هل هناك تعارض بين إسباغ الوضوء والإسراف في الماء؟ الإفتاء توضح

هل هناك تعارض بين إسباغ الوضوء والإسراف في الماء؟ الإفتاء توضحالوضوء

الدين والحياة2-1-2023 | 19:26

قالت دار الإفتاء، إنه يستحب إسباغ الوضوء وذلك بإتمامه وإبلاغه موضعه وغسل ما فوق الواجب من أعضاء الوضوء أو مسحه؛ وليس المراد من إسباغ الوضوء: الإكثار من صبِّ الماء على الأعضاء دون الحاجة وفوق حدِّ الاعتدال، أو غسل العضو أكثر من ثلاث مرات؛ فهذا إسرافٌ منهيٌّ عنه شرعًا، ولا تعارض بين إسباغ الوضوء المأمور به والإسراف المنهي عنه شرعًا؛ إذ لا يأمر الشارع الحكيم بما فيه تعارض أو تناقض.

وتنصح دار الإفتاء المصرية بالمحافظة على نعمة الماء، وترشيد الاستهلاك في استخدامه ولو لأمر العبادة، ك الوضوء والغُسْل؛ لما له من ضرورة حتمية في الحياة.

وأوضحت، أن الإسباغ: الإكمال والتوفية، وإسباغ الوضوء: إتمامه وإكماله والمبالغة فيه. ينظر: "حاشية الجمل على المنهج" (1/ 35، ط. دار الفكر).

وقد حثَّ الشرع الشريف على إسباغ الوضوء وإتقانه؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «قَالَ أَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟» قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصَّلاَةِ؛ فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ» رواه مسلم في "صحيحه".

قال الإمام النووي في "شرحه على صحيح مسلم" (3/ 141، ط. دار إحياء التراث العربي): [وإسباغ الوضوء: تمامه، والمكاره تكون بشدة البرد، وألم الجسم، ونحو ذلك] اهـ.

وذهب جمهور الفقهاء من الحنفية، والشافعية، والحنابلة إلى أنَّه يستحب إسباغ الوضوء وإتمامه وإبلاغه موضعه وغسل ما فوق الواجب من أعضاء الوضوء أو مسحه:

وخالف المالكيةُ الجمهورَ فذهبوا إلى أنَّه لا يندب الإسباغ وإطالة الغرة؛ لأنَّهم فسَّروا (الغرة) بإدامة الوضوء والمواظبة عليه لكل صلاة.

وليس المراد من إسباغ الوضوء: الإكثار من صبِّ الماء على الأعضاء دون الحاجة وفوق حدِّ الاعتدال؛ فهو إسرافٌ منهيٌّ عنه شرعًا، بعموم النصوص الشرعية الواردة في النهي عن الإسراف بصفة عامة، والتي منها قوله عزَّ وجل: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ [الأعراف: 31]. وعرَّف ابن عابدين الإسراف بأنَّه: صرف الشيء فيما ينبغي زائدًا على ما ينبغي. ينظر: "حاشية ابن عابدين" (6/ 759، ط. دار الفكر).

وقد ورد النهي عن الإسراف في استعمال الماء في الوضوء بصفة خاصة؛ من ذلك: ما رواه الإمام أحمد في "مسنده" وابن ماجه في "سننه" عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرَّ بسعدٍ وهو يتوضَّأ، فقال: «مَا هَذَا السَّرَفُ يَا سَعْدُ؟!» قال: أفي الوضوء سرف؟! قال: «نَعَمْ، وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهَرٍ جَارٍ».

ومن ذلك أيضًا قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّهُ سَيَكُونُ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِى الطُّهُورِ وَالدُّعَاءِ» رواه أبو داود في "السنن".

وذكرت أن هذه النصوص وغيرها تقرِّر فضيلة الاقتصاد في استخدام الماء، وتؤكِّد على النهي عن السَّرَف في استعماله ولو في أمر العبادة ك الوضوء والغسل، وتبيِّن أنَّ الاعتداء في الطهور هو استعمال الماء فوق حدِّ الحاجة؛ قال العلامة ابن عابدين في "رد المحتار" (1/ 132، ط. دار الفكر-بيروت): [(قوله: والإسراف) أي بأن يستعمل منه فوق الحاجة الشرعية] اهـ.

ومن الفقهاء من أوضح أنَّ الإسراف في الوضوء هو مجاوزة الثلاث غسلات للعضو؛ قال العلامة الشوكاني في "نيل الأوطار" (1/ 218، ط. دار الحديث) -عند تعليقه على الحديث السابق-: [وفي الحديث دليل على أنَّ مجاوزة الثَّلاث الغسلات من الاعتداء في الطهور] اهـ.

وجملة هذه المعاني توضح معنى النهي عن الإسراف في الماء، أو الاعتداء في الطهور، وهو يتحقق بأحد أمرين:

الأول: الزيادة على غسل الأعضاء أكثر من ثلاث مرات دون موجب. والثاني: استعمال كمية من الماء أزيد ممَّا يكفي؛ حيث روى الشيخان في "صحيحهما" واللفظ لمسلم «أنَّه صلى الله عليه وآله وسلم كان يتوضَّأ بالمُدِّ، ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد»؛ والصاع كيل يسع أربعة أمداد، والمد عند الحنفية رطلان بالعراقي أي ما يساوي 812.5 جرامًا، وعند الجمهور رطل وثلث بالعراقي أي ما يعادل 510 جرامًا. ينظر: "المكاييل والموازين الشرعية" للأستاذ الدكتور علي جمعة (ص: 36، ط. القدس).

وبذلك يتجلَّى لنا بوضوحٍ تامٍّ أنَّه لا تعارض بين إسباغ الوضوء المأمور به شرعًا والمنصوص عليه في كثير من الأحاديث، وبين الإسراف في استعمال المياه المنهيِّ عنه شرعًا؛ لما ثبت من أنَّ إسباغ الوضوء لا يتأتَّى منه الإسراف في المياه، فقد يحسن المرء طهارته من غير إسراف ولا إفراط في استخدام المياه، وفي المقابل فقد يكثر المرء من استعمال المياه، ومع ذلك لا يحسن ولا يتم وضوءه وطهارته؛ وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتوضَّؤون فيسبغون الوضوء، ولا يسرفون في استعمال الماء، كما وجَّههم المعصوم صلى الله عليه وآله وسلم، وهم لنا قدوة وأسوة.

وممَّا يؤكِّد أيضًا على عدم التعارض أنَّ النصوص القاضية بإسباغ الوضوء هي بذاتها الناهية عن الإفراط والإسراف في استعمال الماء في الوضوء، وأنَّ الإسراف يتحقَّق عند مجاوزة الحدِّ المشروع للوضوء، وهو ما حدَّده الشرع الحنيف وسنَّه للوضوء، وباشره النبي صلى الله عليه وآله وسلم واقتدى به أصحابه رضوان الله عليهم، وسار عليه السلف الصالح من بعدهم؛ من الغسل ثلاثًا ثلاثًا، مع تعميم كل عضو بالماء، وعدم ترك شيءٍ منه لم يصبه الماء.

وبناءً على ما سبق: فإنَّ إسباغ الوضوء لا يعني الإسراف في استعمال الماء، ولا تعارض بينهما شرعًا، ولا يأمر الشارع الحكيم بما فيه تعارض أو تناقض.

وتنصح دار الإفتاء المصرية بالمحافظة على نعمة الماء، وترشيد الاستهلاك في استخدامه ولو لأمر العبادة، ك الوضوء والغُسْل؛ لما له من ضرورة حتمية في الحياة.

أضف تعليق

تدمير المجتمعات من الداخل

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
إعلان آراك 2