"بيت الروبي".. مأزق الخفّة والجدية

"بيت الروبي".. مأزق الخفّة والجديةمحمود عبد الشكور

الرأى11-7-2023 | 13:44

هذه تجربة مختلفة ومهمة فى مسيرة كريم عبد العزيز، الذى يحاول فى أفلامه السينمائية، أن يقدم أفكارا ومغامرات تناسب مرحلة النضج التى بدأت بالجزء الأول من فيلم "الفيل الأزرق"، وفى فيلم عيد الأضحى "بيت الروبي"، الذى كتبه محمد الدباح وريم القفاش، وأخرجه بيتر ميمي، محاولة أخرى مهمة لتناول موضوعات كثيرة، أبرزها تكاتف العائلة فى مواجهة ظروفها، ودور وسائل التواصل الاجتماعي، وتأثيرها السلبى على حياتنا، والعلاقة عموما مع الآخر، الذى يمكن أن يقودنا إلى مشكلات لا حصر لها، وكلها أفكار خطيرة وجريئة.

لكن ظلت مشكلة الفيلم الواضحة، رغم الكثير من مناطق التميز، فى تأرجح معالجته بين الخفة والجدية، هذه المعادلة صعبة للغاية، وتحتاج إلى حرفة عالية فى الكتابة، بينما رأينا فى الفيلم أجزاء ممتازة، وأجزاء أخرى عادية، كما غلب على بعض المشاهد الطابع المسلسلاتي، الذى يدور فى أماكن مغلقة، وعبر حوارات طويلة نسبيا، وإن كان الفيلم قد جمع خيوطه فى النهاية بشكل جيد ومؤثر.

يحسب لكريم، ولفريق الفيلم أنهم أرادوا تحقيق عمل مختلف، كما يحسب عموما للفيلم أن معظم الأدوار رسمت بمعالم واضحة، مع وجود خطوط إنسانية جميلة، وخصوصا فى العلاقات بين أفراد أسرة الروبي، وهى عصب الدراما، وتحديدا تلك العلاقة بين د. إبراهيم الروبى (كريم عبد العزيز)، وشقيقه إيهاب الروبى (كريم محمود عبد العزيز)، والعلاقة أيضا بين
د. إبراهيم، وزوجته إيمان (نور)، وكلها عناصر أساسية فى بناء الحكاية، كما أن رسم ملامح المكان بين عالم جنوب سيناء، الهادئ والساحر والمنعزل، وعالم القاهرة، الفوضوى والصاخب والمزدحم، كان أيضا جيدا، وفيه كثير من التفاصيل المميزة.

يقوم الصراع فى الفيلم على انتقال د. إبراهيم وزوجته وابنه شريف وابنته شمس من مكان إقامتهم فى جنوب سيناء، إلى القاهرة، وذلك فى مهمة عمل لمدة أيام، بناء على طلب إيهاب، شقيق إبراهيم الأصغر، الذى يريد أن يحصل على محل كوافير، تركه الروبى الأب، من أجل أن يستكمل إيهاب مسيرته المهنية، بعد أن عاد فاشلا من الخارج، ومعه زوجته بهيرة (تارا عماد)، المولعة ببث الفيديوهات المباشرة، والتى تنتظر مولودا من زوجها.

من خلال رحلة العودة لولدي الروبى وزوجتيهما، نكتشف الماضى الذى هرب منه د. إبراهيم وزوجته، فقد اتهمت إيمان أثناء عملها كطبيبة بالإهمال، مما أدى إلى موت أم وطفلها أثناء الولادة، ورغم براءتها، إلا أن حملة عبر السوشيال ميديال أجبرتها على ترك عملها، كما ترك زوجها أستاذ الزراعة عمله، وذهبا للحياة فى عزلة بعيدا عن البشر.

العودة من جديد إلى القاهرة، ستعيد الزوجين إلى الاحتكاك بالمجتمع، وسيتورط د. إبراهيم أكثر فى الانفتاح على عالم وسائل التواصل الاجتماعي، وسيجد نفسه رغما عنه نجما يعرفه الناس، بينما يتورط أيضا فى مشكلات شقيقه الكوافير، الذى يعانى من منافسه كوافير آخر فى نفس الشارع، وتتعقد الأحداث بكشف ماضى الطبيبة من جديد على وسائل التواصل الاجتماعي، وتصبح علاقات أسرة الروبى موضع اختبار صعب وخطير.

هنا فكرة ذهبية حقا، كتبت بكثير من الاهتمام، لكن تزاحم فكرة العائلة مع فكرة سطوة السوشيال ميديا مع فكرة مواجهة الماضى والناس، والتحولات بين مشاهد خفيفة وأخرى جادة، كل ذلك أدى الى بعض الإرتباك، ففى مشاهد تبرز تيمة العائلة، وفى مشاهد أخرى تبرز فكرة أهمية مواجهة الماضي، ثم تسيطر فكرة عالم السوشيال ميديا، الذى يمكن أن يدمر حياة الناس، خصوصا أنه عالم جذاب، يمكن أن يحقق الشهرة والثراء من خلال الإعلانات، وعبر مؤسسات تستغل المؤثرين لتحقيق المكاسب والأرباح.

كل فكرة من هذه الأفكار يمكنها أن تصنع فيلما مستقلا، وهو بالطبع أمر طموح للغاية، لكن أثّر بالتأكيد على ضبط المعالجة، ولم ينقذ الفيلم سوى مشهد الذروة، الذى نجح فى تجميع العائلة فى مواجهة مأزق ولادة بهيرة، وفى مواجهة الماضي، والحاضر أيضا، وهذا المشهد من أفضل ما قدمه بيتر ميمى من حيث تكامل عناصره تمثيلا، ومونتاجا (باهر رشيد) وموسيقى تصويرية (خالد حماد).

إلى حد كبير، كان الممثلون فى أدوارهم المناسبة، كريم عبد العزيز بأداء يبتعد عن التهريج، ويمنح اللحظات الإنسانية مع زوجته وأولاده ومع شقيقه الكثير من المشاعر الصادقة، وكريم محمود عبد العزيز بحضوره وخفة ظله وبساطته الآسرة، ولا شك أن الثنائى كريم يمكنهما تحقيق الكثير معا، بينهما كيمياء واضحة، وهما يمتلكان الحضور والسلاسة فى الأداء، ولديهما القدرة على الأداء الجاد المقنع، وعلى أداء المشاهد الكوميدية المرحة.

نور أيضا اجتهدت كثيرا، شخصيتها فى الفيلم ليست بسيطة، كطبيبة تحمل جرحا قديما غائرا من الآخرين، وتحاول أن تستعيد ثقتها بنفسها، الملاحظة الوحيدة على أداء نور هو عيبها الواضح منذ بداية عملها، والذى لم تتخلص منه، وأعنى بذلك طريقة إلقائها العبارات بسرعة، فلا تفهم أحيانا ما تقوله.

قدمت تارا عماد كذلك شخصية بهيرة بكثير من الإتقان، وهى أيضا شخصية لها وجه تافه وسطحي، كفتاة تفرغت لعالم السوشيال ميديا، ولكن تنقلب علاقتها فى المشاهد الأخيرة مع أسرة د. إبراهيم، وتظهر معاناتها المؤثرة كأم فى انتظار طفلها الأول.

أحببت أسرة الروبى بالتأكيد، وأحببت هذا الطموح الفنى فى تقديم فيلم يقول أشياء مهمة للغاية، ولكنى لم أستطع تجاهل هذا الزحام فى الأفكار، الذى يحاكى زحام القاهرة.

لقد كانت المعالجة فى حاجة إلى لون واحد أساسي، ومود عام أكثر انضباطا، وكثير من بساطة عالم جنوب سيناء الساحر، الذى صورته عدسة حسين عسر، بعيدا عن صخب وضجيج العاصمة العجوز، وأهلها الذين يفسدون حياة بعضهم البعض.

كلمة أخيرة عن بيتر ميمي: تستحق تجارب هذا المخرج الموهوب الاهتمام والمتابعة والمناقشة، وأعتقد أن هذا الجهد، وذلك الاجتهاد، سيوصله حتما إلى أعمال أكثر تكاملا ونضجا، وعبر أنواع سينمائية مختلفة، ومن خلال معالجات سينمائية، جذابة وناضجة، من حيث الشكل والمضمون.

أضف تعليق

تدمير المجتمعات من الداخل

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
إعلان آراك 2