قبيل أيام قليلة من انتهاء عام 2017، فاجأ الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، العالم كله برفع ميزانية وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون"، إلى 700 مليار دولار، اعتباراً من 2018، بزيادة قدرها نحو 150 مليار دولار، لتصبح تلك أكبر موازنة في تاريخ وزارة الدفاع الأمريكية.
وجاءت تلك الزيادة على عكس كل توقعات المراقبين والمحللين للشأن السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية، نتيجة افتقار ترامب للخلفية السياسية والعسكرية، حتى أنه لم يخدم في الجيش الأمريكي. وفي ظل انتماءه لطبقة رجال الأعمال، فقد ذهبت جميع التوقعات الأولية، إلى توجيه معظم بنود الموازنة للاستثمارات في البنية الأساسية والخدمات الصحية والتعليمية، وغيرها من الشئون الداخلية للولايات المتحدة الأمريكية، بغرض إيجاد فرص عمل جديدة للشباب، وخفض معدلات البطالة، مع تحسين الخدمات المقدمة للمواطن الأمريكي، وبالتالي تزداد شعبية الرئيس الأمريكي، وهو ما يحتاجه قبل انقضاء الفترة الرئاسية الأولى، تمهيداً لإعادة ترشيح نفسه لفترة ثانية، والفوز بها، وهي أمل كل رئيس أمريكي يصل إلى كرسي الرئاسة بالبيت الأبيض.
فكان ذلك القرار، بمثابة الشرارة الأولى التي دفعت المفكرين والباحثين ومراكز الدراسات الاستراتيجية، ليس في أمريكا فقط بل في مختلف مناطق العالم، لإعادة تقييمهم وتحليلهم لتوجهات الرئيس الأمريكي؛ ماذا يريد هذا الرجل؟ ماذا يفعل؟ وما هي سياساته المستقبلية؟ وظهرت بوادر وخيوط فكر واستراتيجية هذا الرجل، عندما التقى برئيس الأركان الأمريكي، ومجموعة رئاسة الأركان في البنتاجون، وكانت التوجيهات واضحة ... أريد أن تحافظ أمريكا على مركزها كأكبر قوة عسكرية في العالم ... وأن تمتلك أحدث ترسانة عسكرية ... وأن يتم تطوير أسلحتها بصفة دورية ووتيرة سريعة، لضمان اعتماد جميع الدول على بلاده، ولإجبار الجميع على استيراد تلك الأسلحة المتطورة لمواكبة تحديات العصر، والتخلص مما لديهم من أسلحة ومعدات الجديدة، بوضعها في المتاحف العسكرية أو مخازن النسيان!
وركز ترامب على ضرورة أن يكون التطوير باستخدام ذكاء العصر الجديد، وأحدث التقنيات التكنولوجية المستحدثة ... ومن هنا جاء مصطلح “Smart Warfare”. أما التوجيه الثاني لترامب، فكان أن تضمن هذه الأسلحة أقل استخدام للأفراد، والاعتماد على التكنولوجيا، وهو ما سبقه، بالتأكيد، حديثاً مع بعض الخبراء العسكريين، إذ ضرب مثالاً بتطور الاعتماد على القوة البشرية على مدافع الميدان، التي بدأت بعدد 12 فرد مقاتل، ثم تقلص الطاقم إلى 8، ثم إلى 6 أفراد، وعندما أصبح المدفع ذاتي الحركة على شاسية دبابة، اكتفى بطاقم مكون من 4 أفراد فقط سائق ورامي وملقم وقائد، واستطرد قائلاً أنه يريد اتباع هذا النهج، بالاعتماد على الوسائل التكنولوجية، حتى الوصول إلى أن يتكون الطاقم من فرد واحد، فأمريكا، في حربها القادمة، لا تريد أن تخسر ابناءها، لذا يجب تقليل الاعتماد على العنصر البشري في الجيش الأمريكي، وهو ما سيوفر الكثير. كما أن مبيعات مثل هذه الأسلحة لبعض الدول، التي تفتقر إلى الكثافة السكانية، سيكون مكسباً كبيراً لهم، وكان يعني، بالطبع، دول الخليج العربي.
وشدد ترامب على ضرورة أن يتم تطوير هذه الأسلحة، بصورة تجعل من الصعب استخدامها بمعرفة الجماعات الإرهابية، على نطاق واسع، باعتبار أن معظمهم من محدودي العلم، خاصة في الدول الفقيرة، والدول ذات الشعوب الغير مثقفة والغير متعلمة، وكان يقصد، بالطبع، دولاً مثل أفغانستان.
ويرجع مفهوم محدودية أعداد الجنود، إلى خبرة أمريكا السابقة، عندما خسرت الآلاف من الشباب الأمريكي، ما بين قتيل أو جريح أو من خرج بأمراض نفسية من الحرب في فيتنام. حتى أن أمريكا، انتهجت، بعد ذلك، أسلوباً جديداً، وهو الحرب بالوكالة، بمعنى أن تحارب في أي مكان في العالم، ولكن ليس بجنودها، وإنما بجنود دول أخرى، وهو ما حدث في أفغانستانن عندما قامت بتسليح مجاهدي باكستان، وزودتهم بالأموال، لمحاربة الشيوعيين وطردهم من أفغانستان. ولكن هؤلاء المجاهدين تحولوا لمحاربة أمريكا، وكان على رأسهم أسامة بن لادن. ومنذ ذلك الحين، صارت أمريكا تشارك في الحروب بأسلحتها ومعداتها، وتعتمد على نفسها باستخدام التكنولوجيا الحديثة، مع تقليل الخسائر لأبنائها من الشعب الأمريكي. وقد رأي الرئيس الأمريكي أن تلك الأسلحة الجديدة المتطورة، ستجد لها سوقاً رائجة في دول الخليج العربي، الغنية بالبترول، والفقيرة في أعداد القوى البشرية المدربة، والواقعة في منطقة ملتهبة بالصراعات، وهو ما يُتوقع أن يعود على الولايات المتحدة الأمريكية بأرباحاً طائلة.
وقد بدأت ماكينة الفكر الأمريكي المعروفة باسم “The Pentagon Mind”، أو "عقل البنتاجون"، في تنفيذ توجيهات الرئيس الأمريكي، وأتوقع أن هذه الأسلحة الذكية، لن تخرج إلى النور قبل بداية عام 2022، حيث من المنتظر أن تستغرق أعمال البحث والتطوير حتى عام 2020، يليهم عامين من الاختبار الفعلي على الأرض. ويرجح بعض "الخبثاء" احتمالية افتعال الولايات المتحدة الأمريكية لحرباً جديدة، في مكان ما من العالم، مع بداية عام 2021، للتطبيق العملي في ميدان القتال، قبل أن تكون جاهزة للإنتاج والتسويق مع بداية عام 2022 ... وإن غداً لناظره قريب!