استشاري التغيرات المناخية الأممي: العالم يمكنه الحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية

استشاري التغيرات المناخية الأممي: العالم يمكنه الحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية الدكتور سمير طنطاوي

مصر21-4-2023 | 13:27

أكد الدكتور سمير طنطاوي، استشاري التغيرات المناخية بالأمم المتحدة وعضو الهيئة للدولية المعنية بتغير المناخ، أن العالم لديه فرصة بنسبة 50% للحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى 5ر1 درجة مئوية إذا اتبع خطوات محددة بشكل عاجل، لافتًا إلى أن بعض الدول قطعت أشواطًا في الاستعداد لمخاطر الاحتباس الحراري بالفعل، منها مثلا بناء حواجز ساحلية ضد ارتفاع سطح البحر كما هو الحال في مصر.

وقال الدكتور سمير طنطاوي -في تصريحات خاصة لوكالة أنباء الشرق الأوسط اليوم /الجمعة/- إن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ -وهي هيئة من الخبراء شكلتها الأمم المتحدة- أعدت تقريرًا يقدم الفهم الأكثر شمولاً حتى الآن للطرق التي يتغير بها الكوكب؛ إذ يشير التقرير إلى أن متوسط ​​درجات الحرارة العالمية يقدر بارتفاع 5ر1 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة في وقت ما حول "النصف الأول من ثلاثينيات القرن الحالي" حيث يستمر البشر في حرق الفحم والنفط والغاز الطبيعي.
وأضاف طنطاوي: "هذا الرقم له أهمية خاصة في سياسات المناخ العالمية بموجب اتفاقية باريس للمناخ لعام 2015؛ حيث وافقت كل الدول تقريبًا على متابعة الجهود لضبط الاحترار العالمي عند 5ر1 درجة مئوية، ويوضح العلماء أنه بعد هذه النقطة تصبح تأثيرات موجات الحرارة كارثية ويصعب على البشر التعامل مع تبعاتها المتمثلة في الفيضانات والجفاف وتضرر المحاصيل وانقراض الأنواع، لكن الأرض قد ارتفعت درجة حرارتها بالفعل بمعدل 1ر1 درجة مئوية منذ العصر الصناعي ومع تسجيل انبعاثات الوقود الحفري العالمية في العام الماضي فإن هذا الهدف يتجه بسرعة بعيدًا عن متناول اليد.
ووفقًا للتقرير الجديد الصادر حديثًا عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ - وهو التقرير التجميعي السادس- من المحتمل أن تتجاوز الأرض عتبة حرجة لارتفاع الحرارة خلال العقد المقبل وستحتاج الدول إلى إجراء تحول فوري وجذري بعيدًا عن الوقود الحفري لمنع ارتفاع درجة حرارة الكوكب بشكل خطير إلى ما بعد هذا المستوى، لكن لا يزال من الممكن إبقاء الاحتباس الحراري عند مستويات آمنة نسبيًا، الأمر الذي يتطلب تعاونًا عالميًا ومليارات الدولارات وتغييرات كبيرة.
وأضاف طنطاوي أن التقرير الجديد يشير إلى أنه لا تزال هناك فرصة أخيرة لتغيير المسار، لكن سيتطلب الأمر من الدول الصناعية أن تتحد معًا على الفور لخفض غازات الاحتباس الحراري إلى النصف تقريبًا بحلول عام 2030 ثم التوقف عن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي تمامًا بحلول عام 2050.
وأكد الاستشاري الأممي أنه إذا تم اتخاذ هاتين الخطوتين، فإن العالم سيكون لديه فرصة بنسبة 50% للحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى 5ر1 درجة مئوية، ومن المرجح أن يؤدي التأخير حتى بضع سنوات إلى جعل هذا الهدف بعيد المنال مما يضمن مستقبلًا أكثر سخونة وخطورة.
وأوضح طنطاوي أن التقرير الجديد عبارة عن تجميع لستة تقارير تاريخية سابقة عن تغير المناخ أصدرتها الهيئة الدولية لتغير المناخ منذ عام 2018، وكل تقرير قام على إعداده مجموعة من مئات الخبراء في جميع أنحاء العالم، ووافقت عليه 195 دولة واستند إلى آلاف الدراسات العلمية، مضيفًا أن هذه التقارير مجتمعة تمثل نظرة شاملة حتى الآن حول أسباب الاحتباس الحراري والآثار التي يخلفها ارتفاع درجات الحرارة على البشر والنظم البيئية في جميع أنحاء العالم، بالإضافة إلى الاستراتيجيات التي يمكن للدول اتباعها لوقف ظاهرة الاحتباس الحراري.
ونوه طنطاوي إلى أن تصرفات البشرية اليوم لديها القدرة على إعادة تشكيل كوكب الأرض بشكل أساسي لآلاف السنين؛ حيث أشار التقرير إلى أن 18 دولة على الأقل تمكنت من تقليل انبعاثاتها لأكثر من عقد من الزمان، في حين انخفضت تكاليف الألواح الشمسية وتوربينات الرياح وبطاريات الليثيوم أيون للسيارات الكهربائية بما يعزز من الانتقال الطاقي نحو الطاقات الجديدة والمتجددة بشكل أكثر شمولا وسرعة، إلا أنه - وفقًا للتقرير- يُتوقع أن تكون الزيادات المتواضعة نسبيًا في درجات الحرارة العالمية أكثر اضطرابًا مما كان يُعتقد سابقًا.
واستشهد ،على سبيل المثال، بالضغوط التي بدأت تفرضها المستويات الحالية للاحترار على إنتاج الغذاء؛ وتشمل تأثيرات مشاكل المياه والمناخ والزيادات السكانية، معلقًا أنه لا يزال العالم ينتج المزيد من الغذاء كل عام بفضل التحسينات في الزراعة وتكنولوجيا المحاصيل، لكن تغير المناخ أدى إلى إبطاء معدل النمو، وهو اتجاه ينذر بالسوء ويعرض الأمن الغذائي العالمي للخطر حيث يتجاوز عدد سكان العالم ثمانية مليارات نسمة.
ويشير التقرير إلى أن بعض الدول قد قطعت أشواطًا في الاستعداد لمخاطر الاحتباس الحراري، على سبيل المثال من خلال بناء حواجز ساحلية ضد ارتفاع سطح البحر كما هو الحال في مصر أو إنشاء أنظمة إنذار مبكر للعواصف المستقبلية، لكن العديد من جهود التكيف هذه "غير كافية" وتفتقر إلى التمويل اللازم، لا سيما في البلدان الفقيرة مما يلقي الضوء على أهمية قضية تمويل المناخ والعدالة المناخية.
وفي هذا الصدد، حذر من أنه مع استمرار درجات الحرارة في الارتفاع، فقد تواجه أجزاء كثيرة من العالم قريبًا قيودًا على مدى قدرتها على التكيف، فبعد ارتفاع درجات الحرارة بمقدار 5ر1 درجة مئوية قد تواجه الدول المهددة ذات الهشاشة العالية والمجتمعات الجزرية المنخفضة التي تعتمد على الأنهار الجليدية نقصًا حادًا في المياه العذبة بالإضافة إلي ارتفاع مستوى سطح البحر وغرق مناطق ساحلية أو دول كاملة، ولمنع أو إبطاء حدوث ذلك فإنه يلزم على دول العالم الاستغناء عن الوقود الحفري لمدة لا تقل عن 180 سنة حتي يستعيد الغلاف الجوي عافيته مرة أخرى.
وبحسب تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، فإن الحكومات والشركات ستحتاج إلى استثمار ثلاثة إلى ستة أضعاف ما يقرب من 600 مليار دولار تنفقها الآن سنويًا على تشجيع الطاقة النظيفة من أجل الحد من ارتفاع الحرارة لما دون 5ر1 أو 2 درجة مئوية، وبينما يتوافر حاليا التمويل الكافي لتحقق ذلك، فإنه يصعب على البلدان النامية الحصول على تمويل كاف منه، وهو محور نقاشات وتفاوض وانقسامات بين الدول الصناعية والدول النامية ولعل أحدثها ما شهدته مفاوضات إنشاء صندوق الخسائر والأضرار كأحد مخرجات مؤتمر شرم الشيخ في نوفمبر الماضي والذي يتوقع له تحديات كثيرة وصولا لتشغيله بشكل كامل.
وعلى الرغم من توافر تكنولوجيات متعددة لخفض الانبعاثات؛ مثل توليد الكهرباء من طاقة الرياح والطاقة الشمسية والتحول إلى المركبات الكهربائية وتحسين كفاءة الطاقة في المباني والحد من انبعاثات الميثان من عمليات استكشاف النفط والغاز ومنع قطع الغابات والحفاظ على المحيطات، إلا أن هذا قد لا يكون كافيًا، وقد تضطر دول العالم إلى إزالة مليارات الأطنان من ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي كل عام باستخدام تكنولوجيات قنص وتخزين ثاني أكسيد الكربون.
ويؤكد تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أن البنية التحتية للوقود الحفري القائمة والمخطط لها حاليًا -التي تشمل محطات الطاقة التي تعمل بالفحم، وآبار النفط، والمصانع، والسيارات والشاحنات في جميع أنحاء العالم- ستنتج بالفعل ما يكفي من ثاني أكسيد الكربون لتدفئة كوكب الأرض تقريبًا 2 درجة مئوية هذا القرن، وللحفاظ على درجة حرارة أقل من هذا المستوى سيتعين إلغاء العديد من هذه المشاريع أو التخارج منها مبكرًا أو تنظيفها بطريقة أو بأخرى.
وردًا على التقرير، دعا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، الدول إلى التوقف عن بناء محطات جديدة للفحم والتوقف عن الموافقة على مشاريع جديدة للنفط والغاز.
وأشار العديد من العلماء إلى أن تجاوز عتبة 5ر1 درجة لن يعني أن البشرية محكوم عليها بالفناء، لكن من المتوقع أن يؤدي كل جزء من درجة الاحترار الإضافي إلى زيادة شدة الأخطار التي يواجهها الناس حول العالم مثل ندرة المياه وسوء التغذية وموجات الحرارة القاتلة، وقد يعني الاختلاف بين 5ر1 درجة مئوية ودرجتين من الاحترار أن عشرات الملايين من الناس في جميع أنحاء العالم يعانون من موجات حر تهدد الحياة ونقص المياه والفيضانات الساحلية.
وأكد التقرير أن الاحترار سيتوقف إلى حد كبير بمجرد توقف البشر عن إضافة الغازات المسببة للاحتباس الحراري إلى الغلاف الجوي، وهو مفهوم يُعرف باسم انبعاثات "الصفر الصافي net zero"، وقد حددت كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أهدافًا للوصول إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050 بينما حددت الصين هدفًا لعام 2060 وتهدف الهند إلى عام 2070.
لكن التقرير الجديد يشدد، في ضوء ما توصل إليه من نتائج، على ضرورة أن تتحرك جميع الدول بشكل أسرع وأن تعمل الدول الصناعية على تحديث أهدافها والوصول إلى صافي الصفر بحلول عام 2040 على الأكثر.

أضف تعليق