الدولة الوطنية ومواجهة الحملات المسعورة «4»

في الوقت الذي تكافح فيه الدول من أجل مواجهة التحديات وحل المشكلات وتسعى الأنظمة إلى خلق حالة من الاستقرار والبحث عن حلول للحفاظ على الدول الوطنية ومواجهة محاولات هدمها، وليس هناك فارق بين دول كبرى أو دول نامية في مواجهة حملات هدمها والتي يحرص أعداؤها دائمًا على وضع أكثر من خطة للتحرك باتجاه عملية تغييب العقول أو تزييف الوعي أو هدم الثقة بين الشعوب وقادتها وحكوماتها.

حالة من الحرب المحتدمة تدور بعنف في المناطق الملتهبة من العالم، ولم يكن حديثي في الحلقات الثلاثة الماضية سوى محاولة لكشف الحقائق، والتي لا تزال تتوالى مع استمرار المواجهة لقوى الشر.

ففي الوقت الذي كانت الدولة المصرية تحتفل بافتتاح موسم الحصاد في « شرق العوينات وتوشكى والفرافرة وعين دالة ووادي الشيح» لتزيد حجم الإنتاج المحلي من المحصول الاستراتيجي (القمح) بأكثر من %8 ليصل الإنتاج المحلي إلى 10 ملايين طن، وينخفض حجم الاستيراد الذي من المتوقع أن يصل إلى %35 في العام 2024 وكذا بعد أن استطاعت مصر أن تصل بنسبة إنتاج التقاوي المنتقاة للمحاصيل الاستراتيجية ومنها القمح إلى نسبة %100 هذا العام، وزيادة المساحة المنزرعة إلى 3.5 مليون فدان بلغ نصيب توشكى و شرق العوينات منها 700 ألف فدان ستصل إلى مليون فدان في 2025.

لم تكن الزيادة فى الإنتاج لمواجهة الزيادة على الطلب نتيجة الزيادة السكانية، والحاجة الملحة لتوفير السلعة الاستراتيجية (القمح) لكن أيضًا لتخفيف الضغط على الدولار فإنتاج مليون طن من القمح المحلي يوفر الطلب على 400 مليون دولار.

الأمر الذي جعل الحكومة تحرص على التوسع الأفقي والرأسي فى إنتاج السلع الاستراتيجية، وكذا التوسع فى مشروع الصوامع والمستودعات الاستراتيجية التي كان لها دور مهم فى امتصاص آثار الأزمة العالمية فى موجتها الأولى والتي أطاحت باقتصاديات العديد من الدول وأحدثت أزمة فى الأمن الغذائي لديها.

الرؤية المستقبلية والعمل المتواصل كانت نتيجتها زيادة الإنتاج من السلع الاستراتيجية الأمر الذي يحسّن من مستوى معيشة المواطن ويخفف من حدة الأسعار؛ لكن ذلك لم يشعر به المواطن فى الفترة الأخيرة رغم زيادة الإنتاج وذلك بسبب النمو السكاني الذي يلتهم تلك الزيادة من الإنتاج الغذائي بشكل يفوق حجم الزيادة فى الإنتاج فينخفض المعروض ويقل الطلب وهو ما يتطلب حالة من الوعي لضبط الساعة السكانية فى مصر.

ففي الوقت الذي زاد فيه إنتاج مصر من القمح المحلي وتراجعت الواردات من القمح بنسبة 39.5% (9.2 مليون طن) عام 2022 ليبلغ تعداد السكان 102.9 مليون نسمة فى حين كان حجم الواردات 14.9 مليون طن من القمح عام 2014 وكان تعداد السكان

88 مليون نسمة.

إننا نواجه تحديًا يعد من أكبر التحديات حاليًا وهو الزيادة السكانية المتسارعة والتي يحاول البعض التقليل من أهميتها ليدفع بمتشابهات يحاول من خلالها توجيه العقل الجمعي باتجاهات محددة للضغط على موارد الدولة لتحقيق الهدف (صناعة الدولة الفاشلة).

من بين تلك المتشابهات هو القياس على الدول ذات الكثافة السكانية العالية، متجاهلاً أن تلك الدول لم تستطع أن تحقق نجاحًا حقيقيًا إلا عندما استطاعت ضبط الساعة السكانية لديها على مدى عشرات السنوات، فاستطاعت أن تصنع نموًا اقتصاديًا ونجاحًا وتقدمًا فى رفع مستوى معيشة الفرد، فعلى سبيل المثال يبلغ حجم النمو السكاني فى الصين 0.1% وفى الهند 0.8% والولايات المتحدة 1% لأكثر من 40 عامًا.

ورغم حرص الدولة على خلق حالة من الوعي لدى المواطن بأهمية ضبط النمو السكاني، إلا أن البعض لا يزال لا يبالي بالأمر وهو لا يدرك أهمية دوره فى مواجهة هذا التحدي.

(1)

وفي الوقت الذي تواصل فيه الدولة المصرية تحركها على كل المحاور ومواجهة كل التحديات نجد محاولات تزييف الواقع وتشويه الصورة من قبل بعض وسائل الإعلام التي تزعم أنها تقدم صحافة خالية من التدخل السياسي والتجاري معلنة للقارئ فى ديباجة لها وضعتها أسفل التقارير التي تعرضها لكي ترسم صورة ذهنية لدى المتلقي بأنها تتحدث بحيادية تامة وهي بعيدة كل البعد عن ذلك.

فهي تتحرك وفق خطوط مرسومة أو تقذف بتقارير مدفوعة إما من التنظيم الدولي للجماعة الإرهابية أو لمنظمات تستخدم من ملف حقوق الإنسان ستارًا لها وتتحرك من خلفها أجهزة استخبارات وقوى دولية تستهدف هدم الدولة الوطنية.

ففي تقرير نشرته صحيفة «الجارديان» البريطانية: «التضخم وتقشف صندوق النقد الدولي والخطط العسكرية الضخمة تدفع المزيد من المصريين إلى الفقر» أعدته روث ميشيلسون صحفية مقيمة فى إسطنبول، ومنة فاروق مراسلة الصحيفة بالقاهرة فى 1300 كلمة واعتمدت كاتبتا التقرير على تقديم حالة ارتفاع الأسعار للسلع وهو أمر يشكو منه الجميع على مستوى العالم، وكأنه ظاهرة فى مصر فقط، كما حاولت التشكيك فى الأرقام المعلنة من جانب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء قائلة: «معدل الفقر فى مصر يقترب من 30٪، وفقًا لأحدث الإحصاءات الحكومية، على الرغم من أنه من المتوقع أن يكون الرقم الحقيقي أعلى».

كما حاولت أن تخلق حالة من عدم الرضا عن السياسات الحكومية، قائلة فى الفقرة التي تليها «وحتى مع تزايد الفقر، أنفقت الدولة المصرية بشكل كبير على مشاريع ضخمة مثل العاصمة الإدارية الجديدة المتلألئة على بُعد 30 ميلاً شرق القاهرة، والتي ستفتخر بأطول مبنى فى إفريقيا ومسجد فخم»، ولم تشر الصحيفة التي وضعت أسفل التقرير الصحفي ديباجة عنونتها بأنها دائمًا لا تقدم سوى الحقيقة.

في حين أنها تجاهلت تمامًا أن تذكر أن شركة العاصمة لم تكلف ميزانية الدولة المصرية مليمًا واحدًا بل استطاعت شركة العاصمة أن تحقق 40 مليار جنيه سيولة بجانب 40 مليار جنيه مستحقات لدى الغير وذلك من خلال خلق قيمة مضافة للمنطقة، كما أنها تكلفت بتطوير عدد من الطرق والمحاور التي تربط العاصمة بالمدن والمحافظات المحيطة ومنها تطوير طريق القاهرة السويس، والقاهرة العين السخنة، والدائري الإقليمي، والدائري الأوسطي، والعديد من المشروعات الأخرى.

لقد تجاهلت الصحيفة كل تلك المعلومات رغم توافرها وإعلانها من قبل المسئولين الحكوميين.

ولأن كاتبة التقرير لديها هدف محدد وهو التشكيك فى قدرات الدولة المصرية على عبور الأزمة وتصر المراسلة على تقديم صورة مغلوطة فقد استندت على تقرير أعده Timothy E Kaldas»» من معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط بالولايات المتحدة الامريكية، حسبما ذكرت الصحيفة، والذي نشر كذبًا أن نسبة الفقر فى مصر قد بلغت 60% عام 2019، وبالبحث فى تقرير للبنك الدولي، نُشر فى 19 ديسمبر 2022، أشار إلى أن نسبة الفقر فى مصر سجلت آخر مرة عند 29.7٪ خلال (أكتوبر 2019 – مارس 2020)، وتوقع البنك ارتفاع معدل الفقر بسبب تأثير التضخم على الدخل الحقيقي للمصريين.

ليتوافق تمامًا مع الأرقام الحكومية وليس مع أكاذيب صحيفة الجارديان.

ورغم أن الصحيفة حاولت فى العنوان الرئيسي أن ترجع الأزمة إلى ما أسمته بالخطط العسكرية الضخمة، إلا أن المتن خلال من ذلك تمامًا، ثم كشف كاتبا التقرير عن المسار الحقيقي والتوجه المحدد لهما والدعم للتنظيم الإرهابي، عندما جاء فى الفقرة قبل الأخيرة أن تقرير الصندوق طلب فرض قيود على ما أسماه بالاقتصاد العسكري، ولأن ذلك لم يشر إليه التقرير الحقيقي للصندوق نظرًا لأن ما يسمى بالاقتصاد العسكري ليس واقعًا حقيقيًا إنما هو ترويج استهدفته الجماعة الإرهابية وأبواقها وعدد من قوى الشر التي تستهدف هدم الجيوش وتدمير الدول الوطنية.

كما ظهر الهدف المسموم من قبل الصحيفة عندما تجاهلت المراسلة الانتخابات الرئاسية فى عامي 2014 و2018 لتزعم أن الرئيس عبد الفتاح السيسي جاء إلى السلطة عبر انقلاب عسكري عام 2013 وتجاهلت الصحيفة ثورة الشعب والملايين التي ملأت الشوارع تهتف بسقوط الإخوان وتسترد وطنهم من حكم الجماعة الإرهابية ثم الفترة الانتقالية التي ترأس فيها رئيس المحكمة الدستورية المستشار عدلي منصور إدارة شئون البلاد، وصولاً إلى انتخابات رئاسية تمت تحت إشراف قضائي كامل عامي 2014 و2018 فاز فيها الرئيس السيسي.

إنها عملية ممنهجة لتقديم صورة إلى الخارج مغلوطة عن مصر وتشويه أي إنجاز تحقق فى مصر خلال السنوات الماضية.

(2)

ليست الجارديان وحدها بل إن «نيويورك تايمز» أيضًا واصلت تقاريرها الممنهجة والتي جاء آخرها يوم 16 مايو الجاري، والذي نشرته بعنوان «منظمة العفو الدولية: أعلى نسبة إعدام فى العالم منذ 5 سنوات» لتوجه من خلاله هجمة إلى كل من مصر والمملكة العربية السعودية، متجاهلة أن أحكام الإعدام جاءت وفق أحكام قضائية نهائية وإجراءات تقاضي التزمت بصحيح القانون والدستور والذي يتوافق مع القانون الدولي».

ورغم أن الفقرة الخامسة من التقرير الذي بلغت عدد كلماته 800 كلمة جاءت مؤكدة أن حالات الإعدام فى مصر انخفضت عام 2022 وكانت مصر هي الوحيدة التي سجلت انخفاضًا فى عمليات الإعدام — 24 شخصًا فى عام 2022 من 83 شخصًا على الأقل فى العام السابق، بحسب الأمين العام لمنظمة العفو الدولية، «أغن إرسس كالامارد» إلا أن «كورا إنجلبريخت» « Cora Engelbrecht» مراسلة الصحيفة فى لندن أبت إلا أن تقدم صورة مزيفة فى مقدمة التقرير عندما أرجعت أن 90 بالمائة من حالات الإعدام فى العالم بحسب منظمات حقوقية كانت فى السعودية وإيران ومصر؛ وهو ما ينافي الحقيقة تمامًا بل يتناقض مع ما جاء فى متن التقرير من أن مصر قد انخفضت حالات الإعدام بها بشكل كبير وتسير وفق صحيح القانون وبأحكام قضائية نهائية.

إن محاولات إفشال الدول الوطنية لن تتوقف وعمليات استهداف الجيوش إعلاميًا ستزداد ضراوة لأنها تعد بمثابة حجر عثرة أمام محاولات هدم وتفكيك الدول.

الأمر الذي يتطلب منا جميعًا الاصطفاف والثقة فى أننا سنعبر تلك المرحلة وننتصر على التحديات، طالما كنا صفًا واحدًا للحفاظ على الدولة الوطنية، وعدم الانسياق وراء الحملات المسعورة التي تستهدف ترويج الأكاذيب وتزييف الوعي.

أضف تعليق