زيارة سيناء الرسالة والدلالات

لم تكن زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي، بداية الأسبوع الماضي، ل سيناء وحضوره الإفطار وسط الأبطال من القوات المسلحة وأبناء سيناء، هي الأولى، فقد زار الرئيس السيسي سيناء منذ توليه المسئولية في 2014 أكثر من مرة لكن هذه المرة تختلف، فقد جاءت بمناسبة الاحتفال بنصر العاشر من رمضان السادس - من أكتوبر، كما جاء متزامنًا مع إعلان مصر الانتصار على الإرهاب.

الزيارة حملت عددًا من الرسائل والدلالات التي نتوقف عندها، لكن قبل ذلك علينا أن ندرك أن الاحتفال بالعاشر من رمضان في سيناء هذا العام مختلف كثيرًا عن الأعوام السابقة، بل منذ نصر أكتوبر 1973 وبعد استرداد كامل التراب الوطني.

سيناء خلال المرحلة الحالية تختلف كثيرًا عن سيناء على مر العصور.

فتلك البقعة التي شهدت محاولات عديدة لاقتطاعها من الوطن الأم.. فشلت جميعها وتحطمت أطماع الغزاة على صخرة الأبطال من أبناء الجيش المصري الذين تصدوا لها بقوة، لتروي دماء الأبطال رمال الأرض المباركة.

الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس السيسي لشمال سيناء اختلفت عن الزيارتين السابقتين فى 2015 و2018 وهنا تكمن الرسائل والدلالات.

الرسالة:

جاء حضور الرئيس للاحتفال بالذكرى الخمسين للعاشر من رمضان على أرض سيناء بمثابة رسالة للداخل والخارج، تؤكد أن مصر انتصرت على العدو الذي فشلت دول كبرى فى الانتصار عليه؛ وعاد الأمن والاستقرار إلى سيناء، فاستطاع المصريون بوحدتهم والتفافهم حول وطنهم وثقتهم فى قيادتهم ووقوفهم خلف قواتهم المسلحة أن يحققوا نصرًا عظيمًا فطهروا الأرض من دنس تلك التنظيمات الإرهابية التي لم تدخل وطنًا إلا وتركته خربًا لا يعرف الأمن ولا الأمان ولا الاستقرار.

لقد أعلن الرئيس السيسي انتصار مصر على الإرهاب خلال اصطفاف المعدات المشاركة فى تعمير سيناء بأرض الفرقة السادسة المدرعة بالجيش الثاني الميداني، وجاء الاحتفال بذكرى العاشر من رمضان على أرض سيناء تأكيدًا على أن الأمن والاستقرار عاد إليها بعد أن شهدت أكبر محاولة لفصلها عن الوطن.

وحرص الرئيس على أن يحضر الاحتفال بالإفطار وسط المقاتلين الأبطال من القوات المسلحة والشرطة وأبناء سيناء وشيوخ القبائل وتكريم عدد منهم، لهي أحد احتفالات النصر التي ستتواجد بالاحتفال الكبير بإذن الله خلال هذا الشهر وبالتزامن مع أعياد تحرير سيناء، ليكون الاحتفال فى المثلث الذي شهد أعنف المعارك والمواجهات مع قوى الشر والظلام.

فما كان لهذا الحدث أن يتم لولا التضحيات للأبطال الذين ذادوا بأرواحهم وأنفسهم عن تراب الوطن وقدموا أرواحهم فداءً له، وكان لهم أن يكرموا فى ذلك اليوم.

وهو ما تستعد الدولة المصرية للقيام به فستستضيف سيناء كل أسر الشهداء ومصابي العمليات وأسرهم على أرضها قريبًا للاحتفال بالنصر.

الدلالة الأولى:

مصر استطاعت رغم ما تحملته، وما واجهته من أزمات أن تعبرها جميعًا بالرغم من مواجهتها معركة من أخطر المعارك، كلفتها 90 مليار جنيه على مدى 90 شهرًا (الحرب على الإرهاب)، تلك التكلفة لا تساوي شيئًا أمام ما قدمته من خيرة أبنائها الذين ضحوا بأرواحهم للحفاظ على تراب الوطن.

فقد واجهت مصر العديد من الأزمات والتحديات والتهديدات خلال السنوات العشر الماضية كانت أحد تلك التهديدات بمثابة تهديد وجودي لكنها استطاعت بإرادة شعبها وقدرته على التحمل والعمل المتواصل أن تنتصر على تلك التهديدات، وتواجه الأزمات فتحولها إلى ماضٍ، وتعبر التحديات لتسير بخطى ثابتة نحول المستقبل.

لقد استطاع الشعب المصري أن يتحمل تكلفة مواجهة الإرهاب الذي ظلت قوى الشر تغذيه على مدى سنوات لاستنزاف الدولة المصرية وإسقاطها فى مخطط التقسيم والذي كان مستهدفًا له أن يبدأ من سيناء، فتحطم المخطط على صخرة الأبطال من رجال القوات المسلحة والشرطة المدنية وأبناء سيناء وكل أبناء الشعب المصري الذين اصطفوا خلف من تصدروا المشهد فى الصفوف الأولى.

لقد كان الشعب كله فى خندق واحد مع قواته المسلحة ولا يزال فى مواجهة أي تهديد.

لقد كانت زيارة الرئيس السيسي ل سيناء بالزي العسكري فى 4 يوليو 2015 عقب الهجوم الإرهابي الذي استهدف عددًا من الارتكازات الأمنية فى 1 يوليو 2015 فى توقيت متزامن؛ لهي رسالة واضحة الدلالة على أن مصر بكل أبنائها ومؤسساتها فى المعركة تقاتل، كما كانت التحية العسكرية التي وجهها الرئيس للمقاتلين لهى تحية من كل مصري للأبطال الذين سطروا ملحمة من أقوى الملاحم العسكرية فى الحروب اللا متماثلة، واستطاعوا إسقاط مخطط إعلان ما يسمى بالولاية على أرض سيناء.

كما زار الرئيس غرفة عمليات قطاع تأمين شمال سيناء والتقى بعدد من عناصر القوات المسلحة من الأبطال من جنود وضباط، وضباط صف، فى عدد من الارتكازات الأمنية بالعريش والشيخ زويد ودار حديث مع المقاتلين، أكد لهم فيه على تقدير الشعب المصري للدور الذي يقومون به فى حماية أمن الوطن واستقراره وتقديره لما يبذلونه من تضحيات.

حينها أدركت قوى الشر أن الهزيمة ستكون مصير عناصرها الإرهابية، وأن الدولة المصرية فى تلك المعركة على قلب رجل واحد، وأنها لن تقبل سوى النصر.

ورغم ذلك واصلت قوى الشر دعمها للإرهاب ونقلت عناصر إلى محاور استراتيجية أخرى (المحور الاستراتيجي الغربي والمحور الاستراتيجي الجنوبي واستهداف الدولة من الداخل) لتخفيف الضغط على عناصره فى سيناء والضغط على الدولة المصرية؛ إلا أن القوات المسلحة والشرطة وجهت له ضربات قوية جففت فيها منابعه وقطعت عليه طرق الإمداد فى الوقت الذي عملت فيه الدولة المصرية على مواجهته أيضا بالتعمير بالتوازي مع المواجهة الأمنية والفكرية.

كما كانت زيارة الرئيس السيسي الثانية ل سيناء فى فبراير 2018 والتي شهدت افتتاح قيادة قوات شرق القناة، وكان الرئيس يرتدي الزي العسكري، فى تلك المرحلة كانت العملية الشاملة سيناء 2018 تواصل عملها فى ملاحقة ومواجهة العناصر الإرهابية لتطهير سيناء بالكامل من دنس الإرهاب.

وفى ذلك اليوم، وبالتحديد 25 فبراير 2018، توجه الرئيس إلى مركز العمليات الدائم بعد افتتاح مقر القيادة، وتابع من خلال المركز تحركات القوات وإجراءات التخطيط والتنفيذ للعملية، وأبرز ما حققته من نتائج على مدار ١٦ يومًا، سبقت الافتتاح (العملية الشاملة سيناء بدأت فى 9 فبراير 2018 فى شمال ووسط سيناء، ومناطق أخرى والظهير الصحراوي الغربي بهدف إحكام السيطرة للقضاء على الإرهاب)، لتطهير سيناء من البؤر الإرهابية، وفرض السيطرة الأمنية الكاملة على شبه جزيرة سيناء، تمهيدًا لعودة الحياة إلى طبيعتها فى سيناء، وتهيئة المناخ الملائم لتحقيق التنمية الشاملة لأبناء سيناء.

وكان ارتداء القائد الأعلى للقوات المسلحة للزي العسكري تأكيدًا جديدًا على أن المعركة التي تواجهها الدولة المصرية ضد الإرهاب لا تزال مستمرة وأن الدولة بالكامل تقف صفًا واحدًا فى تلك المعركة.

الدلالة الثانية:

جاءت زيارة الرئيس الأخيرة مرتديًا الزي المدني وهو إعلان عن أن المعركة التي خاضتها مصر على مدار 90 شهرًا انتهت بالنصر، وقد آن الأوان لأن تحصل سيناء على ما تستحقه من التنمية، فرغم مرور ما يقرب من 50 عامًا على تحرير سيناء و40 عامًا على استلامها كاملة إلا أن التنمية اقتصرت على مناطق قليلة جدا منها فى الجنوب وفى الشمال والوسط لم تشهد التنمية الحقيقية التي تحفظ أمنها واستقرارها وتعود بالنفع على أبناء سيناء.

وقد عملت الدولة خلال السنوات الثمانية الماضية على أن تحصل سيناء على ما تستحق فتم تطوير البنية التحتية بالكامل فى شمال ووسط وجنوب سيناء، وكذا التنمية العمرانية والصناعية والزراعية وتم تطوير القطاع الصحي والتعليمي والطاقة والقطاع السياحي.

لقد رصدت الحكومة المصرية 275 مليار جنيه لتنمية سيناء عام 2018 ليرتفع هذا الرقم إلى 700 مليار جنيه فى 2022 من حجم المشروعات التي أقيمت فى سيناء خلال فترة مكافحة الإرهاب.

وخلال الفترة الحالية والقادمة تشهد سيناء أكبر عملية تعمير تصل تكلفتها إلى 1 تريليون و800 مليار.

إن الإرادة المصرية التي استطاعت أن تواجه كل الأزمات وتنتصر عليها (أزمة الطاقة، الغذاء، الصحة، البنية التحتية، التعليم) كما انتصرت على الإرهاب وأصبح من الماضي. لهي قادرة على مواجهة أي أزمة ونقلها إلى مربع الماضي.

الدلالة الثالثة:

قام شيوخ القبائل وعواقل سيناء بتقديم سيف قبائل سيناء هدية للرئيس السيسي خلال الاحتفال وهو دلالة على وحدة الصف للحفاظ على الأمن القومي المصري والتراب الوطني.

ودلالة على التعاون بين أبناء سيناء و القوات المسلحة فى مواجهة أي عدائيات لحفظ أمن واستقرار البوابة الشرقية لمصر، فكما كان لأبناء سيناء دور مهم فى انتصار أكتوبر 1973 كان لهم دور مهم فى الانتصار على الإرهاب والذي لا يقل عن انتصار أكتوبر.

فالمعلومات فى المعارك تعد أحد أهم الأسلحة لمواجهة العدائيات وقد كان لأبناء سيناء دور مهم فى ذلك.

لا تفريط في أمن مصر المائي

خلال القمة المصرية القبرصية، نهاية الأسبوع الماضي، أكد الرئيس السيسي أن مصر تواصل مساعيها للتوصل إلى تسوية عادلة لقضية سد النهضة، للتوصل إلى اتفاق قانوني وملزم لملء وتشغيل السد، بما يحقق تطلعات جميع الشعوب في التنمية، جنبًا إلى جنب مع الحفاظ على أمن مصر المائي الذي لا تفريط فيه.

أضف تعليق