أكتب إليكم عن ملايين الأبطال من مرضى الفشل الكلوي، الذين يعيشون على الإستصفاء الدموي أو ما يعرف في المجتمع بـ(الغسيل الكلوي)، وقد لا أستطيع أن أجد كلمات تعبر بقوة عن رحلتهم الصعبة مع هذا المرض اللعين وعن رحلتهم مع العلاج والتجهيز للغسيل الكلوي، ومع الحرمان من الكثير من متع الحياة التي قد نجدها بسيطة، مثل الطعام والشراب وفقاً لمحاذير عديدة.
ولكني أتمنى أن أجد كلمات تعبر عن أحلامهم المشروعة وإحتياجاتهم المهمة التي يمكن أن تتحقق على أرض الواقع بمنتهى السهولة من خلال الحوار الوطني، ولكنها تحتاج أيضاً إلى أن يكون لدينا في المجتمع الوعي الكافي بطبيعة هذا المرض وبطبيعة مرضى الفشل الكلوي الذين يعيشون نصف عمرهم في وحدات الغسيل، بواقع ثلاث جلسات إسبوعياً تستغرق الجلسة الواحدة أربع ساعات.
تتعدد مطالب وإحتياجات مرضى الفشل الكلوي وتختلف وفقاً للخدمات التي تقدم من الوزارات المختلفة في الدولة، وسوف نستعرض سوياً بعض هذه المطالب والإحتياجات التي يمكن تنفيذها عملياً والمرتبطة بالعديد من الوزارات والجهات ومنظمات المجتمع المدني.
الإحتياج الأول
الإحتياج الأول، مرتبط بوزارة الصحة، فهم يحتاجون إلى أن تكون إجراءات تجديد خطاب الغسيل الكلوي الموجه إلى مراكز الغسيل المختلفة أكثر سهولة، وخاصة للمرضى المتعاملين مع الهيئة العامة للتأمين الصحي لأن الوضع الحالي يتطلب من المريض التابع للتأمين إحضار خطاب من جهة عمله موجه للدكتور الممارس العام الموجود في وزارته ليمنحه الدكتور خطاب يتوجه به إلى عيادة التأمين الصحي التابع لها، ويدخل عيادة التأمين ليقف في طابور طويل جداً للتسجيل أولاً في شباك الأرشيف ليسلم الخطاب ويختم دفتر التأمين، ثم يتوجه إلى عيادة إستشاري الكلى وينتظر دوره بعد ذلك في الدخول إلى الإستشاري، ثم يمنحه الإستشاري خطاب موافقة على تجديد خطاب الغسيل يتوجه به المريض إلى الإخصائية الإجتماعية، ثم تكتب له الخطاب النهائي الذي يتوجه به إلى المركز الذي يتعامل معه بعد أن يمر على مدير عيادة التأمين الصحي للحصول على ختم شعار الجمهورية على هذا الخطاب، وبذلك تنتهي رحلة المعاناة التي يقوم بها المريض والتي يكررها مرة كل ثلاثة شهور، فيحلم مرضى الفشل الكلوي بأن يتم تجديد الخطاب مباشرة من مدير عيادة التأمين الصحي ويكون مرة واحدة سنوياً دون الإحتياج إلى كل هذه الرحلة الصعبة الشاقة المضافة إلى صعوبات المرض نفسه، لأن مريض الفشل الكلوي لن تتغير حالته وسيستمر على الإستصفاء الدموي أو الغسيل مدى الحياة، مع العلم أن مرضى الفشل الكلوي التابعون للقرار على نفقة الدولة يقومون بتجديد خطاب الغسيل الكلوي مرة واحدة فقط في السنة.
الإحتياج الثاني «الشق الأول»
الإحتياج الثاني، مرتبط بوزارة الصحة والبرلمان في وقت واحد، وهو يشمل شقين، الشق الأول منه أن يتم إضافة فقرة في قانون التأمين الصحي وقانون العاملين المدنيين بالدولة تمنح المُرافق من الدرجة الأولى للمريض إجازة مدفوعة الأجر من عمله تجدد سنوياً خلال الثلاث أيام الخاصة ب الغسيل الكلوي لمرافقته الدائمة لهذا المريض، لأن البعض قد لا يعرف أن مريض الفشل الكلوي يحتاج إلى مرافق دائم له، سواء في الحياة اليومية لأن يده التي أجرى فيها عملية الوصلة الشُريانية الوريدية لا يمكنه إستخدامها في أي عمل يومي حفاظاً عليها، لإنها تعتبر مصدر الحياة بالنسبة له لإنه يتم توصيله على ماكينة الغسيل الكلوي من خلالها، أو في مرافقته يوم بعد يوم ذهاباً وإياباً من وإلى وحدة الغسيل الكلوي مدى الحياة.
الإحتياج الثاني «الشق الثاني»
والشق الثاني من الإحتياج الثاني، هو أن يتم تعديل واضح في القوانين والقرارات بأن يتحمل التأمين الصحي ثمن جلسة الغسيل الكلوي للمؤمن عليه كاملاً في أي مركز غسيل على مستوى الجمهورية، أي كانت الجهة التي يتبعها هذا المركز وأي كان سعر جلسة الغسيل الكلوي في هذا المركز، لأن المريض حالياً يدفع في بعض الأماكن فرق ثمن جلسات الغسيل بين خطاب التأمين وبين سعر الجهة التي يذهب إليها، صحيح أن هناك مراكز غسيل كلوي كثيرة تُغطي ثمن جلسة الغسيل بخطاب التأمين الصحي دون الإحتياج لدفع فروق مالية، ولكن هذا لا ينطبق على كل مراكز الغسيل الكلوي أي كانت الجهة التي يتبعها هذا المركز، نظراً لأن عدد مرضى الفشل الكلوي كبير جداً على الإمكنيات المتاحة.
الإحتياج الثالث
الإحتياج الثالث، يتبع وزارة التضامن الإجتماعي ووزارة الصحة معاً للموافقة على حصول مرضى الفشل الكلوي على كارت الخدمات المتكاملة ضمن المرحلة الأولى، الذي يقدم إلى ذوي الإحتياجات الخاصة دون أن يكون مريض الفشل الكلوي لديه إعاقة أخرى، ويكون طريقة تقديهم للحصول على الكارت بدون روتين يُصعب عليهم تنفيذه ويكتفي بخطاب من التأمين الصحي أو قرار الغسيل على نفقة الدولة، الذي يفيد بأن هذا المريض هو مريض فشل كلوي مزمن ويعيش على الإستصفاء الدموي نظراً لعدم إحتياجه للدخول في روتين (الكومسيون الطبي)، لأن حالته المرضية واضحة وصريحة وعلى أن يتمتعوا بكل مزايا كارت الخدمات المتكاملة لذوي الإحتياجات الخاصة بما فيها الحصول على سيارة معفاه من الجمارك.
الإحتياج الرابع
الإحتياج الرابع، يتبع وزارة الداخلية في أن تمنح مرضى الفشل الكلوي إعفاء من رسوم إصدار أي من إصدارات الأحوال المدنية، وكذلك الإعفاء من رسوم تجديد تراخيص السيارات ورخص القيادة الشخصية لأنهم مُكبلين بأعباء مادية كثيرة بسبب هذا المرض اللعين، بموجب خطاب رسمي سواء من التأمين الصحي أو قرار العلاج على نفقة الدولة يثبت فيه حالته.
الإحتياج الخامس
الإحتياج الخامس، أن يتم صرف بدل الإنتقال الذي يُصرف لمرضى الغسيل الكلوي سواء التابعين للتأمين الصحي أو القرار على نفقة الدولة، بدون الإحتياج لرفع قضية في مجلس الدولة ليحصلوا على هذا الحق، دون الإحتياج إلى كل هذه الإجراءات وكل هذا الوقت وهم في أشد الإحتياج لكل جنيه يتم صرفه، نظراً لتكلفة الأدوية والتحاليل والفحوصات الطبية التي يقوم بها مريض الفشل الكلوي شهرياً مدى الحياة.
الإحتياج السادس
الإحتياج السادس، أن يكون هناك وعي في المجتمع ومنظمات المجتمع المدني بأن هناك ملايين المصابين بأمراض مزمنة تستحق أن يوجه لهم الإهتمام والرعاية، مثل مرضى الفشل الكلوي.
هناك العديد من أحلام وإحتياجات (الأبطال) مرضى الفشل الكلوي التي يريدون عرضها على الحوار الوطني، وأتمنى أن يكون في المحور المجتمعي للحوار الوطني ممثلاً في لجنة الصحة ورشة عمل خاصة عن إحتياجات مرضى الفشل الكلوي، يحضرها المرضى أنفسهم ليعبروا عن إحتياجاتهم مباشرة، ويسعدني أن أشاركهم في ورشة العمل وأن أنسق معهم توجيه الدعوات لهؤلاء المرضى الذين حملوني أمانة الكلمة في عُنقي لكي أعرض إحتياجاتهم وأحلامهم، أملاً منهم في أن تتحقق من خلال الحوار الوطني الذي فتح الطريق ليس فقط أمام أحلام مرضى الفشل الكلوي، بل أمام أحلام كل المصريين، وأتمنى أن أكون قد وفقت في عرض بعضها وأن تستجيب الأمانة الفنية للحوار الوطني لهذه الإحتياجات الحيوية والهامة لمرضى الفشل الكلوي، ليتم تضمينها ضمن ورش العمل ومحاور النقاش، حتى نستطيع أن نكون داعمين لهؤلاء (الأبطال) من مرضى الفشل الكلوي، الذين أقدم لهم كل التحية والتقدير وسلاماً عليكي يا بلادي في كل وقت وفي كل حين.