د. محمود ضياء* يكتب: العلاقات العربية الأفريقية.. مصير مشترك

د. محمود ضياء* يكتب: العلاقات العربية الأفريقية.. مصير مشتركد. محمود ضياء* يكتب: العلاقات العربية الأفريقية.. مصير مشترك

*سلايد رئيسى29-3-2018 | 16:59

تتسم العلاقات العربية الأفريقية بالعمق والامتداد التاريخى، فمن قبل ظهور الإسلام وحتى الآن توجد علاقات وثيقة فى كافة المجالات، فقد ساهم ظهور الإسلام فى إحداث نقلة نوعية فى تاريخ العلاقات الثقافية بين العرب والأفارقة ، وصولاً إلى دعم كل منهما الآخر للتخلص من الاستعمار والحصول على الاستقلال، مروراً بالجهود الحالية لتحقيق التنمية المستدامة بكافة الدول من الجانبين.

ومن أبرز الفترات التى شهدت جهودًا عربية أفريقية نحو توثيق وتعزيز العلاقات هى فترة السبعينيات من القرن الماضى حيث شهدت قطع "29" دولة علاقاتها مع إسرائيل إبان حرب أكتوبر 1973، وإشادة مؤتمر القمة العربية فى الجزائر عام 1973 بموقف الدول الأفريقية وإصدار توصيات بتنمية وتطوير التعاون العربى الأفريقى، ربط الدول الأفريقية بين حركات التحرر الأفريقية وحركة التحرير الفلسطينية واعتبار القضية الفلسطينية قضية عربية أفريقية.

ومنذ نهاية السبعينيات وحتى الآن شابت العلاقات حالة من انعدام الثقة واقتصرت العلاقات على الجوانب الثنائية واقتصر العمل الجماعى على الشق البروتوكولى والمراسمى فى الاجتماعات والقمم العربية / الأفريقية القليلة التى عقدت والتى لا تتجاوز قراراتها وتوصياتها الأحبار التى كتبت بها.

وبالرغم من محدودية العلاقات الأفريقية العربية فإنه ما زالت هناك فرص مواتية لتنميتها وتطويرها فى ظل وجود بنية أساسية لمؤسسات التعاون المشترك التى تضم دولاً من المجموعتين العربية والأفريقية، ومن هذا المنطلق سنقوم بتناول الإشكاليات التى تعوق الارتقاء بالتعاون العربى الأفريقى، وصولاً لرؤى إستراتيجية لتعزيز التعاون بين الجانبين.

وبدءًا بالإشكاليات التى تعرقل تعزيز التعاون العربى الأفريقى نجد أن أبرزها يتمثل فى الرواسب التاريخية لدى الدول الأفريقية على خلفية تجارة الرقيق العربية والترويج لأفريقيا السمراء وأفريقيا البيضاء التى غزاها الاستعمار خلال الحقب الماضية والتى صنفت أفريقيا إلى أفريقيا شمال الصحراء وهى أفريقيا العربية والتى تتمتع بأغلبية مسلمة ، وأفريقيا جنوب الصحراء وهى للزنوج والوثنيين والمسيحيين.

وهناك أيضاً قضايا المياه والتى قد تفرز صراعات ارتباطاً بأن أغلب الأقطار العربية لا تملك السيطرة الكاملة على منابع مياهها، فإثيوبيا وتركيا وغينيا وإيران والسنغال وكينيا وأوغندا والكونغو الديمقراطية هى بلدان تتحكم بحوالى 60٪ من منابع الموارد المائية للوطن العربى، وسعى بعض الدول لإقناع المجتمع الدولـى بتسعير المياه.

وتمثّل المشاكل الحدودية أحد مصادر التوتّر الرئيسية بين الجانبين، فهناك العديد من المشكلات الحدودية مثل مشكلة الحدود السنغالية / الموريتانية حول منطقة نهر السنغال، ومشكلة إقليم "إيلمى" بين كينيا والسودان، وحلايب وشلاتين بين مصر والسودان، وإقليم "إنفدى" بين كينيا والصومال، وإقليم "الأوجادين" بين إثيوبيا والصومال، ومنطقتى الفشقات الصغرى والكبرى بين السودان وإثيوبيا، وغيرها من النزاعات الحدودية، علاوة على التدخلات الأجنبية فى الشأن الداخلى للعديد من الدول العربية والأفريقية وتوجيهها لسياساتها والتى لا تتوافق مع المصالح العربية الأفريقية وتعرض الأمن القومى العربى للخطر.

ومعظم القوى الأجنبية سواء الإقليمية أو الدولية تسعى لإثارة القضايا الخلافية بين العرب والأفارقة على غرار إلصاق الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبى قضايا الإرهاب ، والتى تنسب لجماعات الإسلام السياسى، والقول بإنه يتواجد معظمها بالعديد من الدول الأفريقية غير العربية، مثل "الصومال، كينيا، نيجيريا".

وهناك مشاكل اللاجئين والنازحين حيث تعد القارة الأفريقية أكثر مناطق العالم معاناة من هذه المشكلة، الأمر الذى يفرز العديد من التداعيات السلبية على الأمن والاستقرار بالدول التى تستضيف اللاجئين، وانعكاساتها السلبية على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية فيها.

كذا تواجد العديد من الحركات والجماعات والعرقيات المطالبة بالانفصال على غرار انفصال جمهورية جنوب السودان والذى حظى بتأييد عدد من دول الجوار الأفريقى وكذا من قوى إقليمية ودولية غير عربية، ومساعى أكراد العراق الأخيرة للانفصال.

أضف إلى ذلك غياب وجود آلية فاعلة للتنسيق العربى الأفريقى والذى يعكس عدم وجود رؤية عربية موحدة تجاه القضايا الأفريقية، وتورط بعض الدول العربية فى الصراعات الأفريقية، والتداعيات السلبية للخلافات العربية العربية، غياب التنسيق الإعلامى العربى الأفريقى، ما يعكس انكفاء إعلام معظم الدول الأفريقية على المشاكل الداخلية وغياب البعد الإقليمى فى رؤيتها.

بالرغم من الإشكاليات السابق الإشارة إليها فإن هناك العديد من الفرص لتعزيز التعاون بين الدول العربية والأفريقية يتمثل أبرزها فى الآتى:

ضرورة توسع الحكومات العربية فى التمثيل الدبلوماسى ليغطى كافة الدول الأفريقية.

تغيير الصورة الذهنية لدى المواطن الأفريقى عن العالم العربى من خلال إنتاج أعمال فنية مشتركة تؤكد على أهمية التعاون المشترك ونبذ العنف والإرهاب.

زيادة عملية تبادل الزيارات على المستويين الرسمى والشعبى وخاصة فى قطاعات الشباب.

تأسيس حوار إستراتيجى عربى / أفريقى يقوم على أسس إقامة شراكة عربية أفريقية حقيقية قوامها المصالح الإستراتيجية المشتركة بهدف تحقيق نهضة حضارية بدول الجانبين.

أهمية تسوية كافة القضايا النزاعية والصراعية بين الطرفين، والتوسع فى تنفيذ المشروعات والإستثمارات المشتركة كبديل عن المنح والهبات وبما يربط الجانبين بمصالح مشتركة.

تنشيط عملية التبادل التجارى، وإقامة مناطق نقدية إقليمية أو دون إقليمية بعيداً عن مراكز السيطرة النقدية الدولية، والتعظيم من دور المؤسسات المالية القائمة، مثل بنك التنمية الإفريقى، والمصرف العربى للتنمية الإقتصادية فى أفريقيا، وخلافه.

وضع إستراتيجيات لتحقيق التكامل بين الإنتاج الزراعى والصناعات القائمة عليها، دراسة إمكانية إنشاء منطقة تجارة تفضيلية إرتباطاً بمساهمتها فى تحقيق قدر أكبر من التعاون والتكامل، زيادة أعداد الطلبة الأفارقة بالجامعات والمعاهد العربية، وإيفاد الخبراء والفنيين للدول الإفريقية.

وأن يحدث هذا بالتوازى مع التعظيم من دور المؤسسات الدينية المعتدلة والتى تقوم بنشر تعاليم الدين الإسلامى الوسطى الصحيح مثل الأزهر الشريف لمواجهة الفجوات التى يحدثها نشر الأفكار المتطرفة من الجماعات الإرهابية.

ضرورة تدعيم أوجه التعاون بين جامعة الدول العربية والإتحاد الأفريقى فى كافة المجالات الأمر الذى يساهم فى توحيد الرؤى تجاه القضايا المصيرية المشتركة.

إدخال مقررات عربية فى الجامعات الأفريقية والعكس بالعكس.

توثيق التعاون بين مؤسسات المجتمع المدنى بالجانبين، تشجيع البحث العلمى حول العلاقات العربية الأفريقية وسبل تطويرها ومكافأة الأبحاث المتميزة والتى تأتى بأفكار قابلة للتطبيق.

تنظيم الملتقيات والمهرجانات الثقافية والفنية والفلكلورية والتراثية، تنسيق وتعزيز التعاون بين التجمعات العربية والأفريقية مثل "الكوميسا، الإيكواس، السادك، البرلمان الأفريقى، مجلس التعاون لدول الخليج العرب، إتحاد المغرب العربى".

ضرورة تبادل المعلومات والتنسيق الأمنى والإستخباراتى خاصة فى مجال مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية والإتجار بالبشر.

وأخيراً أؤكد أنه إذا توفرت الإرادة السياسية للدول العربية والأفريقية والمنظمات الإقليمية الممثلة للجانبين والمتمثلة فى جامعة الدول العربية والإتحاد الأفريقى وإدراكهم الحقيقى أن المصير مشترك، وقناعتهم بضرورة توحيد الجهود، حتماً سيؤدى ذلك إلى ترسيخ علاقات التعاون بين الجانبين العربى والأفريقى، وهو ما يزيد من قدرتهم على مواجهات التحديات والتهديدات وإدارة الأزمات بصورة ناجحة.

* الكاتب:

- استشارى الدفاع والأمن القومى

- زميل أكاديمية ناصر العسكرية العليا .

أضف تعليق

تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2