قطار الخير.. معاً نعبر الأزمات

تبقى الدول وتنهض ما دامت الشعوب لديها الرغبة فى الحياة؛ قد تتعثر، ولكنها لا تسقط؛ تتأثر بمحيطها، لكنها لا تنزلق إلى المستنقع .. إنها إرادة الشعوب التى يتحدد بها مستقبل أوطانهم.

فى شتاء القاهرة الحقيقى المشمس نهارًا البارد ليلًا، كان العالم الافتراضى الأزرق أكثر سخونة، فارتفعت درجة حرارته إلى أن أصابت الأجساد التى تعيش فيه بالهلوسة، ودخل صاحب الترند على الطريق، ليزيد من حدة الحالة.

أما الباحثون عن مزيد من المكاسب وملء الخزائن والبطون من الأزمات (تجار الأزمة) فكانوا أكثر دعمًا ولهثًا وراء تلك الأزمة يزيدونها اشتعالًا غير مبالين بضحايا ما يفعلونه من إثم كبير.

بعيدًا عن هذا المشهد وفى العالم الحقيقى وعلى أرض الواقع كان هناك من يتحرك ويبسط يده ليقدم ما يستطيع ويعمل ليلًا ونهارًا من أجل عبور تلك الأزمة بحثًا عن شيء واحد وهو «الخير» ليعم على الجميع ويدرك من يعيشون على تلك الأرض أنه بتكاتفنا جميعًا تحيا الشعوب وتبنى الأوطان.

كان هناك من يعملون من كافة الفئات والأعمار والمحافظات سعيًا لتخفيف حدة الأزمة على ضحاياها.

إنهم أصحاب «قطار الخير» التحالف الوطنى للعمل الأهلى التنموي، فبرؤية جديدة وموحدة، وبخطى ثابته باتجاه محاولة إنهاء حالة العوز لدى بعض الأسر، كان الهدف محدد، والتخطيط دقيق، وببركة العمل الجماعى والسير بعقيدة راسخة وإيمان بأن الخير لا يمكن أبدًا إلا أن يكون له أثر طيب على المجتمعات، كانت النتيجة بعد 9 أشهر فقط مبهرة.

وهو ما شاهدناه الأسبوع الماضى خلال المؤتمر الأول للتحالف الوطنى للعمل الأهلى التنموي.

ففى الوقت الذى أعلن فيه الرئيس عبدالفتاح السيسي عام 2022 عام المجتمع المدنى تم إصدار ميثاق التحالف الوطنى للعمل الأهلى فى 13 مارس من العام الماضي، ونص على عدة محاور مثَّلت أساس تدخلاتها الاستراتيجية التنموية، شملت هذه المحاور فى وجود الميثاق الأخلاقى الداعم للعمل التنموى القائم على مجموعة من القيم الحاكمة أبرزها الكفاءة والجودة وتشاركية العمل التنموى بين الاتحاد العام والجمعيات والمؤسسات الأهلية المنفِّذة لتحقيق النتائج المخططة، كما يعتبر ذلك الميثاق تأكيدًا للحقوق الدولية والعهد الدولى الخاص بالحقوق المدنية.

وبمشاركة وحضور 24 من كبرى مؤسسات العمل الأهلى والتنموى فى مصر، وممثلين عن مشروعات صحية قومية تعتمد فى تمويلها على دعم المجتمع المدنى تم بدء العمل باتجاه مختلف وعلى محاور متعددة، جاءت أحد أهم أولويات ذلك العمل، تعمل على تحويل الأسر من حالة العوز وطلب المساعدة إلى العمل والإنتاج وكسب لقمة العيش والمساعدة فى بناء الوطن.

كان ذلك عملًا بالحكمة الصينية: «لا تعطينى سمكة ولكن علمنى كيف أصطادها»، وكأحد أذرع المبادرة الرئاسية لتحقيق العدالة الاجتماعية «حياة كريمة» وتحت مظلتها كان التحالف الوطنى للعمل الأهلى التنموي.

قبل ذلك التاريخ كانت مؤسسات المجتمع المدنى تعمل بشكل منفرد ورغم حجم الأعمال والنجاحات التى حققتها بعض تلك المؤسسات، إلا أن الأثر على الأرض لم يكن واضحًا فى ظل عدم تبادل المعلومات والتنسيق وعدم توحيد الجهود، ففى الوقت الذى كانت فيه مناطق تنعم بالرعاية الكاملة، كانت هناك مناطق تعانى بشدة من عدم الوصول إليها.

ولأن العمل الأهلى من الركائز الأساسية فى الدول، وله دور محورى مهم فى بناء الوطن، كان لابد من الاستفادة من تلك القدرات لصالح المواطن.

على مدى سنوات طويلة كان العديد من المتخصصين ينادون بأهمية الاستفادة من العمل الأهلى فى ظل مساهمة ذلك القطاع لدى دول كبرى بمساحة ضخمة فى اقتصاداتها، ومنها الولايات المتحدة الأمريكية التى بلغ تقدير قيمة العمل التطوعى فيها بحجم الاقتصاد الكامل لدولة كاليونان بحسب دراسة أُعدت حول العمل التطوعى، فى العالم وشملت 24 دولة، بلغ حجم مساهمة العمل التطوعى بما يوازى 11 مليون وظيفة بدوام كامل.

ولقد كان للعمل الأهلى أثر كبير فى الدولة المصرية، والذى بدأ فى شكل منظم منذ عام 1879 وكانت أول جامعة مصرية جامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة حاليًا) عام 1908 من نتاج العمل الأهلي.

وتنامى حجم العمل الأهلى فى مصر حتى بلغ عدد الجمعيات الأهلية العاملة داخل مصر ومنظمات المجتمع المدنى أكثر من 37 ألف حتى عام 2011 ثم ارتفع هذا العدد ليقترب من أكثر من 52 ألف و500 جمعية أهلية بنهاية 2022، بعد تعديل القانون رقم 149 لسنة 2019 الخاص بالجمعيات الأهلية.

وظل البعض يطالب بضرورة تنظيم هذه الموارد ويطالب بضرورة الاستفادة منها لتصل إلى المستحقين بحيث تلعب دورًا إيجابيًا فى تغيير نمط حياتهم.

ليأتى التحالف الوطنى للعمل الأهلى التنموى ويقوم بهذا الدور من خلال مؤسساته الشريكة ويقدم ملحمة إنسانية خدمية متكاملة للمواطنين فى القرى الأكثر احتياجًا، ويلعب دورًا مهمًا فى مساندة جهود الحكومة لدعم الفئات المستهدفة من المواطنين والأكثر احتياجًا، والمتمثلة فى تقديم الدعم العينى فى صورة المساعدات الاجتماعية المختلفة للأيتام والأرامل والمقبلات على الزواج ومشروعات التمكين الاقتصادي.

ويطلق التحالف عدة مبادرات لتقديم الدعم للفئات الأولى بالرعاية والأكثر استحقاقًا، حيث تعددت جهود التحالف لتشمل تقديم الدعم النقدى والدعم الغذائى والإمداد بالمستلزمات الدراسية؛ وكان من بين القوافل التى نظمها التحالف قوافل «ستر وعافية» التى بلغت 16 قافلة خلال الأشهر الثلاث الأخيرة من العام الماضي، ومبادرة «ازرع» والتى استهدفت تنمية قدرات المواطن وتطوير إمكانياته وفق رؤية استراتيجية استهدفت المحاصيل الاستراتيجية للدولة وزيادة المساحة المحصولية المنزرعة من تلك المحاصيل مع الحرص على زيادة الإنتاجية، مما يعود على المواطن بعائد مادى إيجابى يحسِّن من مستوى معيشة الأسر.

أضف إلى ما سبق القوافل الصحية التى وفرت الرعاية الصحية لأكثر من 5 ملايين مواطن خلال 9 أشهر منذ إطلاق التحالف الذى بلغ عدد الشركاء فيه 30 مؤسسة وجمعية أهلية من شركاء النجاح.

ليصبح التحالف شريكًا مؤثرًا فى رؤية الدولة وخطتها نحو تحسين جودة الحياة للمواطن.

لقد أسعدنى كثيرًا عرض الدكتورة نهى طلعت عبد القوى أمين سر التحالف الوطنى للعمل الأهلى خلال المؤتمر الأول، فالترتيب للعمل والأرقام التى عرضت حول حجم الأعمال خلال الأشهر التسعة الماضية وخلال أزمة هى من أشد الأزمات الاقتصادية يؤكد أن التعاون والتشارك والعمل المتواصل والمخطط باحترافية تكون نتائجه مبهرة، فدائمًا ما نقول أن الأرقام لا تكذب ولا تتجمل، وهو الواقع الذى شاهدناه خلال ما تم إنجازه فى القطاع الصحى والرعاية الاجتماعية والدعم الغذائى والتمكين الاقتصادى وحقوق الإنسان.

إنه أكبر تحول حقيقى فى العمل الأهلي، فقد قام التحالف نهاية الأسبوع الماضى ومن خلال مؤسسة صناع الخير للتنمية وفى مجال التمكين الاقتصادى للمرأة الريفية المعيلة بافتتاح خطوط إنتاج جديدة لمركز استدامة لصناعة السجاد اليدوى بالفيوم لتوفير فرص عمل أكبر للسيدات المعيلات بمركز يوسف الصديق بالفيوم وفتح فرص لإنتاج سجاد يدوى عالى الجودة ينافس بقوة فى الأسواق العالمية.

أما مبادرة «ازرع» والتى انطلقت منذ 3 أشهر وساعدت أكثر من 100 ألف مزارع استهدفت جودة الإنتاج وزيادة المحصول وتستهدف فى هذا العام نصف مليون مزارع على مستوى الجمهورية وفق محددات وضعتها المبادرة للمساهمة فى سد الفجوة الاستيرادية من المحاصيل الاستراتيجية.

لقد استطاع التحالف الوطنى للعمل الأهلى توفير 139 ألف و500 فرصة عمل وخدمة
5 ملايين أسرة و400 ألف معاش منتظم.

كما تم توفير التغذية الموسمية لحوالى 25 مليون مواطن خلال الفترة الماضية (تسعة أشهر)، كما أطلق التحالف عدد من المشروعات منها مزارع وفرة للإنتاج الحيواني، ذراع الخير لإنتاج الألبان واللحوم للمحتاجين.

لقد استهدف التحالف فى 2023 أن يصل حجم الإنفاق إلى 14 مليار جنيه وتم وضع ملف العمل والتمكين الاقتصادى فى مقدمة الأولويات لإخراج المواطنين من دائرة الفقر بشكل نهائي، حيث سيتم تمويل 50 ألف مشروع جديد وهناك 30 ألف مشروع آخر متناهى الصغر قائم بالفعل وسيعمل التحالف على دعمهم لتطوير تلك المشروعات وتوفير 15 ألف فرصة عمل.

لقد استطاع التحالف أن يستفيد من قدرات 251 ألف متطوع ساهمت فى توفير 256 مليون جنيه، كما يستهدف التحالف توفير التغذية المستدامة لحوالى 1.5 مليون مواطن خلال 2023.

لقد وضع التحالف الوطنى للعمل الأهلى التنموى هدفًا استراتيجيًا له وهو إخراج أكبر عدد من المواطنين من دائرة الفقر بشكل كامل.

لقد كانت التجارب التى عرضت خلال المؤتمر بمثابة مصابيح يهتدى بها فى طريق تنمية الأسر الأكثر احتياجًا، ونماذج على نجاح التحالف فى نقل الأسر من العوز إلى القدرة.

فقد كانت تجربة التمكين الاقتصادى للسيدة، رضا رجب حسن، إحدى المواطنات بمركز ببا، بمحافظة بنى سويف، جديرة بالتوقف عندها فقد استطاعت أن تستفيد من دعم التحالف لمشروعها وتوسعة المشروع بما يجعله أكثر قدرة على تحقيق الوفرة لكل المشاركين به.

وكذا تلك السيدة الرائعة، ماجدة عزت بهجت، المقيمة فى مركز أبو قرقاص بقنا والتى استفادت من مبادرة «ازرع» وساهمت فى زيادة إنتاج محصول الفول الصويا، أحد المحاصيل الاستراتيجية فى تصنيع الأعلاف.

إنها نماذج ملهمة، فى مسار مشروع التحالف الوطنى للعمل الأهلى التنموي.

لقد أثبت التحالف أن إدارة الموارد بشكل صحيح يمكن أن يحقق نتائج أكثر قوة وتأثير فى بناء الوطن، ويرسخ قيم الولاء والانتماء لدى المواطن ويعبر الوطن بالتكاتف بين الحكومة والعمل الأهلى الصعاب ويواجه التحديات، وهو ما جاء واضحًا خلال عرض مشروع إحلال الثروة الحيوانية الذى تستهدفه الحكومة وعملت عليه الجمعيات الأهلية، وكذا مشروع التنمية الزراعية لتوفير المحاصيل الاستراتيجية، وما وجه إليه الرئيس بإمكانية أن ينضم لمبادرة «ازرع» تطوير زراعة قصب السكر.

إن ما شهدناه فى المؤتمر الأول للتحالف الوطنى للعمل الأهلى التنموى يؤكد أن إدارة الدول لملفاتها المختلفة ومواردها بشكل صحيح يجعلها أكثر قدرة على الوصول إلى الهدف (بناء الإنسان) وهو ما تعمل عليه الدولة المصرية.

شابيلا

تابعت الفيلم الوثائقى «شابيلا» الذى يعد باكورة إنتاج الوثائقيات لقناة القاهرة الإخبارية، كشف الفيلم أزمة النازحين الصوماليين ليضع العالم أمام مسؤولياته، فما بين آثار أزمات التغيرات المناخية والتنظيمات الإرهابية، ظهرت أزمة النازحين.

الفيلم يعد بمثابة تحقيق استقصائى متميز وعمل مهنى يدق جرس إنذار للجميع.

كان اختيار الصومال موفقًا، فشكرًا لكل الزملاء القائمين على هذا العمل الوثائقى الضخم، شكرًا للزميل أحمد الطاهري، رئيس القنوات الإخبارية بالشركة المتحدة، والدكتور محمد سعيد محفوظ الذى قام بمهمة صحفية كشفت حجم المعاناة التى يواجهها النازحون من جحيم الأزمات.

أضف تعليق

حكايات لم تنشر من سيناء

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2