​​لواء دكتور سمير فرج يكتب: الحرب والصيام

​​لواء دكتور سمير فرج يكتب: الحرب والصيام​​لواء دكتور سمير فرج يكتب: الحرب والصيام

*سلايد رئيسى23-5-2018 | 22:59

يحل علينا، خلال يومين، واحدة من أعظم وأهم ذكريات الوطن ... ذكرى يوم العاشر من رمضان، ذكرى حرب تحرير سيناء، في السادس من أكتوبر من عام 73. يوم أن حقق الجيش المصري أعظم انتصاراته، في تاريخه، في العصر الحديث.

في هذا اليوم أترحم على اللواء صلاح فهمي، أحد ضباط هيئة العمليات، الذي تم تكليفه باختيار أنسب توقيتات لهجوم الجيش المصري والسوري معاً، على قوات العدو الإسرائيلي، فاختار، بحنكة، يوم السادس من أكتوبر، لتزامنه مع عيد الغفران، أحد الأعياد الدينية اليهودية، التي تعظمها إسرائيل، يُحّرم فيه استخدام العربات والمركبات. وتزامن يوم السادس من أكتوبر، مع يوم العاشر من رمضان، لبدء الهجوم، لاعتقاد العدو الإسرائيلي أن المصريين لن يقووا على القتال في رمضان. فكان حسن اختياره أحد أسباب الانتصار، إذ نجح في خداع الجيش الإسرائيلي، وفاجأه بقدرة المقاتل المصري على القتال وهو صائم في شهر رمضان.

أعود بالذاكرة لثلاثة من أعز أصدقائي، اللواء كمال عامر رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي الحالي في مجلس النواب، واللواء محسن السلاوي مستشار السيد رئيس الجمهورية حالياً، واللواء أحمد سعودي، رحمة الله عليه، والذي كان برتبة رائد آنذاك، أثناء دراستنا في كلية أركان حرب، وكنا نذاكر كل ليلة سوياً لمدة عام ونصف، وعندما حضر الفريق سعد الدين الشاذلي، لمناقشة الطلبة في خطة العبور واقتحام قناة السويسن وما أطلق عليه "التوجية 41"، لم يكن أي منا يتوقع، أنه بعد أيام من هذا النقاش، سننفذ هذه الخطة لتحرير سيناء.

وبعد أيام من هذا اللقاء، تم إبلاغنا بقرار تخرج دفعتنا في الأسبوع التالي، وكنا الدفعة الوحيدة في كلية القادة والأركان التي ليس لها صورة تذكارية لحفل تخرجها. فعندما تدخل متحف الكلية ستجد صوراً تذكارية لكل الدورات منذ عهد الرئيس جمال عبد الناصر، حتى وقتنا هذا، إلا الدورة 25، فستجد صوراً شخصيها لأفرادها، وليس صورة تجمعهم معاً، بعدما تخرجنا على عجل، استعداداً لحرب أكتوبر. ولما كان ترتيبي الأول على الدورة، فكانت مكافأتي توزيعي على هيئة عمليات القوات المسلحة، وهو شرف لأي ضابط في القوات المسلحة، فقضيت أيام الحرب كلها في غرفة عمليات القوات المسلحة. وأذكر دخول الرئيس محمد أنور السادات علينا، في صباح يوم السادس من أكتوبر، وقبل بدء الضربة الجوية، ومن خلفه جنود يحملون صوان، رصت عليها الشطائر والعصائر، وأبلغنا بأن فضيلة المفتي، أصدر فتواه بجواز إفطارنا في رمضان، لأننا في جهاد للدفاع عن بلدنا مصر. وبدأ الجنود في توزيع الوجبات، فأخذ كل منا طعامه وشرابه، ووضعه أسفل مكتبه.

لقد كانت تلك اللحظات الأخيرة قبل العبور، حيث اندفعت قوات الصاعقة إلى عمق سيناء لملاقاة الاحتياطات الإسرائيلية، لمنعها من التدخل ضد قواتنا التي تعبر القناة. بينما الصاعقة البحرية  قد عبرت القناة لسد فتحات النابالم، التي كان العدو الإسرائيلي قد زرعها بهدف تحويل سطح مياه القناة إلى جهنم تحرق القوارب والجنود التي تعبر القناة.

لم يفطر أي مننا في ذلك اليوم إلا بعد التاسعة مساءاً، عندما جاءت المجموعة الثانية لاستلام ورديتها منا، فقد أشبعتنا حلاوة أخبار سقوط نقاط خط بارليف وعبور قواتنا للقناة. أما باقي أصدقائي على جبهة القتال، فلقد كان محسن السلاوي يعبر ضمن الموجات الأولى في قوارب الاقتحام، ولم يكن مع هذه الموجات إلا "قوالب الفولية"، التي نطلق عليها "تعيين القتال"، ويحكي صديقي محسن السلاوي، أن أول قضمة من قالب الفولية، كانت في العاشرة مساءاً، بعد العبور، وتدمير نقاط خط بارليف، واندفاعه في عمق سيناء ليحفر لنفسه، مثل باقي الجنود، الحفر البرميلية، التي كان كل فرد يحتمي بها من ضربات العدو. وكان نصيب كل جندي، ممن عبروا القناة، هو قالب الفولية لمدة 3 أيام، حيث كانت الأولوية في العبور، بعد نصب الكباري، للدبابات، ثم المدفعية، ثم عربات الذخيرة، يليهم مراكز القيادة، وأخيراً عربات الطعام والمياه. أما أخي كمال عامر فقد عبر، أيضاً، في الموجات الأولى بقوارب المطاط، لا يحمل، مثله كمثل نصف مليون جندي على الجبهة، سوى قالب الفولية وزمزمية المياه، ولكن كان يملأهم الإيمان بالنصر وتحرير الأرض.

وبعد انتهاء الحرب، وانتصارنا العظيم الذي خلده التاريخ، اجتمعنا سوياً نحكي ذكريات كلا منا، ولم أسلم من مزاح أصدقائي، "أيوة يا عم ... إحنا قالب فولية وأنت سندوتشات من الرئيس السادات"، خاصة أن الأخ كمال عامر، الذي كان مسئولاً أيام المذاكرة عن إطعام المجموعة بسندوتشات الكبدة والسجق كل ليلة.

أقسم بالله، عندما تجمعنا مائدة طعام الإفطار في رمضان، كل عام، نتذكر هؤلاء الأبطال الذين عبروا القناة، واستردوا لمصر كرامتها وعزتها وشرفها، وقاتلوا في شهر رمضان المبارك ... وأتذكر، بابتسامة، قالب الفولية لنصف مليون جندي حققوا أغلى انتصار لشعب مصر العظيم.

أضف تعليق

إعلان آراك 2