أكد الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف أن القرآن الكريم جرم ظاهرة، لا تزال موجودة، لدى كثير ممن تضيق صدورهم حين يبشر بولادة الأنثى، وقد صورهم القرآن الكريم في صورة بائسة ساخرة، في قوله تعالى: {وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم * يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون} [النحل: 58، 59].
وكذلك الأمر فيما يتعلق بلعنة الخطيئة التي وصمت فيها المرأة بالمسؤولية عن إغواء زوجها آدم، وإغرائه بالأكل من الشجرة المحرمة، وخروجهما مع الشيطان من الجنة، والهبوط إلى الأرض، وقد سرت هذه «العقيدة» شرقا وغربا مسرى الحقائق التي لا تقبل جدلا ولا نقاشا، وأثرت في عقائد العامة، بل في عقائد كثير من رجال الدين قديما وحديثا، بل عاشت المرأة نفسها قرونا متطاولة تعتقد أنها كذلك، وأنها هي من أخرجت آدم من الجنة، و القرآن الكريم كما أعاد للمرأة حق الحياة، أعاد لها حقها في الإنسانية ليصحح الصورة السلبية التي لازمت المرأة قديما وما زالت تلازمها حديثا، ففي أوائل سورة البقرة وسور أخرى غيرها يسرد القرآن الكريم قصة بدء الخلق، وخروج آدم وحواء -ومعهما الشيطان- من الجنة، وهبوط ثلاثتهم إلى الأرض، على نحو مغاير، في مضمونه وغاياته، لما ألفه الناس واعتادوا سماعه في شأن هذه القصة.
وأوضح شيخ الأزهر خلال حلقة اليوم من برنامج “الإمام الطيب” أن ما يقصه القرآن في هذا الشأن ويسوقه مساق الحقائق التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها هو أن الله تعالى أمر آدم وزوجته حواء بأن يسكنا معا في الجنة: {وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين} [البقرة: 35]، وأن يأكلا -معا- من شجرها وثمرها حيث شاءا من غير حجر ولا تضييق، اللهم إلا شجرة واحدة نهاهما -معا- من الاقتراب منها والأكل من ثمرها، وحذرهما من الوقوع في الإثم والمعصية إن هما أكلا منها.
ثم يخبرنا القرآن –بعد ذلك- بأن الشيطان تسلل لآدم وحواء ووسوس لهما معا ولم يختص بوسوسته حواء فقط، كما يعتقد كثيرون، وهذا ما تتلوه علينا سورة الأعراف في قوله تعالى: {فوسوس لهما الشيطان} [الأعراف: 20]، وكذلك سورة طه، التي تؤكد أن الشيطان هو الذي وسوس لآدم، وذلك في قوله تعالى: {فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى} [طه: 120]، ثم يستمر المشهد بين عدوين لدودين: آدم وزوجته من جانب، و الشيطان بحبائله ووسوسته من جانب آخر، وينتهي الموقف بمخالفة الزوجين للأمر الإلهي، والاستجابة لهذا العدو الماكر، والإقدام على الأكل من الشجرة، ثم صدور الأمر الإلهي –بعد ذلك- بإخراج الجميع من الجنة: {فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه} [البقرة: 36].
وأضاف فضيلته أنه على هذا المنوال، وفي الاتجاه ذاته ترد القصة، في أكثر من آية من آيات القرآن الكريم، وفي أكثر من موضع من مواضعه، لتصحح هذه الصورة السلبية التي لازمت المرأة قديما وحديثا، ولتعلن أن لكل من آدم وحواء مسؤولية مستقلة استقلالا تاما: فكل منهما سمع النهي الإلهي عن الأكل من الشجرة، وكل منهما تلقى التحذير الإلهي من وسوسة الشيطان وإغرائه بمخالفة الأمر الإلهي، وأن كلا منهما أكل من الشجرة بمحض اختياره، وأن أحدا منهما لم يكن مسؤولا عن الآخر في أي موقف من مواقف هذه القصة، وأن الشيطان إذا كان قد زين لحواء أن تأكل من الشجرة وأزلها عنها -فكذلك وبالقدر ذاته- زين لآدم أن يأكل من الشجرة وأزله عنها، وقل مثل ذلك فيما يتعلق بالأكل من الشجرة، وفي ظهور سوآتهما، وفي الاعتراف بأنهما ظلما أنفسهما، وأنهما يطلبان منه المغفرة والرحمة.