«يوم 13».. أجواء الرعب ومنطق الجريمة

«يوم 13»..  أجواء الرعب ومنطق الجريمةمحمود عبد الشكور

الرأى16-5-2023 | 17:58

ربما يكون فيلم «يوم 13» من تأليف وإخراج وائل عبد الله من أكثر أفلام عيد الفطر إثارة للاهتمام، ليس لأنه فيلم منفّذ بتقنية البعد الثالث، فهذه النوعية صارت منتشرة في العالم، وإن كانت جديدة على الأفلام الروائية المصرية والعربية، ولكن ما يستحق الاهتمام أكثر هذا المزيج العجيب، الذي جرّبه وائل عبد الله بجرأة كبيرة، رغم أن التجربة لم تكن متكاملة، حيث ظهرت ملاحظات أساسية سأذكرها حالا، ولكنها على أية حال مغامرة مختلفة وطموحة للغاية.

تصنيف الفيلم كفيلم رعب ليس دقيقا، ولكنه توليفة من نوعين بينهما ارتباطات واختلافات، وأعنى بالنوعين أفلام الرعب والأشباح على وجه الخصوص، وأفلام الجريمة.

ارتباط النوعين واضح بالنظر إلى اعتمادهما على الغموض والتشويق والبحث عن الأسرار المخفية، وبناء السيناريو كوتر مشدود حافل بالمفاجآت والتحولات الدرامية، والأجواء الخاصة شبه المظلمة، فأفلام الرعب القوطية تعتمد على مشاهد الليل، والمنازل المهجورة متعددة الحجرات، والشخصيات الغامضة، وأفلام الجريمة، تلعب مشاهد الليل فيها دورا محوريا، بل إن تعبير «الفيلم نوار» أو «الفيلم الأسود»، هو المصطلح الذى تعرّف به أفلام الجريمة المشوقة، التى تعتمد على الأسرار والمفاجآت، وعلى البحث والغموض.

ولكن النوعين يختلفان فى نقاط أساسية، فبينما يبدو المنطق العادى هو عنوان السرد لاكتشاف القاتل فى أفلام الجريمة، فإن اللا منطق والغريب وغير الطبيعى هو عنوان السرد فى أفلام الرعب، وبينما يريد فيلم الجريمة إراحة المتفرج بعد إزعاجه بالكشف عن الجاني، فإن فيلم الرعب يريد للمتفرج أن يسكنه الخوف، ولا يهتم بهذه المصالحة الداخلية مع المتفرج، بل يفضل أن يخرج المتفرج من الفيلم، ومعه هواجسه بأن الخوف سيعود فى صورة جديدة، لأن هناك عالما وراء الطبيعة وغير منطقى لا نعرفه، ما زال موجودا، ويمكنه الحضور من جديد، ليدمر حياتنا.

«يوم 13» ينقسم تقريبا بين العالمين، وهو تحدى فنى كبير وخطير، فالجزء الأول فيه كل عناصر أفلام الرعب، بل وثيماته الشهيرة، فالشاب عز الدين (أحمد داوود) يعود بعد ربع قرن من كندا؛ ليرث قصر عائلته، محاولا أن يبيعه؛ لتسديد ديونه، ويحاول أن يثبت أن البيت غير مسكون، ليشجع ذلك المشترين على التقدم لشراء القصر، ولكن شبح أمه المقتولة (جومانا مراد)، يظهر له، ولمرافقيه فى مغامرة البقاء فى القصر، ومن بينهم قيسون، الخبير الروحانى المتخصص فى مطاردة الأشباح (شريف منير)، و زوجة وسكرتيرة محامى العائلة (دينا الشربينى )، حارس القصر العجوز (محمد الصاوي)، وزوجته (نسرين إمام).

أما الجزء الثانى من الأحداث فيتم فيه تنفيذ اقتراح قيسون بأن يعاد تمثيل ليلة مقتل الأم، وهو نفس يوم عيد ميلادها، الموافق يوم 13 فى الشهر، على أن يحضر 13 شخصا، وهو نفس عدد الحضور فى الحفلة القديمة، ويكون ذلك فى اليوم الثالث عشر لوصول عز الدين من السفر، وهدف إعادة تمثيل الحكاية، العثور على قاتل الأم، التى صارت شبحا يريد الكشف عن القاتل، ويبعث برسائل لسكان القصر من أجل ذلك، باكتشاف القاتل يمكن أن يستريح شبح الأم، ويغادر القصر، فيتم بيع المكان بأمان لأول زبون.

هنا طموح مدهش فعلا من الناحية النظرية، ولكن ظهرت فى الكتابة والتنفيذ ثغرات ومشكلات وملاحظات واضحة: فبينما يبدو الجزء الأول الخاص بالشبح ممتازا ومتماسكا بل ومخيفا أيضا، وظفت فيه تقنية البعد الثالث بإتقان، لأن هجوم قطة أو ثعبان على عين الكاميرا يجعلهما مباشرة فى قلب صالة العرض، فإن الجزء الثانى يكسر «مود» الرعب تماما، ويحل بدلا منه شعور بالتشويق، وهو «مود» مختلف، وأقل قوة بكثير، كما أنه لا يحتاج إلى تقنية البعد الثالث على الإطلاق.

ولعل إحساس وائل عبد الله بضرورة المحافظة على الإبهار، هو الذى جعله يقوم بالجميع بين الأبيض والأسود والألوان فى مشاهد الماضى للحفلة الأصلية، ولكن تأثير البعد الثالث للصورة لم يكن ضروريا لفيلم جريمة عادي، خاصة مع اختفاء شبح الأم، وعدم توظيفه فى مشاهد تمثيل الجريمة.

كان غريبا أيضا أن يتحول باحث فى الأرواح إلى ما يقترب من محقق من طراز شرلوك هولمز، صحيح أنهما يشتركان فى البحث عن سر غامض، ولكن الباحث الروحاني، شكلا وأداء ومضمونا، هو جزء من الغموض والغرابة، وهو جزء من اللا منطق، بينما يبدو المحقق فى أفلام الجريمة هو صوت المنطق الواضح، وانعكس هذا التناقض بالطبع على شخصية وأداء قيسون، فبدا كما لو كان شخصيتين، أو بمعنى أدق بدا كما لو كان محققا بالأساس، ولكنه يبحث عن الأرواح فى أوقات فراغه.

نأتى بعد ذلك للمشاكل الأوضح، وهى أن حل لغز الجريمة تطلب ظهور طوفان من الشخصيات الجديدة، التى تقدم لأول مرة فى الجزء الأخير من الفيلم، مما أعطى انطباعا بأننا سنبدأ الحكاية من جديد، كما أن حكاية الشبح بدت مجرد حكاية ممهدة وفرعية، بينما يجب أن يتم تداخل القصتين بشكل كامل، لتحققا نفس القوة والتأثير، كما أن الجريمة الأصلية كشفت عن سبب أقل بكثير من المتوقع، وأثرت سلبا على بناء الجزء المرعب داخل القصر، لأنها جعلت من عودة الابن عز الدين إلى المكان، وجعلت من مشاهد الحنين إلى الأم، وإلى ألعاب الطفولة، أمرا غير طبيعى من الناحية النفسية، وجعلت من موافقته على تمثيل مشاهد ليلة الجريمة، أمرا غير معقول على الإطلاق، بالنظر إلى اعتمادها على ما رأيناه من سبب الجريمة، وهوية القاتل.

ولكن يحسب للفيلم هذه الجرأة فى محاولة دمج النوعين، وبراعة الجزء الخاص بالجزء الأول، ومشاهد ظهور الشبح، وهذا الجزء من أفضل محاولاتها فى مجال دراما الرعب، كتابة وتنفيذا، اعتمادا على عناصر فنية رفيعة المستوى، امتزجت معا، وتجمع بين صورة حافلة بالظلال ومصادر الضوء الشحيحة (تصوير مصطفى فهمي)، وقطعات مونتاجية محسوبة (مونتاج أحمد يحيى)، موسيقى مميزة جدا ومنذرة بالخطر (هشام خرما)، ومؤثرات بصرية متقنة (محمد فودة)، شريط صوت ثرى ومعقد المكونات (أحمد أبو السعد)، ومخرج فاهم جدا لما تحتاجه هذه المشاهد، سواء فى حركة الكاميرا، أو فى توظيف الصمت والمؤثرات والموسيقى أو فى دمج كل العناصر معا، وخصوصا أداء الممثلين.

لديه فى الحقيقة أسماء كثيرة مميزة سواء فى الجزء الأول، أو فى مشهد الحفلة، الذى ظهرت فيه نهال عنبر وأروى جودة وأحمد زاهر وآخرين، ولا ننسى شخصية المحامى القعيد المميزة التى لعبها مجدى كامل، شخصية سائق التاكسى الكوميدية، التى لعبها محمد ثروت، ولا ننسى أيضا دور مهندس المناظر باسل حسام، خصوصا فى تفاصيل مشاهد القصر المسكون، ودور مصمم أزياء الفيلم خالد عزام، بالذات فى ملابس مشهد الحفلة فى الماضي، ومشهد إعادة تمثيله فى الحاضر.

حاولت النهاية الغامضة أن تعيدنا إلى أجواء رعب الأشباح من جديد، ولكن دون توفيق كبير، فقد تغير «المود» جذريا، ومع ذلك فإننا أمام تجربة هامة وجسورة وجديرة بالاهتمام، وأحسب أن وائل عبد الله يمكنه أن يغير الكثير فى مجال سينما الرعب، وسينما الجريمة، مثلما كتب القصة وأنتج من قبل فيلما هو «ملاكى الإسكندرية»، نجح من خلاله فى نقل أفلام التشويق إلى منطقة مختلفة تماما فى تاريخ الفيلم المصري.

أضف تعليق