إذا شاهدت فيلم "الهروب" للمبدع أحمد زكي، بالتأكيد ستتذكر موسيقى "النواح الصعيدي" التي نستمع إليها في معظم مشاهد العمل، وعلى الرغم إنها تبدو كأنها مجرد موسيقى تصويرية إلا أنها تحمل في طياتها قصة لا يعرفها كثيرون.
تلك الموسيقى أو التي أطلقنا عليها اسم "النواح الصعيدي" هي عبارة عن تسجيل صعيدي مجهول قديم جداً اسمه "غناء صياد الصقور" تم تسجيله في القرن التاسع عشر بواسطة رحالة فرنسي، وعاود تسجيلها في الستينات، الباحث الروماني (تبريو) كعمل احترافي عن الفلكلور في مصر.
لكن المخرج عاطف الطيب والموسيقار مودي الإمام، قرروا أن يأخذونه من وزارة الثقافة الفرنسية سنة 1991 لكي يكون الموسيقى التصويرية للفيلم. وتكون بذلك، خرجت الموسيقى من الصعيد إلى فرنسا، ثم عادت من فرنسا إلى موطنها سوهاج مرة أخرى.
تنويحة صياد الصقور اتسجلت بالظبط في سوهاج، وهو لا يحتوي على كلام غير مفهوم كما يعتقد البعض، ولكنه كان يتحدث عن شخص تائه في الصحراء ويوجه كلامه إلى "بكرته" وهو "الجمل الذي يركبه" عن أنه لا يستطيع أن يعود إلى أصله، وهذا كان حال "منتصر" الشخصية التي كان يقوم بها الفنان "أحمد زكي" في الفيلم.
وكانت كلماتها كالتالي: "بكرتي يا أم الجرس رنانة (في إشارة للجمل).. أفي خوض البحور(الصحراء) ولا حيران(يتعجب من الجِمال التي تمشي في الصحراء الواسعة ومهتدية لطريقها).. خشيت (دخلت) البلد نقرد الطِيراناا (المراد دق على الطار هي آلة للعزف زي الطبلة).. فرحت أنا لما ريت الأهل ( سعيد أني رأيت الأهل) ورانا.. شديت القاعود (ركب الجمل ومشى به) لا بيت ل تعبت من العيا (على الرغم من تعبه من السفر إلا أنه ليس لديه بيت يرتاح به) وصبرت يوم نجيبوا بيت .. وديت (الوداد) سُكنة تبقى هانية لا جيب شيخ البخور لا جيب أنا الدورية همي (اسرعي)... أه يا جملي يا سارك النابي (يضغط على أنيابه وأسنانه) يا شمس غيبي ويا سفاين ( سفن) حلي بلدي بعيدة وخاطري في محلي .. أنا بامدح المليحي (النبي) وامدح قبه خضرا (الحرم النبوي) والمسايك (المسك) ريحي...جيهي جيهي".
أما فيلم "الهروب " فهو يعتبر ملحمة شعبية ليست عادية قام ببطولتها الفنان أحمد زكي وهالة صدقي ومحمد وفيق و عبد العزيز مخيون و أبو بكر عزت، و مجموعة كبيرة من النجوم، وهو قصة وسيناريو وحوار مصطفى محرم وإخراج عاطف الطيب.
ويحكي الفيلم عن ثلاث شخصيات إجرامية جعلت الشاب الصعيدي منتصر يتحول لسفاح ومجرم وهما زوجته "رجوات" التي دخلت مجال الدعارة، ومدحت الذى كان يدير مكتب السفريات ووضع حشيش لمنتصر وبلغ عنه، وثالث شخص هو صديق منتصر القديم الذي خانه وسرق أمواله وأبلغ عنه الشرطة.
وبالطبع فيلم "الهروب" رائعة من روائع أحمد زكي التي قدمها لنا من ضمن تاريخ فني كبير.