أكد سياسيون ودبلوماسيون أهمية عودة سوريا إلى شغل مقعدها بجامعة الدول العربية، واصفين قرار عودتها بـ"التاريخي الذي أعاد الأمور إلى نصابها الصحيح" باعتبارها دولة عربية محورية، مشيرين إلى أن تلك الخطوة تصب في مصلحة سوريا والعالم العربي.
جاء ذلك خلال ندوة بعنوان "ماذا تعني عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية؟"، والتي نظمتها مؤسسة " كيميت بطرس غالي للسلام والمعرفة"، بالنادي الدبلوماسي.
وفي هذا السياق، رحب وزير الخارجية الأسبق نبيل فهمي، في كلمته، بقرار عودة سوريا إلى الجامعة العربية، معتبرًا أنه يصب في مصلحة سوريا والعالم العربي، موضحًا أنه لا يؤيد من حيث المبدأ فكرة المقاطعة بين الدول العربية لأسباب سياسية، أو العزل الإقليمي من المنظمات الإقليمية، حيث لابد من إيجاد وسيلة للتحاور ومناقشة الخلافات.
وأشار إلى أن ما حدث في سوريا كانت له تداعيات سياسية إقليمية وعربية، وتحملت الدول المجاورة ل سوريا تبعات النزاع وانهيار قدرة الدولة علي مواجهة تنامي الإرهاب في المنطقة، لافتا إلى أن عودة سوريا للجامعة العربية لا تعني أن هناك فائزا أو مهزوما، فالتداعيات كانت جسيمة وهددت منظومة الدولة الوطنية وفككت أوصال المعادلة الاجتماعية في سوريا والمشرق وغرب آسيا.
وطالب وزير الخارجية الأسبق بتسهيل وتشجيع عودة المواطنين السوريين إلى ديارهم، والأخذ في الاعتبار مصالح وقلق جيران سوريا العرب، والتمسك بالتواجد العربي في الجهود الدولية المتعددة حول المسار السوري، الأمر الذي يستدعي عودة سوريا للإطار السياسي العربي عودة كاملة، وليس دورها فقط في الجامعة العربية.
وشدد فهمي على ضرورة إعطاء أولوية للهوية السياسية العربية في الخطاب السياسي السوري وتسهيل بناء الثقة بين سوريا والعرب بالأفعال وليس بالأقوال، مقترحًا إنشاء صندوق خاص تابع للجامعة العربية وبمجلس تنفيذي لاتخاذ قرارات التمويل.
من جهته، شدد ممدوح عباس، رئيس مجلس أمناء مؤسسة (كيميت بطرس غالي) على أهمية سوريا ومكانتها في الوجدان المصري، فضلا عن أهميتها كدولة عربية محورية تاريخيًا وثقافيًا واستراتيجيًا.
وأشار إلى أن الصراع في سوريا يعتبر من أعقد الصراعات التي ظهرت في أعقاب ثورات "الربيع العربي" وأدت إلى واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية التي شهدها العالم منذ الحرب العالمية الثانية، راح ضحيتها ما يزيد على نصف مليون قتيل، إلى جانب أكثر من خمسة ملايين لاجئ وما يقرب من سبعة ملايين نازح، كما تم احتلال أراض سورية من قبل دول وقوى مجاورة.
وذكر بأن قرار الجامعة العربية بعودة سوريا أكد ضرورة اتخاذ خطوات عملية وفاعلة للتدرج نحو حل الأزمة، وفق مبدأ "الخطوة مقابل الخطوة"، وبما ينسجم مع قرار مجلس الأمن رقم 2254 بدءا بمواصلة الخطوات التي تتيح إيصال المساعدات الإنسانية لكل محتاجيها في سوريا.
بدوره، أكد السفير رمزي عز الدين رمزي وكيل أول وزارة الخارجية السابق ونائب ممثل الأمم المتحدة السابق في سوريا، أن الشعب السوري مازال يمر بالمحنة التي فرضت عليه منذ بداية الألفية الثانية من هذا القرن، معتبرًا أن من بين العوامل التي أدت إلى تفاقم الأوضاع كانت مواقف الولايات المتحدة وتركيا وروسيا.
وأضاف السفير رمزي أن الأزمة السورية التي تقاطعت فيها المصالح المحلية مع مصالح دول إقليمية ودولية يجب أن يتم التركيز فيها على المشاكل الإنسانية ويتم ضخ أموال إعادة الإعمار للمدارس والمستشفيات وغيرها من احتياجات السوريين في اتجاه ترشيد خطوات الإصلاح وهذا جوهر سياسة "الخطوة مقابل خطوة".
فيما أكد السفير الدكتور محمد إدريس، مساعد وزير الخارجية والمندوب الدائم السابق لمصر لدى الأمم المتحدة، والذي عمل في البعثة المصرية في دمشق بين عامي 2001 و2005، أن الأزمة السورية أطاحت بكل مكتسبات الشعب السوري الذي كان يستمتع بما سماه بـ"المنتجات الوطنية" والاكتفاء الذاتي من الغذاء والكساء.
من جهته، أشاد المفكر السياسي الدكتور مصطفى الفقي بقرار عودة سوريا للجامعة العربية بعد حوالي 12 عامًا من الغياب وتجميد عضويتها، واصفا قرار الجامعة العربية بـ"التاريخي الذي أعاد الأمور إلى نصابها الصحيح"، خاصة وأن قرارات العزل أو تجميد العضوية أصبحت من قبيل النظريات القديمة، فلا يمكن تجميد عضوية دولة بحجم وتاريخ سوريا.
وأضاف الفقي أن الوقت الراهن والذي يعاد فيه تشكيل المنطقة والعالم يحتاج إلى بيت عربي منظم ومتماسك، ولا يمكن في مثل هذه الأوقات ترك سوريا، لافتًا إلى خصوصية العلاقات المصرية - السورية، قائلا: "لا حرب بدون مصر، ولا سلام بدون سوريا" كما كان يقال دائمًا.
وشارك بالندوة عدد من الوزراء والسفراء السابقين، بجانب أساتذة العلوم السياسية وعدد من المفكرين المصريين، في مقدمتهم عمرو موسى وزير الخارجية وأمين عام جامعة الدول العربية الأسبق، و محمد العرابي وزير الخارجية الأسبق ورئيس المجلس المصري للشئون الخارجية، ومحمد فائق وزير الإعلام الأسبق والرئيس السابق للمجلس القومي لحقوق الإنسان، وأستاذ القانون الدكتور أحمد جمال الدين موسى وزير التربية والتعليم الأسبق، والدكتور علي الدين هلال الأكاديمي البارز ووزير الشباب الأسبق، وأدارت الحوار السفيرة ليلى بهاء الدين المديرة التنفيذية لمؤسسة كيميت بطرس غالي للسلام والمعرفة.
وكان مجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية قد قرر في اجتماعه الطارئ يوم 7 مايو 2023، استئناف مشاركة وفود حكومة الجمهورية العربية السورية في اجتماعات مجلس جامعة الدول العربية، وجميع المنظمات والأجهزة التابعة لها.