حكم قراءة القرآن في العزاء وأخذ الأجرة على ذلك من الأمور التي يسأل عنها البعض للوقوف على الحكم الشرعي، ما يجعل من معرفة حكم قراءة القرآن في العزاء وأخذ الأجرة على ذلك أمرا مهما.
وورد إلى دار الإفتاء سؤال حول حكم قراءة القرآن في العزاء وأخذ الأجرة على ذلك، وأجاب عنه مفتي تلجمهورية عبر الموقع الرسمي لدار الإفتاء ليعرف الجميع حكم قراءة القرآن في العزاء وأخذ الأجرة على ذلك.
وأجاب مفتي الجمهورية: قراءة القُرَّاءِ لكتاب الله تعالى في المناسبات والمآتم وسرادقات العزاء وأخذهم على ذلك أجرًا، مِن الأمور المشروعة التي جَرَت عليها عادَةُ المسلمين مِن غيرِ نَكِير، وعلى ذلك جرى عمل أهل مصر؛ حتى صارت قراءة القرآن في مُدُنها وقُرَاها وأحيائها مَعلَمًا مِن معالم حضارتها، ومُدَّعِي أن ذلك بدعةٌ مُضَيقٌ لِمَا وسَّعه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم على الناس مِن إقامة الذكر والاجتماع على قراءة القرآن وجبر الخواطر ومواساة بعضهم بعضًا.
وإننا إذ نفتي بجواز ذلك نوصي ألَّا يكون الغرض من ذلك هو المباهاة والتفاخر، بل إقامة سُنَّة العزاء، وحصول أجر قراءة القرآن وثوابه للميت، كما نوصي الحاضرين أن يَستَمِعوا ويُنْصِتُوا لتلاوة القرآن الكريم في خشوعٍ وتأدب يليقان بكتاب الله تعالى، وهذا كله مع مراعاة الاشتراطات المطلوبة من الجهات المختصة بالتصريح والإذن في هذا الشأن.
قراءة القرآن الكريم من أجلِّ القربات إلى الله تعالى، فقد بينت السنة النبوية المطهرة أن القرآن الكريم يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه؛ وذلك في قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لأَصْحَابِهِ» أخرجه الإمام أحمد في "مسنده" والإمام مسلم في "صحيحه".
بيان الحكم الشرعي في قراءة القرآن الكريم في سرادقات العزاء يقتضي الكلام على مسألتين:
الأولى: حكم إقامة السرادقات لتلقي العزاء.
والثانية: حكم قراءة القرآن في هذه الحال.
أما إقامة السرادقات -ومثلها دور المناسبات- لتلقي العزاء فأمرٌ مشروعٌ وداخلٌ ضمن ما دلت عليه السنة النبوية المطهرة؛ حيث ثبت جلوسُ النبي صلى الله عليه وآله وسلم للعزاء؛ فيما روته أمُّ المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "لَمّا جاء النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم قتلُ ابنِ حارثة، وجعفرٍ، وابنِ رواحةَ رضي الله عنهم، جلس يُعرف فيه الحزن" متفقٌ عليه، وبوَّب عليه الإمام البخاري بقوله: (باب: من جلس عند المصيبة يُعرف فيه الحزن)، والقصد منها بحسب العرف: استيعاب أعداد المعزين الذين لا تسعهم البيوت والدور.
قال الإمام العيني الحنفي في "عمدة القاري" (8/ 96، ط. دار إحياء التراث العربي): [فيه: جواز الجلوس للعزاء بسكينة ووقار] اهـ.
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني الشافعي في "فتح الباري" (7/ 515، ط. دار المعرفة) في فوائد الحديث السابق: [مشروعية الانتصاب للعزاء على هيئته] اهـ.
وقد نص جماعة من فقهاء المذاهب على مشروعية الجلوس للتعزية وتلقي العزاء؛ استدلالًا بهذا الحديث الشريف، بينما ذهب الجمهور إلى أنه مكروه أو خلاف الأولى دون تحريم.
قال العلامة ابن نجيم في "البحر الرائق" (2/ 207، ط. دار الكتاب الإسلامي): [قال البقالي: ولا بأس بالجلوس للعزاء ثلاثة أيام في بيت أو مسجد، وقد «جلس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما قتل جعفر وزيد بن حارثة، والناس يأتون ويعزونه»] اهـ.
وقال العلامة ابن عابدين في "حاشيته على الدر المختار" (2/ 241، ط. دار الفكر): [(قوله: وبالجلوس لها): أي للتعزية، واستعمال "لا بأس" هنا على حقيقته؛ لأنه خلاف الأولى؛ كما صرح به في "شرح المنية".. (قوله: في غير مسجد): أما فيه فيكره؛ كما في "البحر" عن "المجتبى"، وجزم به في "شرح المنية" و"الفتح"، لكن في "الظهيرية": لا بأس به لأهل الميت في البيت أو المسجد والناس يأتونهم ويعزونهم] اهـ.
وقال الإمام الحطاب المالكي في "مواهب الجليل" (2/ 230، ط. دار الفكر): [فروع: الأول: في الجلوس للتعزية؛ قال سند: ويجوز أن يجلس الرجل للتعزية] اهـ.
وقال الإمام الدَّمِيري الشافعي في "النجم الوهاج" (3/ 88، ط. دار المنهاج): [يكره الجلوس للتعزية.. وقال ابن الفركاح: لا كراهة في الجلوس لها؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لَمّا جاءه نعي زيد وجعفر وابن رواحة رضي الله عنهم جلس يُعرَف في وجهه الحزنُ] اهـ.
وذكر تاج الدين ابن السبكي في "طبقات الشافعية الكبرى" (9/ 313، ط. هجر) أن من اختيارات برهان الدين ابن الفركاح "أنه لا يكره الجلوس للتعزية"، وعقَّب على ذلك بقوله: [وسبقه إلى ذلك والده الشيخ تاج الدين، زاد الشيخ برهان الدين: بل ينبغي أن يستحب] اهـ.