عاطف عبد الغنى يكتب: قبل أن يسقط د.طارق شوقى فى البحيرة الآسنة!

عاطف عبد الغنى يكتب: قبل أن يسقط د.طارق شوقى فى البحيرة الآسنة!عاطف عبد الغنى يكتب: قبل أن يسقط د.طارق شوقى فى البحيرة الآسنة!

* عاجل4-5-2018 | 14:21

كان ينقصه قليل من الإتقان والحرفية فى التنفيذ والأداء، لو توفرت له لصار من أفضل المسلسلات التى أنتجتها الدراما المصرية،.. عن مسلسل «الكابتن جودة» الذى شاهدت مؤخرًا عرضًا معادًا له.. أتحدث.

والمسلسل أُنتج وتم عرضه لأول مرة قبل 30 عامًا تقريبًا، وقد جسد فيه نجم الكوميديا سمير غانم دور مدرس إلزامي دفعت به الظروف لممارسة المهنة فى قرية من قرى مصر المنسية (وهى كثيرة بالمناسبة)، ولأن هذا المدرس شخص ذو ضمير وابن ناس و«عينه مليانة»، رفض أن يستسلم للفساد والشر الذى أحاط به فى القرية، وخاصة فيما يتعلق بتعليم الصغار أبناء القرية الفقيرة، ومنهم المتسربون من التعليم لأسباب اقتصادية، واجتماعية مختلفة.

لقد آمن البطل فى العمل الدرامى أنه صاحب رسالة، وقرر أن يمضى في تنفيذها إلى النهاية، مهما كلفه ذلك من تضحيات، وكثُر من حوله الأعداء بداية من فقر الفكر والثقافة، إلى الفقر المادى، ووجد الكابتن جودة نفسه يحارب الروتين وزملاءه من المدرسين الفاسدين، وناظر المدرسة المتردد الجبان أمام أصحاب المصالح، وعادات أهالى القرية وتقاليدهم البالية، وفوق كل هذا العصابة الإجرامية التى تطارده لاسترداد قطعة أثرية سرقوها ووقعت فى يده بالخطأ، والمسلسلات المصرية لا تكون مصرية بدون هذه العصابة، وهذا الخط الدرامى أضعفَ عملًا كان يمكن أن يكون غاية فى الروعة فى فكرته النبيلة، ورسالته التربوية غير المباشرة، وشخوصه الرئيسيين المحركين للدراما.. لكن العمل فقد اكتماله بسقوطه فى فخ المطاردات الساذجة من العصابة الغبية للبطل، وهى إضافة محشورة للعمل لزوم ضمانة التوزيع والربح.

 (1)

كيف عالج «الكابتن جودة» مسألة التسرب من التعليم فى المجتمع العشوائى؟.. وكيف حبب التلاميذ الصغار فى المدرسة.. وأقنع ذويهم بالسماح لهم بالذهاب إليها، وصار يدعمهم اجتماعيًا وتربويًا وتعليميًا ويقدم لهم مساعدات؟ هذا مقصدى فى ذكر المسلسل والحديث عنه وفى خط موازٍ تصدى رجل التربية والتعليم للفساد، وأصحاب المصالح، ومنهم زملاؤه الذين حاربوه لأنه رفض الدروس الخصوصية.

ولا أخفى سرًّا أن العمل ذكرنى بالحرب التى يواجهها د. طارق شوقى منذ اليوم الأول لدخوله ديوان وزارة التربية والتعليم.

(2)

لقد رأيت فى وزير التربية والتعليم الحالى، وهو شخصية حقيقية وليست درامية، هذا البطل الذى جاء يلقى بحجر كبير فى مياه بحيرة راكدة منذ سنوات تزيد عفونتها عامًا بعد عام وعنوانها منظومة التعليم فى مصر.

وفيما سبق كان وزير التربية والتعليم، الذى يريد أن تتناول أخباره وسائل الإعلام يرفع شعار التطوير، فيقوم بإلغاء سنة دراسية، أو يعيد سنة ألغيت، أو يدمج السنة الثانية فى الثالثة من مرحلة الثانوية العامة، لتصبح امتحانات شهادة الثانوية سنتين بدلا من واحدة، أو شىء من هذا التغيير الشكلى الذى يستقبله الطلبة وأهاليهم، إما بالدعاء للوزير أو الدعاء عليه، وفى الغالب كان الأمر الأخير هو الذى يحدث.

يحدث هذا بينما تتراكم مشاكل التعليم حتى تشوهت المنظومة، ووصلت فى جوانب منها إلى حد التهريج المعلن.

ظهر التهريج فى الوسيلة والآلية التى يقوم فيها الأساتذة بتوصيل المعلومة للطلبة، وحشر المناهج فى عقولهم، ومن أجل الحفظ، وليس الفهم، تحولت المناهج إلى كلمات يؤلفها المدرس الشاطر، كلمات مقفاة أشبه بالمقامات، ويقف المدرس ويلقى بها أمام تلاميذه فى أداء غنائى تمثيلى، ووصل الحال بأشخاص (قيل إنهم معلمون) بأن يركزوا على وتر المشاعر والغرائز عند طلبة لم يتجاوزوا سن الطفولة بحجة أن هذا يجعلهم يقبلون على تحصيل المادة وحفظها.

(3)

المعركة الدائرة فى المجتمع المصرى الآن، المشتعلة على وسائل التواصل الاجتماعى، تتعلق أيضًا بالوسيلة، حيث يرغب وزير التربية والتعليم فى أن يعمم استخدام اللوح الإلكترونى «التابلت» على الطلبة بدلا من الكتاب المدرسى.. وكما تناهى إلى علمى فإن د. طارق شوقى لديه إصرار على تنفيذ هذا الأمر مع بداية العام الدراسى القادم (فى شهر سبتمبر)، وفى مقابل إصراره  يرفض البرلمان إقرار الأمر حتى يستوفى حقه من المناقشة تحت القبة.

والوزير متمسك أن التجربة جزء من ثورته التحديثية لمنظومة التعليم، وبعض الآراء الرافضة تذكّر الوزير أن هناك تجربة سابقة لاستخدام «التابلت» دخلت بالفعل حيز التنفيذ خلال العام الدراسى 2013 – 2014 فى 6 محافظات حدودية (شمال وجنوب سيناء والبحر الأحمر ومرسى مطروح وأسوان والوادى الجديد)، فى عهد سابقه محمود أبو النصر، وبعد مرور شهر تقريبًا من توزيع «التابلت» على الطلبة أدرك صاحب التجربة ووزارته فشلها، واضطر الوزير ووزارته إلى العودة للكتاب المدرسى المطبوع.

كانت أهم أسباب فشل تجربة «تابلت» د. أبو النصر أن المدارس المصرية غير مهيأة بالبنية التكنولوجية اللازمة لهذا النظام، إضافة إلى جهل الغالب الأعم من المدرسين قبل الطلبة باستخدام الإنترنت، فضلا عن تكرار الأعطال بالأجهزة نتيجة سوء الاستخدام.

لكن د.شوقى الوزير الحالى يدافع عن تجربته بالقول باختلافها عن سابقتها، وأن إدخال التابلت الآن لمنظومة التعليم ليس أكثر من وسيلة وليست هدفا فى حد ذاته كما كان فى التجربة السابقة.

(4)

وهكذا انشغل المجتمع بالوسيلة والآلة على حساب الخامة والمنتج، أو نظام التعليم الجديد الذى سوف تطبقه الوزارة بداية من سبتمبر القادم.

 وانشغل المجتمع أيضا بتصريح قال فيه الوزير نهاية الأسبوع الماضى إن: «الذى يريد أن يتعلم اللغات يذهب للخارج»، ولم يسأل كثيرون: ماذا يقصد الوزير بالضبط من وراء هذا التصريح؟! أو ما هدف الوزير؟!

الوزير يرى اللغة الأم (العربية) تضيع بينما تتحول المدارس الحكومية والرسمية إلى مدارس لغات تنافس المدارس الخاصة والدولية التى تتجاهل هذه اللغة ضمن مناهجها، ناهيك عن أن بعض هذه المناهج، وخاصة فى المدراس الدولية مليئة بمعلومات ترسخ لقيم وثقافة وأفكار ورؤى مختلفة تمامًا، عن قيمنا الاجتماعية والوطنية أحيانا، وثقافتنا المصرية وأفكارنا، وفيها الجيد وليست كلها رديئة، وحتى وإن كانت تحتاج إلى فحص بشكل عام وتقويم بشكل خاص يجب ألا نبتعد بأبنائنا عن مصريتهم ونتركهم يذهبون إلى حضن هذه الثقافة التغريبية!

ويجب أن ننشغل أكثر بالمضامين، ونساند الوزير فى ثورته، بل نحمل معه حجرًا ونلقيه فى بحيرة التعليم الراكدة الآسنة، حتى لا ندع الفرصة لأصحاب المصالح والفاسدين، أن يدفعوه إلى حالة اليأس من التغيير، فيلقى بنفسه إلى البحيرة مثل كثيرين فعلوها من قبله وغيرهم فى الطريق لفعلها.

أضف تعليق

وكلاء الخراب

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2