين سماتها التواضع واحترام رأى الآخرين وعدم المصادرة على أقوالهم، وهى تصبُّ فى صالح التَّدين الصحيح، وتحقِّق الأمن المجتمعي، الذى به تستقرُّ المجتمعات، وهو منهج الرسول صلى الله عليه وسلم، المنهج الذى لا يعرف التعارض بين العقل والنقل، ونحن مع العقل والنقل ولا تعارض بينهما.

وتطرق مفتى الجمهورية إلى مسألة تخوُّف البعض من تزايد الإقبال على الفتاوى الدينية من أنها تؤدِّى لتكريس الدولة الدينية قائلًا: إن تزايد الطلب على الفتوى من دار الإفتاء لا يعنى تكريس مفهوم الدولة الدينية؛ فالإسلام لا يعترف بالدولة الدينية (التى تعنى الحكم بناءً على تفويض إلهى والتسلُّط على الناس باسم الدين)، بل إنَّ الإسلام عرف الدولة المدنية الحديثة الحاضنة للجميع.

وقال إن كثرة الأسئلة الواردة إلينا فى دار الإفتاء المصرية ليست ظاهرة سلبية، بل لها جوانب إيجابية كعودة ثقة الناس بالمؤسسات الدينية الرسمية، وضبط الفتوى -بفضل جهود دار الإفتاء- بعد ما تَمَّ استردادها من الجماعات المتشددة التى أثرت على الناس لفترة من الزمن ونفَّرت الناسَ ظلمًا وبهتانًا من المؤسسات الرسمية الدينية، فالفتوى ليست ملزمة، بل مطمئنة وناصحة؛ فالمستفتى يريد أن يطمئن ويريد مَن يأخذ بيده.

وأضاف "إنَّ الإسلام اهتمَّ بضرورة الترابط الأسري؛ لأن ترابط المجتمع وصلاحَه أساسُه ترابط الأسرة، فإن لم تكن الأسرة مترابطة أصيب المجتمع بخلل شديد، فالأسرة هى عماد المجتمع فى الوقت الحاضر، ولا يكون المجتمع قويًّا إلا إذا أحسنَّا إدارة الأسرة، والأسرة المصرية تعانى من قلق وأزمات شأنها شأن كل الأسر فى الدنيا، ولصلاح أى مجتمع لا بدَّ من الاهتمام والعناية بحماية الأسرة وتنميتها".

وفى معرض حديثه عن استحواذ فتاوى الأسرة على 63% من فتاوى دار الإفتاء، كما أوضحه الحصاد، أشار فضيلة المفتى إلى أننا إذا لم نحسن إدارة الأسرة إدارةً رشيدة فسنكون أمام مأزق وكارثة فيما بعدُ، ليس على المستوى الأسرى فحسب، بل على مستوى المجتمع، حيث إن المجتمعَ يتكوَّن من مجموعةٍ من الأُسَرِ، ومن ثم تُشكِّل الأسرة الوحدةَ المحوريةَ فى بناء هذا المجتمع؛ فهى الأساسُ فى استمراره فى الوجود.

وشدَّد فضيلته على ضرورة تغليب الوعى والتبصُّر الشديد عند الاختيار، وأن يعى الشاب المسئولية التى ستلقى على عاتقه، وليكن فى حرص شديد على نجاح وسعادة هذه الأسرة، وكذلك على الزوجة الشابة أن تكون صابرة على زوجها، وأن ترعاه وترعى أسرتها رعايةً صالحة، لتكون هذه الأسرة نواة لمجتمع صالح.

وثمَّن فضيلة المفتى دَور العادات والتقاليد والمستقر عند الناس الذى لا يتعارض مع الشريعة فى البناء الأسرى وعدم إهماله، مشيرًا إلى ضرورة تعميق جانب الأخلاق والفضل على الجانب الحقوقي.

واستعرض فضيلته مقتطفات من جهود الدار على مدار سنوات طويلة مضت فى مجال التثقيف الزواجى والإرشاد الأسرى والخطط المستقبلية والدورات التوعوية والتثقيفية فى مجال الأسرة، والتى جاءت متناغمة ومتوافقة مع اهتمام الدولة، وعلى رأسها فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسى للاهتمام بالأسرة المصرية.

وأشاد مفتى الجمهورية بالتجربة المصرية الفريدة فى التشريعات القضائية والتطبيق القضائى فى مجال الأسرة والأحوال الشخصية التى أصبحت مصدرًا ومرجعًا للعديد من الدول الأخرى، والتى لم تقف أبدًا فى أى وقت من الأوقات عاجزةً أمام التطورات المستجدة على مدار أعوام طويلة بدايةً من عشرينيات القرن الماضى حتى الآن.

ولفت فضيلته النظر إلى ضرورة حماية الأسرة، موضحًا أن هذه الحماية تحتاج إلى مجموعة من الإجراءات الطويلة كالحاجة إلى تثقيف المجتمع، والحاجة إلى إجراءات تشريعية لبعض الأمور فضلًا عن الموجود، والحاجة إلى ثقافة قضائية لدى المتقاضين من أطراف الأسرة عند حدوث نزاع قضائي، مؤكدًا أننا لا نريد تربصًا وعنادًا من أحد الأطراف تجاه الآخر، بل نريد أن يكون الفضل هو المعيار والضابطَ فى التعامل، مصداقًا لقوله تعالى: {وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} [البقرة: 237].

وعن تحرك الدولة فى سن تشريعات تتوافق مع الشرع لحماية الأسرة، أكَّد فضيلته أن هذا التحرك أَمْلَتْه الضرورة المجتمعية الواقعة، وأملاه تغيُّر الزمان، مُعرِبًا عن تفاؤله بخروجه بصورة متوازنة بعد طرحه للحوار المجتمعى وعرضه على مجلس النواب.

وردًّا على سؤال حول المبالغة فى تكاليف الزواج ناشدَ فضيلة المفتى الشبابَ المقبلين على الزواج وذويهم عدم المغالاة أو المبالغة فى تجهيزات بيت الزوجية حتى لا يحدث إرهاق لهما، ولا لأسرتيهما، وعليهما الاهتمام بالمطلوب، وخاصةً فى بداية حياتهما الزوجية حتى تكون الحياة أيسر وأسعد.

واختتم فضيلة مفتى الجمهورية حوارَه بالردِّ على الفتاوى التى تحرِّم تهنئة إخوتنا المسيحيين بميلاد السيد المسيح عليه السلام أو بالعام الميلادى الجديد قائلًا: هى فتاوى قد عفَّاها الزمان ويجب ألا نلتفت إليها ونرفضها، مشيرًا إلى أن دار الإفتاء المصرية والأزهر الشريف يسيران على منهجية واحدة فى أن تهنئة إخوتنا المسيحيين بميلاد السيد المسيح هو من أبواب البر الذى أمرنا الله به، وأن هذا الفعل يندرج تحت باب الإحسان الذى أمرنا الله عز وجل به مع الناس جميعًا دون تفريق، مذكرًا بقوله تعالى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾، وقوله تعالى:﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ﴾.

أضف تعليق