«نبيل الجميل».. والكوميديا أيضًا باظت!

«نبيل الجميل»..  والكوميديا أيضًا باظت!محمود عبد الشكور

الرأى17-1-2023 | 19:59

قبل أن ينصرم عام 2022، أتحفنا محمد هنيدي بآخر أفلام هذا العام وعنوانه " نبيل الجميل أخصائي تجميل" من إخراج خالد مرعي، والفيلم عن فكرة لهنيدي، وسيناريو وحوار أمين جمال ومحمد محرز، وموضوعه عالم جراحات التجميل، وأحوال الأطباء، فمنهم من يتقنون عملهم، ومنهم من يعتمدون على البروباجاندا والإيهام، وباستثناء بعض الإيفيهات الظريفة المتباعدة، فإن الفيلم بشكل عام حافل بالمشكلات والثغرات، التي تشهد على ضعف حرفة الكوميديا والدراما عمومًا.

وإذا كان أشهر إيفيهات الفيلم يردده هنيدى عندما يجد شفاه حبيبته قد انتفخت فجأة بسبب دواء تجميل خاطئ، فيهتف على طريقة نهاية فيلم "شيء من الخوف" قائلاً: "شفّة مراتى باظت"، فإننا يمكن أن نهتف بعد المشاهدة قائلين على نفس الوزن: "والكتابة الكوميدية أيضًا باظت".

ورغم أن الفيلم من إخراج خالد مرعي، وهو مونتير سابق مميز، واشترك مع خالد سليم فى مونتاج فيلم "نبيل الجميل"، إلا أن مرعى لم يستطع أن ينقذ الفيلم من الحوارات والمشاهد الطويلة، ولا من الاستطرادات، ولا من الطابع المسلسلاتى فى السرد، وكلها عناصر أفسدت بناء الفيلم وإيقاعه، بالإضافة إلى المشكلة الكبرى، فى الانتقالات والتحولات التى لا تتفق مع منطق الفيلم، والتى تؤكد أن صنّاعه اعتقدوا أن الإيفيهات وأهمية القضية التى يتناولوها الفيلم وحضور هنيدى وزملائه، كل ذلك لا يكفى لصناعة فيلم جيد ومميز.

لو شاهدت أفلام الأبيض والأسود المصرية الكوميدية المرحة والبسيطة، ستجد حضورا لنجوم الكوميديا من الريحانى وإسماعيل ياسين إلى فؤاد المهندس، وستجد إيفيهات جميلة عاشت وستعيش، لكن ستجد أيضًا شغل أسطوات الكتابة مثل بديع خيرى وعلى الزرقانى وأبو السعود الإبياري، وستجد حضورًا لبصمات المخرجين الكبار مثل فطين عبد الوهاب ونيازى مصطفى، وكل هؤلاء فى خدمة بناء درامى متماسك، يناسب الشخصيات ومحيطها وتفاصيل حياتها.

أما فى " نبيل الجميل أخصائى التجميل"، فإن البداية الجيدة مع عناوين الفيلم، سرعان ما ستؤدى إلى أحداث عجيبة وغريبة، فبعد أن نسمع صوت السارد نبيل (محمد هنيدي)، وهو يحكى عن والده الترزى الذى توفى وتركه هو وشقيقته زينب (رحمة أحمد)، ثم يحكى نبيل عن زميلته د علياء ( نور)، التى تحبه، والتى جعلت والدها يوظفه فى مستشفاه الخاص، بالإضافة إلى عمل نبيل فى مستشفى حكومى عام.

نتفاءل خيرًا بهذا السرد المكثف، وبتلك الانتقالات السريعة، ونتوهم أن الفيلم يتفهم خصوصية الكوميديا فى السينما، وضرورة ضبط إيقاع المشهد، إلا أن السرد يتدفق بعد ذلك فى اتجاه حوارات مسلسلاتية ومسرحية طويلة، وفى اتجاه صراع مفتعل بين نبيل، وبين حازم شديد (أحمد فؤاد سليم) صاحب المستشفى الاستثماري، ووالد الدكتورة علياء، وسنشاهد قبل ذلك حكاية نبيل مع الشاب محسن (محمد سلام)، الذى يريد أن يتزوج شقيقة نبيل، ونشاهد بالمرة مغامرات نبيل فى المستشفى الحكومى مع المجرم سامبو (محمود حافظ)، الذى يعالج دوما من معاركه مع البلطجية.

يتوه الصراع المحورى قليلاً، وعندما نعود إليه نكتشف أنه لا يقوم على أساس من تفصيلات الدراما أو الشخصية: نبيل مثلا يبدو وكأنه مدير المستشفى، وهو يأمر بفتح حجرة العمليات، ويعالج من يشاء، ويفبرك الفيلم سقوط منطاد فوق المستشفى، لمجرد أن تتاح الفرصة لنبيل لعلاج شخصية إفريقية كبيرة، وستقوم هذه الشخصية الإفريقية بمنح نبيل ثروة فيما بعد لكى يفتح مركزا طبيا!

فبركة إثر فبركة، حيث يكتشف نبيل فجأة أنه يمكن أن يحوّل شقته إلى عيادة، ثم يصبح فجأة وبأموال المسئول الإفريقي، صاحب مركز تجميل ضخم يكتسح السوق، وتظهر مبالغات فى كل الاتجاهات لحكاية يراد لها أن تنتقد أوضاعا واقعية فى مجال جراحات التجميل، مع اضطراب كامل فى السرد والإيقاع عموما، وتكدس لشخصيات غريبة فى كل اتجاه، يحاول الفيلم تجميعها فى النهاية، ولكن بعد أن تأخذ كل شخصية خطا بمفردها، مثل حكاية المعلم إتاوة (محمد رضوان)، الذى أفسد نبيل وجه ابنته، بدلا من أن يعالجه من حروق شديدة، لأنه أجرى العملية بدون أجهزة المستشفى المتقدمة!

وإذا كان الفيلم يدين سلوك حازم شديد الاستثمارى والانتهازي، ويجعل من نبيل القدوة فى الضمير والتعاطف مع الفقراء، فإن زواج نبيل من ابنة حازم، يجعل القصة ملتوتة، ويصنع تصالحا عجيبا وساذجا، رغم مكائد حازم المتكررة ضد نبيل، ورغم نظرية حازم الاستثمارية، التى يرفضها نبيل منذ بداية الأحداث.

يضاف إلى ذلك خطورة التلاعب بمظهر الشخصيات عندما تفشل عملية التجميل، فبينما بدت بعض الوجوه بشعة ومؤذية، وكأننا فى فيلم رعب تتناثر فيه الدماء، ظهرت وجوه أخرى بشكل كاريكاتورى ظريف، فليست هناك خطة واحدة للتعامل مع تفاصيل صورة الممثلين، كما تذبذبت المشاهد بين الظرف والسذاجة والمبالغة، مع الإلحاح طوال الوقت على عبقرية نبيل الخارقة كطبيب لا نظير له، وإن كانت تصرفاته عشوائية ولا تتناسب دوما مع مركزه، أو مع المواقف التى يتعامل معها.

هنيدى كممثل يقدم هنا أداءً هادئا وأكثر ثقة وأقل صخبا، لكن الصخب حاضر أيضًا مع أداء ومبالغات محمد سلام ورحمة أحمد و محمد رضوان ومحمود حافظ، هناك دائما شيء يذكرك فى الأفلام الكوميدية الجديدة، بالأداء على خشبة المسرح، انتظارا لضحك وتصفيق الجمهور، وهى بالطبع مسئولية المخرج، الذى كان يجب أن يتدخل بالحذف فى كثير من المشاهد الحوارية، لكننا نقدر طبعا أنه فيلم هنيدى بطل الحكاية، وأمهر جراح تجميل فى الشرق، وصاحب الفكرة، والذى يريد أن يضع قضية فى فيلمه، ولا يهم بعد ذلك أن تكون هناك دراما جيدة.

بهذه الصيغة المتكررة فى الفيلم الكوميدى المصري، وليس فى فيلم هنيدى فقط، لن تمكث فى الذاكرة إلا بعض الإيفيهات، بينما نتذكر أفلام الأبيض والأسود بتماتمها، لأن صنعة البناء الكوميدى هى الأساس، الذى يحمل النجم والإيفيهات.

سيبقى إذن فيلم " نبيل الجميل أخصائى تجميل" باعتباره فقط إيفيه: "شفة مراتى باظت"، ليردد الجمهور خلف هنيدى "باظت.. باظت".

يضحكنا حقًا أنها باظت، ويضحكنا الإيفيه، لكن كنا سنسعد أكثر لو أن الفيلم ترك الكتابة الكوميدية سليمة.

أضف تعليق

حكايات لم تنشر من سيناء (2)

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2