الشعوب وآليات هدم الدول من الداخل

وفق استراتيجيات الحرب الجديدة عليك أن تبحث على ملفات مهمة أولها كيف تستطيع أن تدمر أمة من الداخل، دون أن تسقط قطرة دم واحدة من جندك، لم يكن ذلك بعيدًا عن مسرح العمليات فى زمن الحروب التقليدية، بل كان حاضرًا؛ بدءًا من عمليات الحرب النفسية التى استُخدِّمت بين دول المحور والحلفاء خلال الحرب العالمية الأولى والثانية، بل وعقب انتهاء تلك الفترة لم تتوقف الحرب النفسية بل تزايد حضورها.

باتت الحرب النفسية أهم أدوات الحروب غير التقليدية، خاصة بعد أن شهد العالم سقوط عدد كبير من الضحايا وخسائر اقتصادية ضخمة عانت منها العديد من الدول نتيجة تحرك الآلة العسكرية.

تم العمل على ملف تدمير الدول من الداخل، وكان هو الملف الأكثر بحثًا لتطوير أدواته وأساليبه والأكثر تطورًا، بدءًا من الحرب الثقافية التى أدارتها الولايات المتحدة الأمريكية ومعها المعسكر الغربى فى مواجه الاتحاد السوفيتى ومعه المعسكر الشرقى فى بداية القرن العشرين.

إنها خطوة من خطوات التحرك نحو تغييب العقول.

لقد ذكر صاحب كتاب «فن الحرب» الجنرال الصينى سن تزو، أنّ أفضل طريقة لتدمير عدوك، هى إفساد كل ما يُمثّل قيمة له.

وحتى لا يبقى خصمك مستقرًا، ابدأ لإنهاكه: «عندما يكون عدوك مستريحًا، اجعله يتعب، عندما يكون شبعانًا، اعمل على أن يتضوّر جوعًا، عندما يكون مستقرًا، اجتهد فى أن تجعله يتحرك كثيرًا»، هذا الدهاء يراه لزامًا، لأن الانتصار يبدأ قبل لقاء الجيوش بمدة طويلة، دون تخطيط وعمل مضنٍ مسبق، وإلا فإنّ الكفّتين ستكونان متساويتين فى الميدان.

ويكمل «سن تزو» قائلًا: «انزف الكثير من العَرَق فى السِلْم، لتنزف القليل من الدماء فى المعركة»! هكذا يكون شكل الحرب.

إنها معركة من أشرس المعارك بعيدًا عن معارك المواجهة المسلحة، فعدوك دائمًا مع يعمل على عدة محاور أولها نشر الأكاذيب المصنوعة بدقة لزعزعة الثقة، بين الشعوب والأنظمة، وإرهاق الحكومات فى الرد على تلك الأكاذيب، فقد صنعت وفق منهجية محددة.

كما يعمل وفق آليات تستهدف فى المقام الأول إحداث حالة من التشكيك المتواصل فيما تقوم بها الدول والحكومات من أعمال ومحاولة زعزعة الثقة فى المؤسسات التى تمثل الكتلة الصلبة داخل الدول.

إنه مسار ممنهج يستهدف خلق حالة من الفوضى، لتنقل الدول إلى مرحلة اللادولة.

(1)

فبدءًا من سلسلة حروب اللاعنف مرورًا بالفوضى الخلاقة، وانتهاءً بصناعة الكذب تظل التحركات نحو الهدف الأساسى لقوى الشر لإسقاط الدول متواصلة.

وخلال الفترة الحالية يشهد الفضاء الإلكترونى والسوشيال ميديا أكبر معركة موجهة للدولة المصرية، حالة من العمل المتواصل من جانب قوى الشر تستهدف تسطيح العقول، والتشكيك فى النظام، وعدم قدرة الحكومة على مواجهة الأزمة.

فموجة ارتفاع الأسعار تعد مناخًا مناسبًا لتحرك قوى الشر ومن يعاونهم لاستهداف أكبر أسلحة الدفاع عن الدولة المصرية (الثقة بين الشعب والنظام).

حالة من السعار فى نشر الأكاذيب، وخلق حالة من السخط على أداء الحكومة.

إنها عملية ممنهجة لتنفيذ ما ذكره صاحب فن الحرب.

فما أن ارتفعت أسعار الدواجن وحاول بعض من ضعاف النفوس فى تلك الصناعة استغلال الأزمة خاصة خلال أزمة الأعلاف واستخدامها فى رفع الأسعار بشكل متلاحق للحصول على المزيد من المكاسب من جيوب المواطنين، حتى عملت آلة التضليل على استخدام أبواقها فى النحيب ومحاولة صناعة حالة من السخط على أداء الحكومة فى مواجهة الأزمة.

وتجاهلت أدوات قوى الشر صناع الأزمة الحقيقيين والمتاجرين بها.

وأطلقت كتائبها تعمل على محورين: الأول تخويف المواطن من القادم مما يخلق لديه حالة من الفزع، الأمر الذى يجعله أكثر ضغطًا على السلعة خوفًا من زيادة السعر والعمل على تخزينها، وهو ما يترتب عليه زيادة الطلب فتكون النتيجة مضاعفة الأسعار من قبل معدومى الضمير.

المحور الثاني، الحديث عن اختفاء السلع والتشكيك فى توافرها بالأسواق، مما يخلق حالة من الهلع لدى المستهلكين، فى الوقت ذاته تقوم بعض تلك الكتائب عبر صفحاتها المختلفة من اختلاق قصص وروايات لصناعة حالة من الغضب.

فى الوقت ذاته، تقف مجموعات بانتظار تحرك الحكومة لمواجهة الأزمة لتسلط سهامها نحو الحل من أجل إعاقته أو تقديم صورة سلبية عنه.

وهو ما شهدناه خلال الأسبوع الماضي، ففى الوقت الذى طرحت فيه الحكومة كميات من الدواجن المستوردة من البرازيل للسيطرة على الأسعار وضبط الأسواق والتخفيف عن المواطن، وهو ما وجد إقبال من المستهلكين، فى ظل مبالغة ضخمة فى أسعار الدواجن المحلية؛ والتى تدثرت بارتفاع أسعار الـعلاف عالميًا.

فقد جاءت موافقة مجلس الوزراء على السماح باستيراد الدواجن من الخارج للحفاظ على استقرار السوق، ولتغطية العجز الكبير فى المعروض المحلى، والسيطرة على الأسعار؛ كما سيتم توفير المنتج المستورد لفترة محدودة خلال فترة رمضان فقط.

لتخرج علينا أبواق قوى الشر ومعها تجار الأزمة وأصحاب المصالح المسؤولون عن تضاعف الأسعار ممن امتلأت خزائنهم من جيوب المواطنين، متحدثين إفكًا تارة عن أن عملية استيراد الدواجن سوف تؤثر سلبًا على صناعة الدواجن فى مصر، وتارة أخرى كيف استطاعت الدولة توفير العملة الأجنبية لاستيراد هذه الكميات.

ثم تدور عجلة التشكيك ما بين من المسؤول عن الاستيراد وكيف تمت، وتناست أبواق الإفك إن الحكومة تحدثت منذ أكثر من شهر ونصف، محذرة من استمرار الأزمة (ارتفاع الأسعار)، وأنها ستتدخل ولن تقبل أن يدخل المواطنين شهر رمضان وهم يواجهون أزمة ارتفاع الأسعار المبالغ فيها.

كما أن الدولة المصرية تحرص على تنمية تلك الصناعة (صناعة الدواجن التى يبلغ حجم استثماراتها حاليًا 100 مليار جنيه) وزيادة حجمها والعمل على مواجهة التحديات وحل الأزمات التى تواجهها فى ظل الطلب المتزايد على الإنتاج المحلى والزيادة السكانية المطردة التى تلتهم أى نمو فى تلك الصناعة، وتزيد من الفجوة بين حجم الإنتاج والاستهلاك.

فقد بلغ حجم العجز من الدواجن فى السوق المحلى 40% بحسب رئيس شعبة الدواجن بالغرفة التجارية عبد العزيز السيد الذى أشار إلى أن المتحكم فى صعود الأسعار داخل السوق المحلية مجموعة من «السماسرة» يجب معاقبتهم.

(2)

لم تكن محاولة حل أزمة ارتفاع أسعار الدواجن من قبل الحكومة فقط هدفًا لكتائب قوى الشر، فأيضًا جاءت محاولة الحكومة السيطرة على أسعار ال أرز بعد أن شهدت الأسواق مبالغة كبيرة فى الأسعار وتلاعب التجار، رغم أن مصر لديها اكتفاء ذاتى من الأرز.

وجاء قرار الحكومة من خلال وزارة التموين بالتعاقد على استيراد 50 ألف طن أرز مستورد لطرحه للمواطنين بأسعار مخفضة، ما أدى إلى انخفاض أسعار ال أرز المحلى 1000 جنيه للطن الشعير بحسب رئيس شعبة الحبوب باتحاد الصناعات المصرية.

فخرجت أبواق الإفك مرة أخرى، محاولة التقليل من الأثر الإيجابى لتحرك الحكومة فى مواجهة الأزمة المفتعلة؛ إنها منهجية التشكيك ونشر الأكاذيب ومحاولة زعزعة استقرار الدولة.

نعم هناك زيادة مبالغة فى الأسعار تكتوى بها جيوب المواطنين وتتضخم بطون هؤلاء المغالين وتجار الأزمة بآثارها؛ لكن الحكومة تواجه تلك الحالة من خلال زيادة حجم المعروض، وبأسعار تنافسية.

إننا أمام مرحلة تستهدف منا جميعًا أن نكون أكثر وعيًا، بمخاطر ما يحدث فيها، والهدف الأساسى منها، فرغم أن الحكومة أعلنت أكثر من مرة عن توافر المخزون الاستراتيجى من السلع، إلا أن البعض
ما زال يحرص على تخزين السلع فى المنازل.

نعم شهر رمضان له وضع خاص لدى الأسرة المصرية، ونظام استهلاكى مختلف، وهو ما تحرص معه الحكومة على زيادة المعروض من السلع من خلال المعارض والمنافذ الثابتة والمتنقلة لتلبية احتياجات المواطنين، لكن علينا ألا نترك أنفسنا فريسة للسوشيال ميديا التى يحترف تجار الأزمة وقوى استخدامها.

علينا ألا نترك أنفسنا لتلك الآلة ( الشائعات والاكاذيب) التى تُستخدَّم لهدم الدول من الداخل، خاصة فى ظل استهداف ضرب استقرار الدولة والتأثير على أركانها التى نجحت خلال سنوات مضت من تثبيتها واستعادة قوتها.

جنون العالم

يبدو أن العالم يستعد لمرحلة أشبه بحالة من الجنون.. ففى الوقت الذى يشهد فيها العديد من الكوارث الطبيعية وآثارها المدمرة، وآخرها الزلزال المدمر الذى ضرب تركيا و سوريا وخلف أكثر من 50 ألف قتيل.

نرى فى الأفق حالة من الاستنفار العسكرى من جانب روسيا، وأوكرانيا والغرب من جانب آخر، عقب الزيارة التى قام بها الرئيس الأمريكى لأوكرانيا وعدد من دول أوروبا.

بعد عام من حرب لم يجن منها العالم سوى الأزمات، ما زال البعض يدفع باتجاه استمرار المواجهة العسكرية!

أضف تعليق