قال الدكتور شوقى علَّام -مفتى الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء فى العالم: إن الشهادة فى سبيل الله قيمة عظمى نالت من التبجيل والتعظيم من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد القرآن ما لم تنله مسألة أخرى أو أمر آخر؛ لأن الشهيد جاد بنفسه فى سبيل إعلاء كلمة الحق وفى سبيل الدفاع عن بلده ووطنه.
وأضاف، أن الاحتفال بهذا اليوم لا يتوقف على استدعاء ذكريات المجد وقصص البطولة لأ بطال القوات المسلحة و الشرطة فحسب، بل لا بد أن نستلهم منها ومن شخصيات الشهداء دروسًا ملهمة تغرس فينا قيم الولاء وحسن الانتماء وحب هذا الوطن المبارك، وتجدد المعانى الدينية والوطنية للشهادة والتضحية لأجل رفعة وعزة مصرنا المحروسة، فضلًا عن كونها مناسبة نغتنمها للتعبير عن المشاعر الصادقة الحافلة بالوفاء والاحترام لأهالى شهدائنا الأبرار وذويهم، ولذا لا مانع من الأعراف والتقاليد التى ترفع من شأن الشهادة كما يفعل أهل الشهيد من إبداء السعادة والفرحة بفضل نَيل ابنهم شرف الشهادة، وكذلك إطلاق الزغاريد أو ارتداء الأبيض.
وأوضح فضيلة المفتى أن تخصيص يوم التاسع من مارس من كل عام للاحتفاء ب الشهيد وجعله يومًا له، وعنوانًا على هذه الرتبة الراقية الرائقة، العالية الشرف، الرفيعة المنزلة فى الدنيا والآخرة، لهو من الأهميةِ بمكان؛ من أجل أن نوضِّح للأجيال المعاصرة معانى القدوة الحسنة بحق، وذلك فى صورة هؤلاء الرجال الأبطال الذين ضحَّوْا بالغالى والنفيس من أجل كرامةِ أوطانهم والمحافظة على مقاصد الشرع الشريف، وما زال هؤلاء الأبطال يُضحُّون بأرواحهم حتى الآن فى مواجهةِ أعداء الوطن من الجماعات الإرهابية والأفراد المخربين الذين يُفسدون فى الأرض ولا يُصلحون، ولكن اللهَ تعالى لا يُصلح عملَ المفسدين؛ لأنه سبحانه لا يحبُّ الفسادَ.
وشدد فضيلته على أنه لا فرق بين قيمة حب الوطن وقيمة حب الدين، ولا تعارض بينهما بل هما متجذران فى أعماق النفس البشرية، وحب الوطن والدين هى دوائر ليست متقاطعة بل دوائر متكاملة، والدين يحث على حب الوطن والدفاع عنه.
ولفت فضيلة المفتى النظر إلى أن العقل لا يستطيع أن يستوعب نطاق تكريم الشهيد وفضله؛ فهو كلُّ من جاد بروحه وسالت دماؤه فى سبيل الدفاع عن الوطن من الأعداء ومن الإرهابيين، ولا فرق بين مسلم ومسيحى فى نَيْل هذا الشرف.
وأكَّد فضيلة مفتى الجمهورية على أن للشهيد فضلًا كبير لا يُقاربه فضل؛ فإن له الشفاعة فى سبعين من أقاربه، كما جاء فى السنن عن رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللهِ سِتُّ خِصَالٍ -وذكر منها: وَيُشَفَّعُ فِى سَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِهِ».
وأردف المفتى قائلًا: وهناك أنواع كثيرة من الشهادة جاء التنبيه عليها فى عدد من الأحاديث النبوية تنطبق على من ماتوا فى شدة؛ منها: ما رواه البخارى ومسلم عن أبى هريرة رضى الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ: المَطْعُونُ، وَالمَبْطُونُ، وَالغَرِقُ، وَصَاحِبُ الهَدْمِ، وَالشَّهِيدُ فِى سَبِيلِ اللهِ"؛ ولذا فإن ضحايا الزلازل شهداء لكونهم من أصحاب الهدم الوارد فى الحديث.
وأشار فضيلة المفتى إلى أن انتماء الإنسان إلى المكان الذى ولد فيه فطرة إنسانية فُطر الناس عليها، مشيرًا إلى أن الإنسان مجبول على حب الأوطان، وأن حب الوطن غريزة فطرية فى قلب كل مسلم يقتدى بالسنة النبوية المطهرة.
وردًّا على المتطرفين الذين يحرِّمون تحية العلم أو الوقوف أثناء السلام الوطني؛ أكَّد فضيلته أن السلام الوطنى الشأن فيه هو الشأن فى تحية العلم كلاهما جائز؛ من حيث كون كل منهما رمزًا، والوقوف عند عزفه ليس المراد منه إلا إظهار الاحترام والتقدير والإكرام لما يُمَثِّلُه، وهو الوطن، وحب الوطن أمر قد جُبِل عليه الإنسان.