تمتلك مصر ثروة معدنية هائلة، لكنها ظلت لسنوات تُصدَّر كمواد خام مما يجعل عائدات تلك الثروة أقل قيمة، الأمر الذي جعل من كنوز مصر المنسية، قيمة مهدرة من مقدرات الدولة المصرية.
فقد ظلت مصر لسنوات طويلة تصدّر الرمال البيضاء مواد خام وكذلك الرمال السوداء وخام الألبايت وخام الكوارتز، وخام التنتالوم، وغيرها من الثروات المعدنية، ثم تعود تلك الخامات مرة أخرى إلى مصر على هيئة مواد مصنعة بأرقام ضخمة ترفع من حجم الواردات فى الوقت الذي تنخفض فيه أرقام عائدات الصادرات.
حتى جاء قرار حظر تصدير المواد الخام دون القيام بأي من العمليات التصنيعية على المنتج بما يحقق قيمة مضافة ويرتفع معها حجم العائدات من تصدير تلك الثروة.
فمنذ عام 2016 حظرت مصر تصدير الرمال البيضاء كمادة خام خارج مصر، وذلك للحفاظ على هذا المورد غير المتجدد، حيث قررت الحكومة منع تصدير الرمال البيضاء باعتبارها ثروة قومية.
فى الوقت الذي قامت فيه الدولة المصرية بالعديد من المشروعات فى القطاعات المختلفة كان قطاع التعدين أيضًا على خريطة رؤية الدولة للاستفادة من مقدراته، وخلق فرص عمل جديدة وزيادة حجم الصادرات غير البترولية، بما يتوافق مع طموح الجمهورية الجديدة لزيادة النمو الاقتصادي وتحقيق مردود إيجابي على الاقتصاد وتقليل الفجوة الاستيرادية.
(1)
الأسبوع الماضي خلال افتتاح الرئيس عبد الفتاح السيسي لمجمع افتتاح مجمع مصانع إنتاج «الكوارتز» بمدينة العين السخنة، والذي يعرف باسم «الذهب الأبيض».
ويعد المشروع الأول من نوعه فى مصر والدول العربية وإفريقيا والشرق الأوسط، والأول عالميًا من حيث تكامل العملية الإنتاجية.
ففى 28 أبريل عام 2020 تم إنشاء الشركة المصرية للتعدين وإدارة واستغلال المحاجر والملاحات، ومنذ ذلك التاريخ تم العمل على الاستفادة من ثروات مصر التعدينية ومواصلة العمل على تقليل الفجوة الاستيرادية وزيادة الصادرات وتوفير فرص العمل، وتلبية احتياجات السوق المحلية من ألواح الكوارتز اللازمة لتجهيز المستشفيات والفنادق وغيرها، بدلاً من استيرادها من الخارج.
ولعلنا نتوقف هنا عند مجموعة من النقاط أهمها:
ـ إن خام «الكوارتز» كان يباع قبل إنشاء هذا المجمع وقبل إصدار قرار حظر تصدير المواد الخام من الثروة المعدنية عدا النفط، بسعر 15 دولارًا للطن.
ـ تبلغ درجة نقاء الخام المصري 99% بمنطقة «مروة السويقات»، التي تحوي «منجم مرسى علم»، 3.5 مليون طن من أجود خامات الكوارتز فى العالم.
ـ يدخل «الكوارتز» فى تصنيع الخلايا الشمسية الضوئية، واللوحات الإلكترونية، وشرائح الكمبيوتر، والعربات، والأجهزة الإلكترونية الدقيقة، والحديد والصلب، وألواح الكوارتز.
ـ يوفر 2600 فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة.
ـ تعظيم القيمة المضافة لخام «الكوارتز» باستخدامه كمادة خام فى إنتاج السيليكون المعدني المستخدم فى صناعة الألومنيوم والسبائك وإنتاج البولي سيليكون المستخدم فى إنتاج الشرائح الإلكترونية والخلايا الشمسية.
تأسيس مجمع صناعي بالمنطقة الصناعية بمدينة العلمين الجديدة لإنتاج السيليكون بالشراكة بين قطاع البترول وقطاع الأعمال العام والقطاع الخاص بتكلفة استثمارية تصل إلى 700 مليون دولار.
المرحلة الأولى من مشروع إنتاج السيليكون المعدني تبلغ تكلفتها 172 مليون دولار، والذي يعد خام الكوارتز هو المادة الخام للإنتاج ليتحول سعر الطن من 15 دولارًا ليصل إلى 3400 دولار ويبلغ حجم الإنتاج 45 ألف طن سنويًا ليغطي السوق المحلي ويحقق فائض إنتاج للتصدير يصل إلى 160 مليون دولار خلال السنة الأولى للإنتاج.
المرحلة الثانية: مشروع إنتاج السيليكونات الوسيطة بطاقة إنتاجية من 60 إلى 100 ألف طن سنويًا، وترتفع القيمة المضافة للمنتج إلى 5000 دولار للطن.
أما المرحلة الثالثة من المشروع والتي يتم فيها إنتاج البولي سيليكون بطاقة إنتاجية قدرها 10 آلاف طن سنويًا لترتفع القيمة المضافة للمنتج من 25 ألفًا إلى 100 ألف دولار للطن (البولي سيليكون - رقائق السيليكون).
أما المرحلة الرابعة ويتم فيها إنتاج زيت السيليكون، المطاط، مواد لاصقة ويصل سعر الطن من 8 آلاف إلى 15 ألف دولار.
وبذلك تكون مصر قد استطاعت تحقيق أعلى عائد من ثروتها المعدنية لخام الكوارتز عالي النقاء.
كما استطاعت الدولة المصرية نقل وتوطين صناعة ألواح الكوارتز وتستعد لتوطين صناعة الشرائح الإلكترونية والخلايا الشمسية.
(2)
وفى يناير من العام الماضي افتتح الرئيس عبد الفتاح السيسي أكبر مصنع للرمال السوداء بمدينة البرلس بمحافظة كفر الشيخ، والذي حوّل ثروات مصر المنسية إلى كنوز حقيقية يمكن الاستفادة منها فى ظل ثروات غير متجددة وتحتاج إلى الحرص الشديد فى الحفاظ عليها، وتحقيق أعلى عائد من استغلال تلك الثروات بشكل أفضل، والوصول بها إلى مرحلة المنتج الصناعي النهائي، وهو ما أكد عليه الرئيس.
فمصر تعد من أكثر الدول العربية ثراءً فى الرمال السوداء، حيث تنتشر الرمال السوداء بطول ساحلها الشمالي بداية من مدينة رشيد وحتى رفح بطول 400 كم، كما تمتلك مصر 11 موقعًا للرمال السوداء تتوافر بها 8 أنواع من المعادن الثقيلة.
ويقدر الاحتياطي الجيولوجي من الرمال السوداء فى مصر بنحو 1.3 مليار متر مكعب، موزعة على أربع مناطق رئيسية فى محافظات «البحيرة، ودمياط، وكفر الشيخ، وشمال سيناء».
وتحتوي على معدني «الماجنتيت» و«الإلمينيت» واللذين يمثلان المكونين الكبر لهذه النوعية من الرمال، كما يشار إلى الرمال السوداء باسم الرمال المُشعة لاحتوائها على بعض المعادن المشعة مثل معدني «المونازيت» و«الزركون».
يمكن حصر عدد من الصناعات الاقتصادية البارزة والتي تدخل فيها الرمال السوداء وهي «صناعة هياكل الطائرات والسيارات والصواريخ والغواصات، والمركبات الفضائية، والأجهزة التعويضية، وصناعة أنابيب البترول، ومواد الإشعاع النووي، والعربات المصفحة والحربية، وقضبان السكك الحديدية، وصناعة السيراميك والبلاط، ومواد الصنفرة، والأرضيات عالية التقنية، وصناعة الكريستال والزجاج، والمعدات الرياضية ومستحضرات التجميل».
وتشير التقديرات إلى أنه من المتوقع أن تصل إيرادات المشروع إلى ما يعادل ثلث دخل قناة السويس نظرًا لمساهمته فى قطاع التصدير، فضلًا عن توفيره فرص عمل، ومن المرجح أن تصل الطاقة الإنتاجية للمصنع عند الانتهاء من اكتماله فى المراحل المقبلة لنحو 150 ألف طن سنويًا من المعادن المختلفة.
(3)
وهناك كنز آخر من الثروة المعدنية أخذت الدولة المصرية خطوات مهمة نحو الاستفادة منه بعد أن كان يتم تصديره مادة خام، ألا وهو «الرمال البيضاء».
وتعد هي المادة الخام لعنصر السيليكون الذي يمثل عصب التطور التكنولوجي، كما أنه الخام الرئيسي فى صناعة الخلايا الشمسية، وكذلك فى صناعة الرقائق الإلكترونية التي تمثل نواة الطفرة التكنولوجية الهائلة التي انتقلت بالعالم إلى القرن الحادي والعشرين.
وتمتلك مصر أفضل أنواع الرمال البيضاء، التي تصل إلى درجة عالية من النقاء، حيث تصل نسبة تركيز خام السيليكا فيها إلى 98,8%، بينما تقل نسبة أكسيد الحديد غير المرغوب فيه عن 0,01%، كما أن سمك الطبقة الرملية يبلغ 100 متر دون غطاء صخري، وهو ما يقلل من تكلفة الإنتاج وسهولة استخراجها.
وتعد أهم المناطق التي تتوافر بها تلك الرمال البيضاء هي «وادي الدخل» جنوب غرب الزعفرانة بالصحراء الشرقية، وكذا «وادي قنا» بسمك كبير، وجبال يلق و«المنشرح» بشمال سيناء، ومنطقة «أبوزنيمة» و«هضبة الجنة» بجنوب سيناء والتي تتوافر بها كميات ضخمة من الخام ذي الجودة العالية.
ويبلغ احتياطي مصر من الرمال البيضاء نحو 20 مليار طن.
وكانت مصر تصدر تلك الرمال بهيئتها الخام بسعر 20 دولارًا فقط، قبل قرار حظر تصديرها، ثم يعاد بيعها بـ 150 دولارًا، ويصنع منها زجاج يصل سعر الطن فيه إلى ألف دولار، ويصل سعر الطن من الرقائق الإلكترونية إلى 100 ألف دولار بما يعادل 5 آلاف ضعف المادة الخام التي تخرج من مصر.
الأمر الذي انتبهت إليه القيادة السياسية فصدر قرار حظر تصديرها كمادة خام.
ويجري العمل على تصنيعها وإضافة قيمة تصنيعية مضافة لها، فى ظل عمل الدولة المصرية على إحياء مشروع وادي السيليكون والمتخصص فى صناعة الرقائق الإلكترونية.
إنها عملية الاستفادة المثلى من الثروة المعدنية للدولة وما تمتلكه من كنوز ظلت منسية لسنوات طويلة.
قبل الأزمة!
يبدو أن وزارة التموين والتجارة الداخلية لم تراجع كميات التوريد من القمح بشكل دقيق حتى الآن، فهي لم تلمس وجود مشكلة فى التوريد للصوامع بل تواصل بياناتها التأكيد أن عمليات التوريد للقمح من المزارعين تتم بشكلٍ جيد.
لكن الحقيقة التي لم تنتبه لها الوزارة وأتمنى أن تسرع بالتحرك تجاهها هو قيام عدد كبير من الفلاحين بتخزين القمح نظرًا لأن التوريد ليس إلزاميًا ويقومون بطحنه علفًا للماشية بدعوى أنه أرخص من العلف، بل قام بعض التجار بالمضاربة فى الأسعار ليصل سعر الأردب إلى 2000 جنيه وفى بعض المناطق إلى 2500 جنيه.
فهل تتحرك الحكومة؟!