فى زحمة هجوم الكوارث الطبيعية والبشرية تتشتت العقول فى العثور بين أنقاض النفوس وحطام الجدار على طوق نجاة، ويطل الخوف واليأس برأسهما فوق الركام، ويرتفع صوت ضربات القلب رعبا، ولكن حين تهل أيام الله فلا مفر من أن نلوذ بحماها، وأن نغتنمهما، حتى نفوز بنفحاتها، ونعبر بها إلى بر الأمل والأمان.
وفى شهر الفرقان فرصة للسباحة فى سيرة الحبيب صلى الله عليه وسلم، التي تزخر بفضيلة إحياء الأمل، وتحتل عنوانا رئيسيا على صفحاتها العطرة، ويظهر جليا وقت تآمر اليهود وكفار قريش وعزمهم على غزو المدينة بعشرة آلاف جندي، ولم يتجاوز عدد الصحابة الثلاثة آلاف، وحينها هاجم الصحابة شعورا بالهزيمة والانكسار، وأن الخسارة واقعة لا محالة، ويتجدد الأمل فى نفوسهم عقب اقتراح سلمان الفارسي بحفر الخندق، وكان العرب ليسوا بمعرفة بتلك الحيلة، وحال الخندق بينهم وبين هجوم الأحزاب عليهم.
وما يلبث رسول الله ويبعث فى الصحابة روح الأمل مرة أخرى، ويحدث ذلك عندما اعترضت الصحابة صخرة خلال حفرهم للخندق، اشتكوا إلى رسول الله، وإذا به يحمل معوله، ويقول: "بسم الله"، ثم ضرب ضربة، وقال: " الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام، وفى ضربته الثانية ينهار جزء من الصخرة، ويبشرهم بفتح فارس، وفى ضربته الثالثة يقطع بقية الحجر، ويبشرهم بفتح اليمن، برغم أن الصحابة كان يشعرون بمرارة شديدة، وكل واحد منهم يضع حجرا على بطنه من شدة الجوع، والرسول كان يربط حجرين على بطنه الشريفة.
ولم يقتصر النبي على إعلان نبوءته بفتوحات الشام واليمن لإحياء الأمل فى نفوس صحابته، ويغتنم فى موقف نداء أعتى صناديد قريش عمر بن عبد ود للمبارزة والقتال، ويوظفه بطريقة عملية فى تجديد الأمل، ويختار رسول الله علي بن أبي طالب لمبارزته، ويمنحه الرسول سيفه، ويسخر بن ود من علي بن أبي طالب بسبب حداثة سنه، ويظفر رضي الله عنه بالفوز ويقتله، وسرعان ما تلاحقهم البشرى الثالثة، تتمثل فى معجزة الرياح، ويرسل الله ريحا عاصفة تقلع جميع خيام المشركين، ولم تتمكن أقدام خيولهم الثبات على الأرض، ويأمر أبو سفيان الجند بسرعة الرحيل، ومن عجائب الأقدار لم تعصف الرياح بمعسكر الرسول وصحبه، علما بتجاور معسكر النبي معسكر الكفار فى نفس المكان، ولأن الرياح جند من جنود الله، فيسلطها على من يشاء، ويصير النصر حليف المؤمنين، دون احتدام قتال بين الفريقين.
وتبرز نفحات أيام الله خلال شهر القرآن لنقتبس منها نورا يحيي الأمل بداخلنا، وتنير لنا فضيلة التأمل فى معجزة نجاة إبراهيم عليه السلام من النار، ويرسلها لنا الله كرسالة أمل حين تحوط من حولنا النار، ويحاصرنا الموت من كل مكان، ويوضح المولى عز وجل قدرته فى نزع إحدى خصائص الظواهر الطبيعية مع إبراهيم عليه السلام، ويأمر النار أن تكون بردا وسلاما على إبراهيم، وهنا يتجدد الأمل لدى إبراهيم ومن آمن معه.