د. طارق حجي: التعليم والثقافة والإعلام أسلحة مصر ضد فكر الإخوان "2 - 2"

د. طارق حجي:  التعليم والثقافة والإعلام أسلحة مصر ضد فكر الإخوان "2 - 2"المفكر الكبير الدكتور طارق حجي

يستكمل المفكر الكبير د. طارق حجى حديثه مع "مجلة أكتوبر- بوابة دار المعارف"، ليؤكد فى هذا الجزء من الحوار أن 30 يونيو – التى وصفها بأنها معجزة صنعها المصريون – أصابت المشروع الأنجلو ساكسونى للمنطقة بذبحة صدرية، معرباً عن تفاؤله بفشل هذا المخطط، على الرغم من أنه يحاول تغيير مجراه على حد قوله، ولكنه أشار إلى أن الشرق الأوسط أصبح حالة محيرة للغرب، مؤكداً أن السعودية المعاصرة – على سبيل المثال – ليس فيها مكان للإخوان.

واستبعد حجى ألا يكون الغرب غير مدرك لحقيقة فكر قوى الإسلام السياسى – الذى أكد أنها واحدة وكلها ضد الديمقراطية – ولكنه أشار إلى أن لندن وواشنطن يستخدمان الإسلام السياسى – وفى مقدمته الإخوان – لتحقيق أجندتهما حول العالم، موضحاً أن إنجلترا التى وصفها بأنها تعتبر نفسها أحد الآباء الشرعيين لهذه القوى، استخدمت الإسلام السياسى فى تقسيم الهند عقب استقلالها عن التاج البريطانى سنة 1947، مشيراً إلى أنها أيضاً أنشأت جماعة الإخوان فى مصر فى عام 1928 كبديل للحركة الوطنية المصرية، بتبرع قدره 500 جنيه إسترلينى تم تحويله من السفارة البريطانية لحسن البنا مؤسس الجماعة.

هل يعلم أعضاء البرلمانات فى أوروبا مدى خطورة التيارات الدينية مثل الإخوان على السلم والحضارة العالمية؟

بالتأكيد يعلمون.. لو سألتنى هل نجحت فى كشف حقيقة الإخوان فى إنجلترا؟ سأجيبك نجحت فى البرلمان لكن فى الحكومة الإنجليزية لا، لأنهم مقتنعون أن هناك إخوانا جيدين وآخرين سيئين، لكن فى مجلس العموم الإنجليزى ومجلس النواب الإيطالى هناك أنصار كثيرون لفكرتي، من أن تيارات الإسلام السياسى واحدة وكلها ضد الديمقراطية، ولكن الحكومات مختلفة ولا يمكن أن تساوى ما بين الحكومة الفرنسية والإيطالية والحكومة البريطانية وهى أحد الآباء الشرعيين للإسلام السياسى، فمثلا الهند استقلت سنة 47 وانقسمت إلى 3 دول هى الهند وباكستان وما عرف بعد ذلك ببنجلاديش، بالتأكيد نحن نعرف كيف عمل الإنجليز على ذلك؟ من خلال أبو الأعلى المودودي، ومحمد إقبال ومحمد على جناح الذين استخدموا الإسلام السياسى فى تقسيم الهند القديمة عقب استقلالها حتى لا تصبح مثل الصين، لأنه وقتها كان سيوجد ديناصوران وليس واحدا ونصف مثلما الحال الآن.

هل تقصد أن الإخوان نجحوا فى خداع أمريكا والغرب والظهور أمامهم بمظهر ديمقراطي.. أم أن لندن وواشنطن يعلمان حقيقتهم ولكنهما يستخدمانهم فى تحقيق أجندتهما حول العالم؟

أنا مع السيناريو الثانى وهو أن الغرب من المستحيل ألا يكون مدركاً لحقيقة فكر هؤلاء، إنهم يعلمون جيداً قوى الإسلام السياسى وذلك من أيام بينجامين دزرائيلى رئيس وزراء إنجلترا فى القرن الـ 19 الذى استقر رأى الإنجليز فى عهده على أنه بدلا من إرسال الجيوش لمحاربة المسلمين فى المنطقة يدعهم يحاربون بعضهم البعض، ولكن هذا ليس معناه أنهم اخترعوا الإسلام السياسى فهو موجود من قبل القرن الـ 19 فالأفكار التى بنيت عليها الوهابية موجودة من أيام ابن تيمية وابن قيم الجوزية، وخلافه وقد وجد الغرب فيها أداة مناسبة لتحقيق أهدافهم، ففى اعتقاده أنه يستعملهم كبديل لدماء أبنائه ثم إذا اضطر أن يقضى عليهم بحرب شاملة فسوف يفعل، مع ملاحظة أنه قد لا يضطر لذلك.

لكن بريطانيا هى التى أنشأت الإخوان فى مصر؟

فكرة الإخوان فى مصر لم تنشأ على يد حسن البنا وحده، ففى تاريخ وجود الإخوان مفارقة غريبة فهى أنشئت سنة 1928 وقبلها فى عام 1924 أعلن كمال أتاتورك دولة الخلافة العثمانية وفى سنة 1927 توفى سعد زغلول فى مصر، وكان الإنجليز يريدون بديلا عن الحركة القومية الوطنية المصرية التى هى الوفد المصري، فكان البديل هو حسن البنا الذى لم يكن فى عداء مع الإنجليز إطلاقا، وهناك إثبات بالدليل القاطع حيث إن هناك 500 جنيه إسترلينى تم تحويلها من السفارة البريطانية فى مصر لحسن البنا من خلال شركة قناة السويس وهى تعادل حاليا 500 مليون جنيه إسترلينى، ففى الحقيقة إن الإسلام السياسى و المخابرات البريطانية «ولاد عم» إن لم يكونا أشقاء.

هل ما زال المخطط الأنجلو أمريكى فى استخدام الإخوان للسيطرة على المنطقة قائماً؟ أم أن 30 يونيو قضت عليه؟

كسرته.. ولكنها لم تقض عليه، فليس من طبيعة الإنجليز أو الأمريكان عند خسارة المعركة أن يستسلما، لكن فى نفس الوقت أصبح الشرق الأوسط «حالة محيرة لهم»، الصورة ليست بيضاء ولكنها أيضاً ليست سوداء ففيها ما يجعلنا نتفاءل بفشل المشروع الأنجلو ساكسونى للمنطقة وهناك أسباب عديدة تدعو لذلك منها على سبيل المثال أن السعودية اليوم تختلف تماما عن السعودية سنة 1970 فى علاقاتها بأمريكا والإخوان، تخيل أن السعودية المعاصرة ليست أقل عداء للإخوان من الدولة المصرية وهناك الدور الصينى للوساطة ما بين السعودية وما بين إيران وهو خبر مزعج جداً للغرب، وقد كنت عضواً فى المجلس الأعلى للتعليم فى أبو ظبى عام 2004، وعندما وضعنا فلسفة وسياسة تعليمية للإمارة، طلب «مغير الخييلى» وزير التعليم فى الولاية وقتئذ من الشيخ محمد بن زايد الذى كان وقتها ولى العهد ورئيس الدولة بالإنابة أن يقابلنا فى قصر البحر وبالفعل تمت المقابلة وكنا 10 أشخاص وعندما كان الوزير يقدمنى للشيخ محمد قال له طارق حجى أكثر البشر كراهية للإخوان.. فأجابه سمو الأمير لا بل ثانى أكثر البشر كراهية لهم.. فقلت له هل تقبل سموك أن أسألك ومن هو أكثر شخص كراهية لهم ولماذا؟ فأجابنى أنا، والدليل أن والدى سنة 1953 حارب الإخوان بيديه ومن فوق حصانه عندما حاول إخوان نجد الاستيلاء على أبوظبى التى كانت وقتئذ إمارة صغيرة، وبالتالى فأنا واثق أن محمد بن زايد عدو كبير جداً للإخوان، والسعودية الحالية لا مكان للإخوان فيها، ولذلك أنا متفائل بأن المشروع الأنجلو ساكسونى للمنطقة سوف يصل إلى هزيمة كاملة.

الواقع الثقافى

حضرتك من أهم المفكرين التنويريين المعاصرين فى مصر.. كيف ترى الواقع الثقافى المصرى حاليا؟

أبعد ما يكون عن إرضائى، أنا أؤمن أن وزارة الثقافة فى مصر بأهمية وزارة الدفاع، فكلتاهما لهما دور فى الدفاع عن هذا الوطن.. الأولى تدافع عن الوطن ضد أعدائه الخارجين والداخلين.. والثانية تدافع عن عقل هذا الوطن، كنت ولمدة 20 سنة عضوا فى لجان المجلس الأعلى للثقافة.. واستقلت عندما تولى الوزارة إخوانى.. وقلت لهم وقتها لا أستطيع أن أستمر والوزير إخواني.. كما أن ميزانية وزارة الثقافة متواضعة وهزلية منها 80% مرتبات للموظفين وليس لأنشطة ثقافية وبالتالى لا تقوم بدورها، وهناك الآلاف من الأشياء البسيطة السهلة التى يمكن القيام بها ولكنها فعالة فمثلا عدد القرى فى مصر 4 آلاف قرية تقريبا ولدينا مراكز شباب وقصور ثقافية يقارب عددها هذا الرقم لكن وللأسف لا تقوم بأى دور، لهذا يجب جذب الشباب لهذه المراكز والقصور الثقافية، ويمكن لهذه المراكز فى البداية أن تعرض أفلاما قديمة وسينما مصرية وبمرور الوقت أدمج الثقافة بالتدريج، وفى الحقيقة أن مصر تقوم بالكثير للدفاع عن نفسها ضد ذراع الإخوان ولكنها لا تقوم بنفس الجهد للدفاع عن عقولها من فكر الإخوان وهناك الكثير الذى يمكن أن يقدم من خلال وزارة الثقافة والإعلام وإذا كان الإعلام الورقى قد تراجع - حتى عالميا - فإن الإعلام المرئى لم يتراجع، فهناك الكثير الذى يمكن عمله لحماية المصرى الذى هو فى الحقيقة قابل لرفض الإخوان بسبب وسطيته وطبيعته المعتدلة، ولكن المهم أنك تقوم بدورك فى هذا المجال.. فإذا كانت ميزانية وزارة الثقافة صغيرة وتصرف معظمها كمرتبات للموظفين، فلا تندهش من أن الأثر ليس كبيراً.

مصر إلى أين؟ وهل أنت متفائل؟

بطبيعتى أميل إلى التفاؤل القائم على حسابات، انظر ماذا حدث؟ تخلص المصريون من الإخوان ولو سألتنى قبل 30 يونيو بشهرين عن مدة حكم الإخوان كنت سأجيب 500 سنة، وهذا يعكس أن ما حدث كبير جداً بل يصل لدرجة المعجزة التى صنعها الشعب المصري، هناك أفلام فى كل مراكز الإعلام العالمية أنه كان هناك ملايين من المصريين على كورنيش الإسكندرية وحده وبالتالى فمن وجهة نظرى أن احتمالات أن يكون المستقبل مستنيرا أكبر من العكس، ولكن علينا أن نقوم بواجبنا فى عدة مجالات أولها التعليم.. وثانياً الثقافة.. ثالثاً الإعلام، هذه هى الأدوات التى تشكل وعى المواطن المصرى، وأسمع أن برامج التعليم بها عملية إصلاح كبيرة تجاه ما نريد وهو دولة عصرية والإعلام يجب أن يتحسن لأننى أشعر أحيانا أن الإعلام المصرى عاد للوراء كأنه إعلام الستينيات، وهذا غير مطلوب على الإطلاق وهناك وجوه فى الإعلام ليس من الصعب أن تعرف الدولة أنها غير مقبولة، إن ما حدث فى 3 يوليو شيء عظيم جداً، لكنه يمكن أن يكون مهددا بمواطن أفترس عقله الطرف الآخر إما عن طريق التعليم أو الإعلام أو الثقافة، ولذلك يجب أن نعمل فى هذه المجالات كالعمل فى وزارة الدفاع نفسها.. وخلاصة كلامى أن ما قامت به مصر من خلال وزارة الدفاع يوم 3 يوليو كان تأييدا للثورة وإضفاء الشرعية عليها وحماية المصريين من دموية الإخوان.. وأبرز مثال عليها ما ذكره الشاطر للرئيس السيسي من أنهم سيجلبون 100 ألف من باكستان ضد الشعب المصري.. ولكن دموية الإخوان لم يسمح لها بالظهور.. الحدث الدموى الوحيد كان فى رابعة.. ولولا فض الاعتصام لكانت حدثت فى مصر حرب أهلية.. وأعرف منظمات عالمية كانت تعمل على عدم فض الاعتصام.. وبذل د. البرادعى الذى كان نائب الرئيس وقتها قصارى جهده لعدم فض الاعتصام، وحاول تأجيله كثيراً، مع أنه لو فض الاعتصام قبل ذلك لكانت خسائره أقل.. كان البرادعى يرفض استخدام القوة مع أنه اعتصام مسلح وطالما الاعتصام مسلحا أصبح استعمال القوة واجبا.. ومن يقول بغير ذلك يكون إخوانجيا 100%.. ويعمل لصالحهم.. ولست مستغربا من أن البرادعى يقوم بهذا الدور.. فعندما كان رئيسا للوكالة الدولية للطاقة الذرية.. وسألته أمريكا هل يمتلك صدام حسين أسلحة دمار شامل، فأجاب بالنفي.. ومع ذلك ضربوا العراق، ولم يستقل البرادعى اعتراضاً.. فى حين أن هانز بيلكس المسئول عن تفتيش العراق عن أسلحة الدمار الشامل ونفى وجودها فى العراق استقال فور ضرب العراق.. ولكن البرادعى لم يستقل وكوفئ على ذلك بأن جلس أطول فترة على كرسى رئاسة الوكالة الدولية، ثم حصل على جائزة نوبل فلاشك عندى أنه كان رجل أمريكا فى مصر.

أضف تعليق