«أفاتار.. طريق الماء».. حرب أصدقاء البيئة

«أفاتار.. طريق الماء».. حرب أصدقاء البيئةمحمود عبد الشكور

الرأى10-1-2023 | 18:01

بالإضافة إلى الإبهار المتوقع، الذى يجمع بين البشر والكائنات المخلّقة فى كادر واحد ، فإن فيلم " أفاتار .. طريق الماء"، وهو الجزء الثانى من الفيلم الأشهر "أفاتار"، يحاول أن يتأمل أفكارا راهنة ملحة، من قلب عالمه الخيالي، ويجعل الحرب فى جوهرها دفاعا عن بيئة، تنسجم كائناتها مع محيطها، بينما يظل البشر الغزاة هم النشاذ فى تلك المعادلة.

على مدى ثلاث ساعات وثلث تقريبا، وبتكلفة إنتاجية تقدر بين 350 و400 مليون دولار، ومع فريق تقنى ضخم، من بينهم أربعة مونتيرين، يقدم جيمس كاميرون كمخرج وكمشارك فى القصة والسيناريو، هجائية عنيفة للغباء البشري، وللإنسان الأحمق لذى لم تعد أرضه صالحة، فجاء ليدمر عوالم أخرى، فيها كائنات مسالمة، أكثر وعيا وذكاء وفهما لأهمية البيئة، بما فيها تلك الكائنات البحرية العملاقة، التى يدور حولها الصراع.

فى "أفاتار" الجزء الأول، بدا كما لو أن كاميرون يستلهم تجربة الغزاة البيض فى اكتشاف العالم الجديد، وبدا سكان باندورا بهيئتهم وبساطتهم ولغتهم، أقرب ما يكونون إلى عالم الهنود الحمر، وكانت اللعبة البشرية فى اختراق هذا المجتمع بهيئة مختلفة ملتبسة، ولكن عالم باندورا استوعب المقاتل الأمريكى جيك سالي، وابتلعه فى داخله، ولذلك فشلت فكرة الغزو، كما فشلت فكرة محو السكان الأصليين، وصارت المعادلة اندماجا، بزواج جيك سالى من نيتيري، ابنة باندورا.

فى الجزء الجديد، يبدو سالى منتميا بشكل نهائى إلى باندورا، وقد أنجب توك وكيرى ونيتيام ولواك، بل إن هذه العائلة قد تبنت سبايدر البشري، وهو ابن الكولونيل مايلز قائد الغزو، ونرى سبايدر سعيدا باللعب مع أبناء عائلة سالى المهجنة، ولكن بعث مايلز من جديد، يجعل فكرة الغزو قائمة، وهذه المرة لاستهداف سالى شخصيا، الذى يقود المقاومة، والذى ينتصر على القادمين من السماء، وتكون تلك المواجهة عنوان الصراع الجديد، ولكن بعد خروج سالى وعائلته، ولجوء الجميع إلى أهل الجزر، وهنا ننتقل الى طريق الماء.

ترك البشر الأرض بعد أن اختل توازنها، حاولوا غزو باندورا، وهم الآن يقتحمون أيضا عالم الماء، الذى يقدمه الفيلم باعتباره البداية والنهاية، منه وإليه تعود كل الكائنات، وكأنه بديل الأرض المنكوبة، ولكننا نشاهد تحالفا بين قوات مايلز، وبين بعثة أرسلت لاصطياد التولكون، وهو كائن بحرى عملاق يشبه الحيتان، لمجرد الحصول على مادة منه، تقهر الشيخوخة، وتباع بملايين الدولارات، والتولكون كما يقدمه الفيلم كائنا ذكيا، وعاطفيا، وحساسا، يتفاهم معه لواك، ابن سالي، بالإشارة، ويصبح لواك صديقا له، ونعرف أن قصة نبذ أحد أفراد التولكون، لأنه خرج عن شريعة تلك الكائنات، فى تحريم العنف والقتال.

حتى كائنات البحر أكثر تحضرا ومسالمة، ولكن الفيلم يشرّع حرب الدفاع عن النفس، فى مواجهة من يقتلون كائنات البحر، ومن يريدون قتل سالي، البشرى الذى أسس لعائلة مهجنة، والذى جمع بين الحياة فى الغابة، والانتقال إلى عالم الماء.

لا مسالمة مع الغزاة، والتولكون يشارك بضراوة فى المعركة، وأهل الجزر المسالمون يجدون أنفسهم فى قلب الصراع، فلا يتراجعون، بيقدم سالى ونيتيرى ابنهما الأكبر نيتيام قربانا فى الحرب، ولد تيتيام فى الغابة، وهو الآن يدفن فى الماء.

تصبح الجزر وطنا بديلا جديدا لسالي، ولكنه الآن مع زوجته نيتيري، وأولاده كيرى ولواك وتوك، ومعهم سبايدر، الذى لم يعد يربطه شيء مع والده المخلّق مايلز، صحيح أن سبايدر أنقذ والده أخيرا، ولكنهما ظلا فى النهاية ينتميان إلى عالمين مختلفين.

العلاقة مع الآخر غزو وتفاهم واندماج تيمة محورية تربط بين الجزءين، وهناك دائما رغبة فى اختراع إنسان جديد غير ما نعرفه، العلم يخّلق بشرا من ذاكرة ذهب جسد صاحبها، ونشاهد معدات إلكترونية، وشاشات، وأجهزة ميكانيكية تساعد البشر على مضاعفة قوتهم، كما نشاهد سفينة علمية تقتل التولكون، وتدمر البيئة خارج الأرض أيضا، وتبحث فقط عن المكسب المادي، ولكن عقلية محو الآخر، والقتل والدمار لم تتغير، بينما يفترض الفيلم إنسانا جديدا ممثلا فى سالى وعائلته المهجنة، دون أن ننسى أن كائنات باندورا، وكائنات جزر البحر، فيهم ملامح شكلية من الهيئة الإنسانية، ولكنهم أكثر انسجاما مع عناصر البيئة، بل هم فى الحقيقة أجزاء منها، وأهل جزر البحر يعتبرون التولكون أخوة لهم، ولا يخوضون الحرب، إلا دفاعا عن تلك الكائنات.

يعود كاميرون إلى فكرته المحورية: التواصل لا المحو، اندماج الهويات لا تدميرها، الإنسان ليس وحده، ولكنه جزء من عالم كبير وواسع، والاختلال فى العالم سببه البشر، وليس الكائنات الأخرى.

يتخذ التعبير شكلا تبسيطيا خياليا، ولكنه يسقط الفكرة بالتأكيد على واقع الأرض الراهن، فحتى لو خرجنا من كوكب الأرض، بعد أن أفسدناه، سندمر بنفس الطريقة أى مكان جديد، فالمشكلة بالأساس فى عقلية مايلز، بينما تقدم عقلية سالى مشروعا بديلا للإنسانية.

فيما يتعلق بالفكرة الأمريكية، فإن الغزاة البيض قاموا فعليا بمحو آلاف من السكان الأصليين فى العالم الجديد، وبقيت سلالات قليلة، ولكن التاريخ يتحدث عن حالات تشبه قصة سالي، باندماج مقاتلين من البيض مع الهنود الحمر، والتزوج منهم، بل ومساعدتهم على مقاومة البيض فى الحروب والمعارك، و"أفاتار"
فى جزءيه الأول والثاني، يقدم انتصارين اعتباريين للسكان الأصليين على الشاشة، لم يتحققا فى الواقع، ثم يجعل الغزاة مسئولين أخلاقيا عن إفساد البيئة، والإصرار على هذا الإفساد.

ربما طالت بعض مشاهد عالم الماء رغم جمالها، وربما تراجع الصراع الأصلى أحيانا بين مايلز وسالى لصالح حكاية قصة نبذ التولكون، ولكنى أتفق تماما على أن " أفاتار .. طريق الماء" منح الجانب العاطفى مساحة قوية ومؤثرة، بدعم من موسيقى عظيمة لسيمون فرانجلين، كما جعل من الفرجة والإبهار عنوانا على انسجام وتوازن نحلم به مع الجمال ومع البيئة معا، ومنح الصراع بعدا أعمق، بإضافة الجانب الروحي، فالعقل يدمر، وروح الماء تنقذ وتستوعب وتحتضن.

لا شيء يموت، ولكنها الحياة تدافع عن نفسها، فى مواجهة غرور الإنسان، وجهله، وقوته الغاشمة، وجشعة المهلك.

أضف تعليق

وكلاء الخراب

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2