كيف خطط صلاح دياب لتقويض «الأهرام» بـ «المصرى اليوم».. الإعلام البديل

كيف خطط صلاح دياب لتقويض «الأهرام» بـ «المصرى اليوم».. الإعلام البديلكيف خطط صلاح دياب لتقويض «الأهرام» بـ «المصرى اليوم».. الإعلام البديل

* عاجل17-4-2018 | 16:58

القصة وما فيها عند أول رئيس تحرير لجورنال "المصرى اليوم" قرأتها قبل 9 سنوات واحتفظ بها فى أرشيفى.

تأسست "المصرى اليوم" خلال عام 2004 ، وصدر العدد الأول منها يحمل فى ترويسته اسم أنور الهوارى رئيسا للتحرير، وربما لم يعرف بعض ممن سيقرأ الكلام الآتى هذه المعلومة، وبعض من الذين عرفوها ربما نسوها، لذلك نعرِّفها للأولين، ونذكّر بها الأخيرين، وقد لا تعنى المعلومة الشىء الكثير فى حد ذاتها، لكن ما قاله أنور الهوارى بعد أن ترك الجريدة ، عن أصحابها وتوجهاتهم، نحو الإعلام البديل، هو هذا الذى يجب أن نتوقف عنده ونعيد قراءته ودرسه، لأنه سوف يكشف لنا بوضوح ما يحدث الآن.. فهذا هو التاريخ المرضى لـ "المصرى اليوم" وأصحابها، لأن ما يحدث الآن ليس "خناقة" بين السلطات وصلاح دياب ، وبالطبع ليست معركة على هوامش الحرية ولا مُتونها، ولا الديموقراطية وأدواتها، كما تحاول جريدة دياب ، ورجال دياب تصويرها، فالحرية لن تدخل مصر على دبابة أمريكية، دبابة مجنزرة، أو دبابة إعلامية، توجهها دبابة فكر "ثنك تانك" كما يسمُّونها فى أروقة الـ "سى أى إيه" وإدارة الخارجية الأمريكية.

المجد للأرشيف الصحفى الذى يسجل علينا نحن الصحفيين والكتاب ما نكتبه وننشره فى صحفنا، فيأتى هذا وثيقة وشاهد علينا لا نستطيع أن ننكره ، لذلك لن أطيل عليكم، لأترك مساحة كافية لما خطته يمين أنور الهوارى قبل ما يقرب من 9 سنوات، عن "الإعلام البديل.. التوجهات والتمويل" وهذا عنوان المقال الذى نشره فى صحيفة "المصريون" وموقع "محيط" الأليكتروني بتاريخ 17- 3- 2009 ، وفى هذا التاريخ وحوله كانت مصر حبلى بالغضب، وهناك من وسائل الإعلام - وعلى رأسها صحيفة "المصرى اليوم" - ما تنفخ النار فى الناس، ليس للخروج على النظام القائم وإزاحته فقط ، ولكن لدفعهم نحو التغيير.. السياسى والاجتماعى والعقيدى، وهذا أخطر ما فى الموضوع .. وأرجو أن تصبروا على فهمه لأن الفهم هو ما سوف يحدد مصير هذا البلد الآن وفى المستقبل.

كتب أنور الهوارى بعد أن ترك رئاسة تحرير المصرى اليوم بحوالى 5 سنوات الآتى :

"في مارس ‏2009,‏ بدأ الإعلام البديل كأنه طوفان يزحف نحو مؤسسات الإعلام القومي‏,‏ وكانت البداية في كبرى مؤسساته وأكثرها التصاقا بالدولة وتعبيرا عنها وأكثرها تمثيلا لقوة الدولة المصرية وهيبتها نعم ‏:‏ في هذه اللحظة‏,‏ انتقل الإعلام البديل إلى مرحلة جديدة من مراحل تطوره‏,‏ مرحلة أحس فيها بشيء من القوة والزهو‏,‏ فأراد أن يجري بروفات ومناورات ميدانية لاختبار قوة الإعلام القومي ومعه قوة الدولة نفسها‏.‏

الإعلام البديل وتوجهاته وتمويله قصة طويلة ومعقدة من فصول الصراع السياسي في مصر وعلي مصر‏، وهو في ظاهره لايعدو أن يكون أموالا  سقطت بطرق غامضة في أيد معينة ذهبت تؤسس صحفًا وقنوات تليفزيونية ‏,‏ بتراخيص مصرية‏,‏ وعمالة مصرية‏,‏ وأسماء مصرية‏,‏ هذه الأيدي قد تدرك خطورة التوجهات التي يفرضها التمويل‏,‏ وقد لاتدركها وربما تدرك بعضها وتجهل أكثرها‏.‏

*‏دعونا نقترب من الصورة أكثر‏,‏ دعونا نرفع جزئيا الستائر عن الاجتماعين التاليين‏:‏

الاجتماع الأول‏:‏ في شتاء ‏2004,‏ في غرفة مغلقة‏,‏ رجل أعمال وصاحب صحيفة خاصة ‏(‏ إعلام بديل‏)‏ يتحدث إلى مستمعيه‏:‏

رأيت فيما يري النائم‏,‏ أنني أحتسي كأسا من خمر‏,‏ ومعي‏ (‏ فلان‏)‏ رئيس مؤسسة قومية كبري‏ (‏ إعلام قومي‏)‏ وكان يشرب كوبا من ماء‏....

وكان المفسرون جاهزين‏:‏ الإشارة واضحة سعادتك‏,‏ مفهومة سيادتك‏,‏ بشارة خير يافندم‏,‏ واضحة مثل الشمس‏.‏

الاجتماع الثاني‏:‏ خريف‏2005,‏ في مكتب رجل أعمال‏,‏ صاحب صحيفة خاصة أخري‏..‏

لم يكن الكلام عن رؤى وأحلام‏,‏ ولم يكن تفسيرا مبهما ولا إشارة غامضة‏,‏ كان الكلام صريح العبارة واضح الإشارة

صحيفتنا هي البديل عن الأهرام‏:‏

ولكن هذا صعب سيادتك‏.‏

لماذا صعب؟

نحتاج إمكانات مالية مرعبة ,‏ ونحتاج إمكانات صحفية هائلة

حاليا لاتوجد مشكلة‏,‏ وصحفيا سوف نجتذب كل المواهب الصحفية التي في الأهرام‏.‏

ياافندم هذا ممكن فقط بالنسبة لبعض الأجيال الشابة والوسيطة‏.‏

بل والكبار قبلهم‏,‏ سوف نستكتب ونتعاقد مع فلان وفلان وفلان وفلان‏,‏ وذكر أسماء كل كتاب الأهرام‏,‏ مع التشديد على كاتبين كبيرين بالذات

يافندم اسمح لي سعادتك‏:‏ هذا مستحيل هؤلاء الذين ذكرتهم من كتاب الأهرام‏,‏ ارتبطوا بها كل عمرهم‏,‏ وهي عندهم جنسية ودين ووطن وأم وأب وماض وحاضر ومستقبل واسم وسمعة ومكانة أدبية وعادة‏,‏ صعب سيادتك صعب جدا كمان‏.‏

سوف أعرض عليهم عروضا مالية لن يستطيعوا أن يرفضوها‏,‏ وسوف أشترط عليهم ألا يكتبوا حرفا إلا عندنا وسوف يقبلون‏.‏

*‏الزحف علي الدولة الوطنية‏,‏ يبدأ بتقويض الإعلام القومي‏,‏ وضرب الإعلام القومي يبدأ بالسطو على الأهرام‏,‏ وسرقة الأهرام تبدأ بتفريغها من ثروتها البشرية ومواهبها الصحفية والإدارية والإعلانية‏.‏

وإذا استيقظت الأهرام ودافعت عن وجودها وثروتها وكنوزها وأبنائها تدخل الإعلام البديل ليخلق الفتنة‏,‏ ويوسع الفجوة‏,‏ ويصنع الاضطراب‏,‏ ويغذي الأزمة‏,‏ ويشق صف الأهرام‏,‏ ويشعل النزاع بين إدارتها وأبنائها‏,‏ وبين محرريها وعمالها حتي يضطرب دولاب العمل فيها‏,‏ وحتى تتأثر صورتها لدى قرائها‏,‏ وحتي يمكن النيل من هيبتها ووقارها‏...‏ وليكن هذا هو أول الطريق‏...‏

ورغم مابين بارونات الإعلام البديل من حزازات في الأنفس‏,‏ ومنافسات في السوق‏,‏ فإن وحدة التمويل ووحدة التوجهات تجمعهم كأصحاب منشأ موحد وكأصحاب مهمة مشتركة‏.‏

وجاءت أحداث الأسبوع الأول من مارس في الأهرام لتؤكد هذه الحقيقة‏ ،‏ فقد احتشد الإعلام البديل ينشر التغطيات‏,‏ وينشر المقالات‏,‏ ويبث البرامج‏,‏ وينفخ في الأزمة‏,‏ ويتمني ويخطط لينقلها في تطور تصاعدي من مرحلة إلى أخرى أعلى منها وأعتى وأشد‏،‏ فالتغطيات الصحفية تكبِّر الأحداث التافهة بما يعطي الانطباع بوجود حرب أهلية‏,‏ وتنشر المقالات التي تنطوي في بعضها على تجريح للزملاء وللمؤسسة وللإدارة في انتهاك صارخ لأخلاقيات الزمالة والمهنة وقوانين العمل وتقاليد المؤسسات‏,‏ ثم تأتي برامج تليفزيونية فضائية تمتليء جرأة على الأهرام واستهتارا بالحد الأدني من قواعد الالتزام والانضباط وذوق الحديث‏.‏

*‏ الإعلام البديل ما هو؟

هو مفهوم‏,‏ وأسلوب عمل سياسي يتجسد في مؤسسات إعلامية ناشئة‏,‏ الرخصة مصرية‏,‏ والعمالة مصرية‏,‏ والقاريء مصري‏,‏ والأرض مصرية‏.، ولكنه يأتي انحيازا لمصادر التمويل بالدرجة الأولى‏,‏ ويعمل مهتديا بأجندة من التوجهات مكتوبة بالحبر السري علي أوراق التمويل ذاتها‏ ،‏ فلم يحدث ولن يحدث أن تتجرأ وسيلة من وسائل الإعلام البديل وتقدم رواية واحدة صحيحة ومتماسكة لقصة نشأتها وللمراحل تحت الأرض التي سبقت مولدها‏.‏

ربما تسمع قصصا وحكاوي وثرثرة وفقرات وعبارات غير مكتملة وغير ذات أساس ولا تقف على قدم ولا تنهض على ساق ولا تنكشف للحوار ولا تصمد أمام تمحيص‏,‏ وإنما هي روايات تستند علي أساس ضعيف‏,‏ فكان يتذكر أحدهم جدا قديما له كان يكتب في الصحف‏,‏ ويتذكر أحدهم أن خاله كان صحفيا‏,‏ أو أنه شخصيا ومنذ مولده ينام على حلم الصحافة ويصحو على عشقها‏,‏ وسوى هذه الذكريات التي لا تعدو أن تكون أطيافا وأشباحا وأشباه معلومات‏,‏ فلن تجد قصة قادرة علي إقناعك بسبب إقدام هذا أو ذاك على تأسيس هذه الصحيفة أو تلك أو على تدشين هذه القناة أو تلك‏ ،‏ وفي قلب هذا الغموض المقصود‏,‏ تسكن الحقيقة الغائبة‏,‏ وترقد النوايا المبيتة‏,‏ وتتخفى الخطط المجهزة‏.‏

وحول هذا الغموض المقصود‏,‏ يلتف أصحاب الغرض مثلما يلتف أبرياء يبحثون عن فرصة عمل مشروع أو لقمة عيش نظيفة‏,‏ ويتهافت من تقودهم الانتهازية الرخيصة ومن يحدوهم الطموح المشروع‏ ن ويلتقي عليه أصحاب الأجندات المشبوهة مع أصحاب النوايا الحسنة‏.‏

وهكذا يؤدي الغموض المقصود‏,‏ إلى حالة من خلط الأوراق هي الأخري مقصودة‏,‏ وكل من الغموض والخلط يخلقان ساترا من ضباب‏,‏ هو البيئة المناسبة‏,‏ حتي ينمو ويكبر تحتها الإعلام البديل‏,‏ وحتى يحقق أهدافه النهائية‏ ، وهي يقينا ليست أهدافا صحفية‏,‏ وإن اتخذت شكل العمل الصحفي‏ ،‏ وليست أهدافا إصلاحية‏,‏ وإن استعملت أبجديات الإصلاح وحروفه وكلماته‏.‏

الإعلام البديل‏:‏ حيلة اهتدت إليها قوي إقليمية ودولية ذات مصالح وأغراض‏.‏ وهو جزء من سلة أدوات‏,‏ وحزمة إجراءات‏,‏ لجأت إليها هذه القوي‏,‏ منذ خرجت منتصرة من الحرب الباردة‏,‏ بسقوط الاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية‏,‏ فالاعلام البديل‏:‏ جزء من استراتيجية كونية وإقليمية تستهدف ضمن ما تستهدف تفكيك ركائز النظام الوطني في مصر‏,‏ وإعادة تركيبه علي ركائز جديدة‏,‏ بما يعني تطويعه في الإطار الذي ترسمه هذه الاستراتيجية‏,‏ ليحقق أهدافها الثابت منها والمتغير‏,‏ المقبول منها وغير المقبول‏,‏ ما يتوافق منها مع مصالح المصريين وما لا يتوافق‏.‏

الإعلام البديل‏,‏ هو رأس حربة ناعمة‏,‏ وهو حيلة ماكرة‏,‏يصعب عليك مواجهته‏,‏ ليس فقط لغموض التمويل وتلون التوجهات‏,‏ وإنما لأنه يرتدي لباس الصحافة بما تعنيه من قداسة‏.‏ فالمساس به سوف يظهر في عيون الناس مساسا بما لا يجوز المساس به هو المبدأ المقدس لدي كل الإنسانية المتحضرة وهو مبدأ حرية الصحافة‏.‏

الإعلام البديل‏,‏ الهدف منه هو نزع الوظيفة الإعلامية من يد الدولة‏,‏ وهو الخصخصة المضادة لخصخصة الإعلام القومي أو هو الخصخصة البديلة‏,‏ لأن الاستراتيجية الكونية ومصالحها تريد أن تنتزع من الدولة ثلاثا من ركائزها العتيدة‏:‏ البنوك العامة‏,‏ القطاع العام‏,‏ الإعلام القومي‏,‏ بما يكفي لعزل النظام الوطني عن قواعده الشعبية‏,‏ وبما يكفي للاستفراد به بعيدا عن الدعم الجماهيري‏.‏

*‏ أزمة مارس‏2009,‏ تم اصطناعها‏,‏ في صالة التحرير‏,‏ ثم في بهو الأهرام‏,‏ بتمهيد سابق ومواز ولاحق‏,‏ علي صفحات وشاشات الإعلام البديل‏,‏ في أول محاولة نصف مكشوفة منه للسعي نحو الكشف عن وجههه وعن توجهاته‏.‏

في خريف‏2004,‏ دخل العضو المنتدب لصحيفة خاصة‏,‏ وهو ذو علاقة لا يخفيها في التعاطف مع اسرائيل وأمريكا‏,‏ دخل مكتب رئيس التحرير وألقي علي الترابيزة عدة ورقات وقال‏:‏ أرجو نشر هذه في الصفحة الأولي باسم أسرة التحرير‏.‏

رئيس التحرير قرأها ورد بأن هذه إما أنها كتبت بقلم وزير التجارة الاسرائيلي وكان آنذاك ايهود أولمرت وهو الآن رئيس الوزراء المنتهية ولايته‏,‏ وإما أنها كتبت بقلم المفوض التجاري الأمريكي وكان وقتها روبرت زوليك وهو الآن رئيس البنك الدولي‏.‏

ورد العضو المنتدب باستنكار‏:‏ أنا مش فاهم

وأجاب رئيس التحرير‏:‏ نشرها يسيء إلي صورة الصحيفة‏,‏ ويؤكد الإشاعات التي تدور حول تمويلها وتوجهاتها وحولك أنت شخصيا

ورد العضو المنتدب‏:‏ إحنا بصراحة عايزين نكشف عن وجهنا الحقيقي‏.‏

وكانت صاعقة نزلت علي رئيس التحرير

*‏ الإعلام البديل‏,‏ مدفوع لأن يكشف عن وجهه‏,‏ ومأمور أومكلف بأن يضرب الإعلام القومي يضربه من الداخل ومن الخارج معا‏.‏ يضربه ولو بأيدي أبنائه الذين يعملون في الاعلام البديل دون أن يعلموا حقيقته‏.‏

ليست المشكلة‏,‏ في قرار يمنع أبناء الأهرام من العمل في الاعلام البديل أو في غيره‏.‏

إنما المشكلة الجوهرية‏,‏ هي أن الاعلام البديل‏,‏ إنما تأسس وهو يستهدف الأهرام بالدرجة الأولي‏.‏ وحلمه النهائي الاستحواذ علي قرائها وكتابها معا‏.‏ بما يعني الاستحواذ علي رسالتها الإعلامية والحضارية والوطنية والسياسية‏.‏ وبما يعني التأسيس لرسالة إعلامية مختلفة تعكس توجهات الإعلام البديل‏.‏

*‏ والسؤال الآن‏:‏

ما هو الوجه الحقيقي للإعلام البديل ؟

ما هي التوجهات المكلف بها ؟

وكيف نفك طلاسم وألغاز الحبر السري الذي يطبع هذه التوجهات على ظهر أوراق التمويل الغامض ؟

يمكن تقسيم هذه التوجهات إلي مجموعات رئيسية‏:‏

أولا‏:‏ التوجهات السياسية‏:‏

التشويش علي نظام الحكم‏,‏ مع محاولة دفعه إلي موضع الدفاع الدائم عن النفس‏,‏ والتأثير السلبي علي مصداقيته لدي القاعدة الشعبية الواسعة‏,‏ واختطاف أبصار وأسماع وعقول المشاهدين والمستمعين والقراء بعيدا عن الخطاب السياسي للنظام‏.‏

مع خلق نخب سياسية بديلة والترويج لها‏,‏ وتشجيع الحركات السياسية العشوائية‏,‏ والترويج للقوي السياسية غير المشروعة‏,‏ وخلق حالة من الفوضي بتكبير المغامرين السياسيين‏,‏ وتضخيم حالات الاعتصام والاحتجاج العمالي وإضفاء طابع سياسي وعصياني عليها‏,‏ ووضعها في حالة مواجهة مزمنة مع مؤسسات الدولة‏.‏

ثانيا‏:‏ التوجهات الإعلامية‏:‏

تفريغ المؤسسات القومية من أصولها‏,‏ وتجريدها من مواهبها‏,‏ واقتطاع المزيد من جمهورها‏,‏ ومحاولة إخراجها من سوق المنافسة علي الأمد الطويل‏.‏ وذلك باجتذاب الصحفيين‏,‏ وتوفير دخول مالية سخية‏,‏ تدريبهم وتسفيرهم إلي عواصم التمويل‏,‏ وفتح الخطوط بينهم وبين سفارات التمويل‏,‏ والتقريب بينهم وبين مجتمع المال والأعمال بما يكفل سيطرة المال علي القرار الاعلامي‏,‏ وخلق نجوم سريعة ممن يلبي وممن يستجيب ويشارك في طرح الأجندة التي تتظاهر بالانحياز لقضايا الناس وتحت هذا الانحياز تتولي تنفيذ أكبر عملية سطو علي ذاكرة الناس وعقولهم وقلوبهم والاتجاه بهم نحو كل ما يدعو إلي الشك في مجمل الثوابت الوطنية

ثالثا‏:‏ التوجهات الاجتماعية‏:‏

تدعيم الاتجاهات الفوضوية‏,‏ وخلق حالة من العدمية الهدامة التي تنسف الاعتقاد في كل شئ وتنسف الاحترام لأي قيمة والنبش فيما يسمونه خصوصيات الأقليات والعزف الدائم علي أوتارها وتركيز التغطية الاخبارية الموسعة عليها بما ينزع أحاسيس الأمان والدفء القومي والانسجام بين كافة عناصر الملحمة الوطنية‏,‏ وبما يزرع العداء بين شرائح معينة ضد مجموع الدولة والأمة‏.‏

رابعا‏:‏ التوجهات الدولية‏:

‏ مع الاعتراف بأن القائمين علي الاعلام البديل‏,‏ لديهم جهل فاضح بالشئون الدولية‏,‏ فإنهم بسذاجة وفي حدود الفهم ينفذون التوجهات المكلفين بها في هذا الشأن الدولي أو ذاك‏.‏ وأرجوك وأرجوك وأرجوك اقرأ السطور التالية بعناية‏:

صحيفة خاصة من صحف الاعلام البديل‏,‏ كانت قد عينت أحد الزملاء لمنصب رئيس التحرير قبل أن تصدر الجريدة‏,‏ ثم بعد ستة أشهر‏,‏ وهو يعد الاعداد التجريبية‏,‏ قرروا الاستغناء عنه كرئيس للتحرير‏.‏ ولما سئل العضو المنتدب الذي كان وراء ذاك القرار عن سبب إعفاء الزميل قبل إصدار العدد الأول من الصحيفة ما ترتب عليه تأخير صدورها لما يقترب من عام‏,‏ أجاب العضو المنتدب بصراحة شديدة‏:‏ أنا سألته‏:‏ ماهي تغطيتك المتوقعة لأخبار وقضايا الصراع العربي الاسرائيلي ؟ فأجابني أنا ملتزم بالموقف الوطني‏,‏ فقررت الاستغناء عنه لأنه لا ينفعنا‏,‏ وقررنا الاكتفاء به كاتب عمود فقط‏.‏

أكتفي بهذه الواقعة‏,‏ واحتفظ بالعشرات‏,‏ لأسجل أن صحفيا كبيرا بحجم هذا الزميل المحترم عاش ومات وهو لا يعلم سبب إبعاده من رئاسة تحرير إحدي صحف الاعلام البديل‏.‏ ولأسجل للتاريخ موقفا مشرفا لا يعرفه أحد يضاف الي مواقف الزميل‏.‏

وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة مادلين أولبرايت‏,‏ تعمدت في يوم واحد زيارة مركز ابن خلدون‏,‏ حزب الغد‏,‏ صحيفة خاصة‏,‏ وكانت زيارتها للصحيفة بمثابة الافتتاح الرسمي وقص الشريط ومنحها صك الاعتماد والقبول‏.‏

الرئيس السابق بوش استقبل في البيت الأبيض العضو المنتدب لصحيفة خاصة‏,‏ وأعطي حوارا مع قناة خاصة‏.‏

صحيفة أخري‏,‏ من صحف الاعلام البديل‏,‏ كانت تنوي أن تدشن إصدارها في يوم تنصيب الرئيس الأمريكي الجديد‏,‏ وسعت للحصول علي حوار معه يكون فاتحة الكتاب ووثيقة القران السعيد‏.‏

خامسا التوجهات الثقافية‏:‏

أكتفي بنموذج واحد‏,‏ صاحب صحيفة من صحافة الإعلام البديل‏,‏ أخذ يلح ويشدد على رئيس التحرير أن يعتمد المفكر الإسلامي فلان من ثوابت الصحيفة‏,‏ وطلب إلقاء الضوء على مؤلفاته‏,‏ وإجراء حوارات معه‏.‏

وتوالت المفاجآت كالتالي‏:‏

مؤسسة فورد الأمريكية تتطوع من نفسها وترسل الي رئيس التحرير كرتونة كبيرة بها كل مؤلفات هذا المفكر‏.‏ ومع الكرتونة كارت شخصي من المسئولة في فورد‏.‏

طبعا رئيس التحرير لم يتصل بهم ولم يطلب منهم هذه الكرتونة‏ ,‏ والأعجب أن المفكر الإسلامي نفسه لم يكن علي علم بهذه الواقعة‏.‏

والعجيب أن هذه المسئولة ظهرت الي العلن وتكتب الآن مقالا أسبوعيا في إحدي صحف الإعلام البديل‏.‏

قناة تليفزيونية من الإعلام البديل‏,‏ دخلت على خط المهمة‏,‏ وأعدت وأذاعت حوارات منتظمة مع المفكر الإسلامي‏‏ ،هي نفسها التي كان قد طلبها رجل الأعمال من رئيس التحرير‏.‏

صحيفة أخري من صحف الإعلام البديل‏,‏ وهي تتفق مع أحد الكتاب ليكتب فيها كان الرجاء هو أن يخصص بعض المقالات لإلقاء الأضواء علي فتاوي هذا المفكر‏.‏

صحيفة ثالثة من صحف الإعلام البديل ذهبت تنافس أخواتها في نشر ما قالت إنه مذكرات المفكر الإسلامي‏.‏

ثلاث صحف وقناة تتسابق لأداء مهمة واحدة‏,‏ والترويج لشخص واحد‏,‏ أقطع جازما أنهم جميعا ماكان ليعيروه أدني إهتمام لولا أنه موصي عليه في قائمة التوجهات المكتوبة بالحبر السري علي ظهر أوراق التمويل‏.‏

وفي رمضان الماضي‏,‏ عادت ابنتي من الجامعة‏,‏ وقالت معنا شباب يدخنون السجائر في وقت الصيام‏.‏ فقلت لنفسي‏:‏ إذن الإعلام البديل بدأ يؤدي الغرض من تأسيسه‏.‏

*‏ الإعلام البديل‏,‏ هو أحد الوجوه الناعمة‏,‏ لظاهرة الاختراق الخارجي‏,‏ التي اتخذت وتتخذ أشكالا عديدة‏,‏ علي امتداد القرنين الأخيرين‏,‏ اللذين شهدا ميلاد الدولة الوطنية الحديثة في مصر‏,‏ علي يد الجيش الوطني الحديث الذي أسسه محمد علي ورسم به قوة مصر ونفوذها الإقليمي وحضورها الدولي‏,‏ وهو ما أعادت تأكيده ثورة يوليو‏1952‏ حين بادرت هذه المؤسسة الوطنية بتصويب مسار الدولة المصرية وأعادت رسم الحدود لنفوذها الإقليمي وحضورها الدولي‏.‏

وفي المرتين‏,‏ كانت الأمور تجري علي غير هوي الاستراتيجيات الدولية‏,‏ التي تريد أن تتولي هي بنفسها رسم حدود النفوذ المصري إقليميا ودوليا‏.‏

في هذا السياق‏,‏ يأتي دور الإعلام البديل‏,‏ وسعيه لتهميش الإعلام القومي‏,‏ حتي يتمكن الأول من تنفيذ توجهاته وإملاء أجنداته‏,‏ التي تستهدف بصورة نهائية تفكيك ركائز الدولة الوطنية من بنوك‏,‏ وإعلام‏,‏ وقطاع عام‏,‏ واندماج قومي‏,‏ وصولا الي قلب النظام الحديث أي إلي مكمن القوة الصلبة التي أنجزت استقلال مصر عن كل أشكال الوجود الأجنبي علي ترابها الوطني مرة بالثورة‏,‏ وثانية بالحرب‏,‏ وثالثة بالتفاوض‏.‏ هذه القوة الصلبة هي حامية الاستمرار والاستقرار‏,‏ وهي حافظة الاستقلال والإرادة‏,‏ وهي الحارسة للدولة والأمة‏,‏ وتتوالي مسيرة الاستقلال مهما كانت الأجندات‏,‏ ومهما كان التمويل والتوجهات‏.‏

التوقيع:

أنور الهوارى

* كاتب وصحفي مصري - رئيس تحريرمجلة ( الأهرام الاقتصادي )

 التاريخ 17 - 3 - 2009"

(انتهى)

وملف صلاح دياب و "المصرى اليوم" ما زال مفتوحا فانتظرونا

أضف تعليق