حجي: أوروبا تدفع ثمن تبعيتها العمياء لأمريكا

حجي: أوروبا تدفع  ثمن تبعيتها  العمياء لأمريكا المفكر الكبير الدكتور طارق حجي

«نشهد نهاية حقبة القطب الأوحد.. وميلاد عالم متعدد الأقطاب» هذا ما أكده المفكر الكبير الدكتور طارق حجي فى حديثه مع «أكتوبر - بوابة دار المعارف»، مشيرا إلى تحالف روسي صيني هندي؛ لتحقيق ذلك الهدف.. مؤكداً أن حلف الناتو بقيادة أمريكا هيأ الأجواء لل حرب الروسية الأوكرانية منذ عام 2013، وأنه على الرغم من أن واشنطن حققت مكاسب اقتصادية هائلة من ال حرب الأوكرانية إلا أن الفترة القادمة ستشهد تراجعا لأهمية دور الدولار عالمياً، مشدداً على أن أوروبا هى الخاسر الأكبر لهذه ال حرب وستدفع ثمن تبعيتها العمياء لواشنطن، مؤكداً انتصار القوات الروسية عسكريا فى خلال عام ونصف العام من الآن.

وأكد حجي أن 3 يوليو أصبح أهم حدث فى تاريخ مصر الحديث.. مشيراً إلى أن ثورة 30 يونيو معجزة صنعها الشعب المصري، مشدداً على أنها أنقذت مصر من الخراب الذى حل بدول الربيع العربي.. مؤكداً أن المخطط الأنجلو ساكسوني فى المنطقة أصيب بذبحة صدرية بسبب ثورة المصريين، مؤكدا أنه لولا فض اعتصام رابعة لكانت مصر فى حالة حرب أهلية، مشيراً إلى أن البرادعى رجل أمريكا فى مصر.

التقيت مؤخرا رئيس وزراء الهند.. ما أهم ما دار فى اللقاء؟

فوجئت بدعوتي لمقابلة رئيس وزراء الهند.. قبل زيارته ل مصر طلب السفير الهندى مقابلتى، وأبلغني بطلب رئيس الوزراء مقابلتي عند زيارته لمصر.. ضمن مجموعة من الشخصيات غير الحكومية؛ للتعرف على آرائهم التى قد تكون مختلفة عن آراء الحكومات.. وبالفعل التقى عددا منهم – فى لقاءات فردية – من بينهم د. شوقى علام مفتى الديار المصرية.. كان محددا للقاء 12 دقيقة ولكنه استمر ساعة كاملة.. انطباعاتي عن رئيس الوزراء الهندى أنه شخصية استثنائية.. وهو رئيس وزراء واحدة من أقوى 4 اقتصاديات فى العالم.. وهو منتخب لمنصبه – على خلاف سابقيه – ليس من خلال ائتلاف حكومي، ولكن حزبه تمكن من الحصول على 50% فى الانتخابات البرلمانية؛ لذلك فإن يده مطلقة وحرة فى الحكم..

عالم متعدد الأقطاب

وأثناء اللقاء قلت له إننا من مواليد نفس العام 1950.. وبالتالي فقد شاهدنا خلال حياتنا حقبتين سياسيتين.. حقبة القطبين .. المعسكر الشرقى بقيادة الاتحاد السوفيتي .. والغربي بقيادة الولايات المتحدة.. وعاصرنا تلك ال حرب الباردة بكل مقوماتها من سلاح وأعلام وفكر.. تلك الحقبة التى بدأت فى عام 1945، وانتهت سنة 1991 بوفاة الاتحاد السوفيتي، بمعسكره الشرقي.. ومنذ ذلك التاريخ نرى عالم أحادي القطب بكل سلبياته، أخطرها أن أمريكا ترفع شعار «افعل ما أريد».. مضيفا، من الواضح، أننا نشاهد حاليا ميلاد حقبة جديدة متعددة الأقطاب.. الهند ومن قبلها الصين.. وورائها روسيا.. وأنه بالنسبة ل مصر فإن وجود عالم متعدد الأقطاب أفضل من حقبة القطب الواحد، خاصة أن علاقات مصر بقيادات هذا التكوين الجديد ( روسيا والصين والهند) علاقات تاريخية طيبة.. وأنني سوف أكون سعيداً لو شاهدت نهاية حقبة القطب الواحد فى حياتى.. فضحك وقال: إن هذا يحدث، ولكنه لن يحدث فى لقطة واحدة ولكن من خلال عدة تراكمات.. وذكرت له بعد ذلك أنه لا تربطنى بالحكومة المصرية أية رابطة رسمية، ولكن بلدي هى همي الأول، ولذلك أتمنى أن أرى مصر قريباً من أعضاء «البريكس» .. فقال لى: إن هذا سيحدث قريباً.. وذكرت له أن أهمية مصر ليست من ذاتها ولكن من تأثيرها.. ف مصر ذات تأثير كبير على المنطقة التى تتحدث بالعربية، على إفريقيا، انضمام مصر للبريكس سيكون له تأثير كبير جداً على هذه المجموعة وعلى انتشارها فى إفريقيا وغرب آسيا، حيث المجموعة العربية.. وكان يبدي استحسانا كبيرا لهذا الكلام..

تطرق الحديث بعدها إلى تكنولوجيا المعلومات.. وذكرت أن أكبر تجمع لتكنولوجيا المعلومات يوجد فى أمريكا فيما يسمي «وادى السيليكون»، ومع ذلك فإن 66% من العاملين فيه من الهنود.. وأنني أعرف أن أكثر الدول لديها إمكانيات فكرية وموارد بشرية فى مجال الـ “IT” هي الهند.. واقترحت إنشاء «وادى سيليكون» فى مصر، موضحاً له أن الأمر يحتاج إلى عدد قليل من الخبراء الهنود وأن الأيدي العاملة الفنية المصرية للمشروع متوفرة، وأيدت كلامي بإحصائية من الجامعة العبرية فى إسرائيل – وليس من جامعة مصرية قد تكون مجاملة – تؤكد أن مصر هى الدولة الوحيدة فى المجتمعات العربية وإفريقيا، التى تستطيع أن توفر ما بين 10 آلاف إلى 15 ألف فنى تكنولوجيا معلومات فى المنطقة.. وأن هؤلاء سيكونون مادة خام طيبة لبداية المشروع، وأكبر دليل على ذلك أن تقرير الجامعة العبرية التى نشرت الإحصائية، ذكر أن الحكومة الإسرائيلية اقترحت على مصر إنشاء هذا المشروع فى مصر بمهندسين إسرائيليين وفنيين مصريين، وأن الحكومة المصرية رفضت الاقتراح، وأنا أؤيد ذلك وأرى أنه حكمة من الحكومة المصرية، لأنه ليس من المعقول أنه بعد هذه الخصومة التاريخية، أن تعطي عدوك السابق وخصمك الحالي فرصة للحصول على كل هذا الكم من المعلومات، خاصة أننى أرى أن الصلح التاريخي بين مصر و إسرائيل فى الـ 20% الأولى من عمره ولم يصل إلى الصلح الكامل بعد وهناك حساسيات كثيرة وهو مجرد اتفاق «عدم حرب».. واقترحت أن تقوم الهند بتنفيذ المشروع فى مصر، مشيراً إلى الفائدة الكبيرة للطرفين المصرى والهندي.. وأجابني أنه سوف يأخذ اقتراحي مأخذ الجدية، وهذه كانت باختصار المواضيع التى تحدثنا فيها لمدة 60 دقيقة.

ال حرب الأوكرانية

لديكم علاقات وثيقة مع روسيا والرئيس بوتين.. كيف ترى ال حرب الروسية الأوكرانية بعد مرور حوالى عام ونصف العام على اندلاعها؟

هذه ال حرب تبدو للوهلة الأولى أنها روسية أوكرانية بدأتها روسيا، ولكن المؤرخ يعرف بالتأكيد أنها ليست كذلك، فهى حرب بين روسيا وحلف شمال الأطلنطي «الناتو» سعى الأخير بجدية لحدوثها، ولا يمكن أن نتحدث عن هذه ال حرب بدون العودة إلى سنة 2013 .. ونرى كيف هيأ الناتو المسرح للحرب؟ .. سواء بوصول شخص معين لرئاسة الدولة فى أوكرانيا أو بالتسليح.. هذا تنظيري للحدث.. لكني مندهش إلى حد بعيد من الأداء العسكرى الروسي فى هذه الحرب.. وكنت أظن أن القوات المسلحة الروسية قادرة على حسم ال حرب فى شهور وليس فى سنوات.. ولكن الصورة تبدو الآن أن ال حرب ستمتد على الأقل سنة ونصف.. وأتوقع أن تنتهي ال حرب – خلاف لتوقعات الكثيرين – بأن تحصل روسيا على ما تريد.. معرفتى بشخصية الرئيس بوتين، تجعلنى أؤكد أنه لو وضع بين خيارين أحدهما أن يخسر ال حرب أو يبدأ حرب عالمية ثالثة.. فلن يتردد فى اتخاذ الخيار الثاني.. وبالتالى أستبعد أن يقبل بوتين بإنهاء الصراع بشكل فيه نصر لأوكرانيا.. خاصة أنه عسكريا قادر على تحقيق النصر.. ولكنه لا يحارب أوكرانيا.. فكما قلت هو يحارب حلف شمال الأطلنطي.. بريطانيا تتصرف على أنها فى حالة حرب عسكرية.. ألمانيا.. فرنسا بدرجة أقل.. أمريكا هى المحرك الأول لل حرب فى الناتو.. ولكن أحد المتغيرات التى قد تقلب الطاولة تماما هزيمة الديمقراطيين فى الانتخابات الرئاسية القادمة التى ستجري بعد حوالى 15 شهرا .. فإذا وصل ترامب أو المرشح الجمهوري إلى البيت الأبيض ستنتهى ال حرب وقتها بين أيام أسابيع، ترامب بالغ وقال: أنه سينهى ال حرب خلال 24 ساعة من وصوله للبيت الأبيض.. عموماً حتى هذا التاريخ فإن بايدن لم تعد يده طليقة فى تقديم المساعدات بلا حدود لأوكرانيا، خاصة بعد فقدانه الأغلبية فى الكونجرس لصالح الجمهوريين.

أوروبا الغربية كانت أكثر تضرراً من الحرب.. ومع ذلك فهي فى حالة انحياز كامل لواشنطن ضد موسكو.. على الرغم من أن مصالحها الاقتصادية، خاصة الغاز مع روسيا.. كيف ترى ذلك؟

رأينا حالة تبعية لم يتوقعها أحد من جانب أوروبا لأمريكا.. ولكننا الآن نرى علامات تمرد على هذه التبعية، خاصة من فرنسا، وليس هذا بغريب ففى الحقيقة هذا التمرد الفرنسى عمره فوق الـ 60 عاماً.. ديجول له صولات وجولات فى هذا التمرد.. وأظن أن الشهور القادمة سوف تشهد تمردا أوروبيا أكثر بسبب الاقتصاد وتمرد أوروبي سياسي على التبعية المطلقة.. ولكن هذا لن يشمل بريطانيا المتحمسة لل حرب أكثر من أمريكا نفسها..

هل تعتقد أن بريطانيا هى التى تحرك الولايات المتحدة؟

أتفق تماما مع هذا.. ولهذا خرجت بريطانيا من الاتحاد الأوروبي واشتركت مع أستراليا وأمريكا فى تكوين تحالف جديد.. كلهم من حيث الجدود ساكسونيون.. «تجمع ساكسوني».

ما تأثير هذه ال حرب على النظام العالمي الجديد الذي يتشكل حاليا؟

أعتقد أن الأثر الأول سوف يكون الوفاة التدريجية لحقبة القطب الواحد سياسياً واقتصاديا.. ستظهر تجمعات اقتصادية جديدة.. وأعتقد أن مصر ستكون لاعبا مهما – لن أقول رئيسى – فى بعض هذه التجمعات.. كذلك سوف نشهد تراجعا لدور وأهمية الدولار على المستوى العالمى.. وهذا على المستوى الإنساني أمر يسعدني جداً..

كيف تتوقع نهاية هذه الحرب؟

أتوقع سقوط النظام السياسي لزيلينسكي .. هذا النظام لا تبالغ روسيا عندما تصفه بأنه امتداد بشكل ما للنازية.. متطرفون إلى أبعد الحدود.. يحملون كراهية تاريخية لروسيا.. قد لا يعلم كثيرون أن كييف كانت عاصمة ل روسيا قبل موسكو.. وبالتالى كانوا دولة واحدة.. عموماً النظام السياسي لكييف سوف يدمر.. وأعتقد أن المناطق الشرقية فى أوكرانيا ستلحق بروسيا.. وسيكون هناك نظام سياسي متفاهم مع موسكو.. وأعلم أن الكثيرين قد لا يتفقوا مع توقعاتي هذه..

متى يحدث هذا؟

فى خلال سنتين على الأكثر.

بحسابات المكسب والخسارة.. كيف حقق كل طرف من أطراف الصراع مصالحه؟

أولا: كل ما قيل عن خسائر روسيا كان فيه مبالغة.. فأعتقد أن الخسائر التى لحقت ب روسيا أقل بمراحل من التى لحقت بأوروبا الغربية.. أمريكا لم تلحق بها أى خسائر للأسف.. حققت مكاسب اقتصادية بلا حدود.. ولكنى أعتقد أننا سنرى قبل نهاية سنة 2024 صورة مختلفة للعالم السياسى الحالي.. هناك تجمعات جديدة.. وأقطاب مختلفة ومتعددة.. ولا أستبعد وفاة الأمم المتحدة.. تخيل أن الأطراف المتصارعة فى أوكرانيا حاليا هم اللاعبون الرئيسيون فى مجلس الأمن.. أمريكا و روسيا وفرنسا وإنجلترا والصين.. ال حرب بين الـ 5 دول الرئيسية فى المجلس، الذين يملكون حق الفيتو.. اجتماع هؤلاء معا كان نتيجة لحسابات القوى فى عام 1945.. هذه الدول هي التى خرجت منتصرة فى ال حرب العالمية الثانية.. هذه الحسابات تغيرت حاليا.. أنت لا تستطيع الآن الذهاب لمجلس الأمن لمناقشة قرار ضد الحرب.. لأن موسكو سوف تستخدم حق الفيتو .. واحتمال كبير بكين أيضاً.. وأعتقد أن مجلس الأمن لا يمكن أن يستمر أكثر من 3 إلى 5 سنوات قادمة..

ماذا عن أوروبا؟

يقينى أن أوروبا هى الخاسر الأول والأكبر لهذه الحرب.. الخسائر المادية الأوروبية بلا حدود.. أوروبا ستخرج بدرس كبير لكلفة التبعية العمياء للولايات المتحدة..

الدور الصيني

كيف ترى الدور الصيني فى الأزمة؟

الصين تتحرك بهدوء وثقة لأن تصبح القوة الاقتصادية الأولى مكرر فى العالم – حاليا هى القوة الثانية اقتصاديا – وبالتالى تصبح على القمة سياسياً أيضاً، لا أستبعد أنه فى ظرف 20 سنة يكون وجود الصين فى العالم الثالث أقوى بكثير من وجود أمريكا نفسها.. وأتحدث هنا عن الصين وليس روسيا.. لأن روسيا فى الحقيقة ليست اقتصادا قويا.. موسكو لديها جيش قوى .. أكبر ترسانة نووية لكن اقتصاديا أسبانيا وإيطاليا أقوى منها.. ولكن الوضع مختلف مع الصين والهند.. بكين ونيودلهي قوى اقتصادية، وبالتالى ستكون قوى سياسية من الصعب التعامل معها بخفة واستخفاف.. بكين ليس من السهل التعامل معها.. ما يحدث حاليا فى أوكرانيا لو حصل مع الصين فى تايوان، سيؤدي إلى حرب كبيرة جداً .. الصين ليس لديها سبب لقبول إهانة من الولايات المتحدة.. ومع ذلك واشنطن للأسف فى عهد بايدن تبحث عن مشكلة مع بكين .

هل هناك تحالف روسي صيني لتدشين نظام عالمي جديد يحل محل نظام القطب الواحد الأمريكي؟

إلى حد بعيد نعم.. ويمكن إضافة الهند إليهما ليصبح تحالف ثلاثى.. وفى رأيى أن الهند اقتصاديا أهم من روسيا، وصاحبة مصلحة كبيرة جداً فى ألا تكون دولة تؤمر أمريكيا.. الصين والهند تجاوزوا ذلك.

كرئيس لمدة 10 سنوات لمجلس إدارة إحدى أهم شركات البترول العالمية.. كيف تقيم الأزمة الاقتصادية التى نتجت عن ال حرب الأوكرانية.. وما توقعاتكم لما قد تنتهى إليه؟

الحقيقة أن ال حرب سرعت نسبياً بانتهاء دور البترول، وتعاظم دور الغاز الطبيعى فى العالم.. كنت أتوقع هذا ولكن على مدى زمنى أكبر، لكن ال حرب عجلت بحدوثه.. الاهتمام بالغاز الطبيعى أصبح أكبر بكثير من 10 سنوات مضت.. ومن حسن حظ مصر أنها إذا كانت دولة بترولية صغيرة وعجوز.. فإنها دولة غازية متوسطة الحجم، وشابة.. وهذا يصب فى مصلحتها.

معجزة صنعها المصريين

احتفلت مصر فى الأيام الماضية بمرور 10 سنوات على ثورة 30 يونيو.. كيف ترى هذه الثورة التى نجح فيها الشعب المصرى فى إنهاء حكم الإخوان؟

كتبت مقالة نشرت بأربع لغات أوروبية بجانب العربية، يوم 30 يونيو قلت فيها «لدي الجرأة ما يسمح بأن أقول إن ما حدث يوم 3 يوليو سنة 2013، وهو ثمرة 30 يونيو 2013، أهم حدث فى تاريخ مصر الحديث» .. لا أعتقد أنه منذ أيام محمد على شهدت مصر حدثاً بمثل هذه الأهمية.. حتى انتصار 73.. لماذا؟ لأننا عندما نضع خريطة المنطقة أمامنا سوف نجد أن الخراب قد حل فى معظم دول الربيع العربي.. سوريا.. العراق.. اليمن.. ليبيا.. وبشكل أو بآخر السودان وتونس.. بينما أقل دول الربيع العربي تضرراً كانت مصر.. فلماذا؟ لأنها يوم 3 يوليو قد خرجت من مسيرة الربيع العربي أو بمعنى أصح خرجت مما أريد لها من صانعي هذا الربيع.. 30 يونيو أنهت الخراب، الذى حل بهذه الدول فى مصر.. ولكن لأنني عاشرت الإنجليز كثيراً فأنا أحب أن أذكر مع الإيجابيات السلبيات أيضاً.. فإذا كانت ثورة 30 يونيو، التى توجت بما حدث فى 3 يوليو هى الحدث الأهم فى تاريخ مصر الحديث.. فإنه على الجانب الآخر فال حرب مع الإخوان لها بعدان، بعد سياسى خاص بالحكم.. والآخر فكري ثقافي.. وفى البعد السياسي فقد مني الإخوان يوم 3 يوليو 2013 بضربة قاصمة.. ولكن فى البعد الثقافي فإن فكر الإخوان يحتاج هو الآخر إلى حرب لا أزعم أنها غير موجودة، ولكنها ليست على المستوى الذى أرنو إليه.. ثقافة الإخوان فى غاية الخطورة.. ولديهم منابر، وللأسف تستعمل منابر بعض المساجد كمنابر لفكر الإخوان.. لدينا فى مصر حوالى 200 ألف مسجد، لو 10% فقط من هذه المساجد ذات نزعة إخوانية من الباطن، فنحن فى خطر.. لأن 200 ألف مسجد فى 52 أسبوعا فى السنة.. يعني حوالي 10 ملايين خطبة سنويا. وللأسف ليس لدينا منابر موازية لفكرهم.. الجميع يعلم ما الذى حدث للثقافة الورقية.. هناك تراجع فى توزيع الجرائد والمجلات ليس فى مصر فقط ولكن فى العالم أجمع.. الإخوان انهزموا يوم 3 يوليو ، ولكن تبقى المعركة معهم فكرياً.. وهو أن يلفظ المصريون فكر الإخوان ثقافياً.. وهذا يحتاج إلى عمل دؤوب.. قد يكون قد بدأ.. ولكن ليس بالقدر الكافى.. سواء فى مناهج التعليم أو المنابر الثقافية والإعلامية.. هناك الكثير الذى يمكن أن يفعل من أجل جعل الإنسان المصري محصنا ضد هذا الوباء..

هل أنهت 30 يونيو ما يسمى بالربيع العربي.. أم أن القوى التى كانت وراء هذا المخطط ما زالت تسعى لتنفيذه حتى الآن؟

عملياً المشروع أصيب بذبحة صدرية كبيرة، ولكنه غالبا لم يمت.. فعندما يقول بايدن مؤخراً: إنه سوف يرسل نائبة وزير الخارجية الأمريكي ل مصر بدعم قدره حوالي 800 مليون دولار للقوى الديمقراطية فى مصر.. فأنا يجب أن أفهم هذا على أن الربيع العربي لم ينته؛ لأن ما يقصده بايدن بالقوى الديمقراطية يختلف عن تعريفنا لهذه القوى.. هو يقصد المعارضين للدولة.. خصوم النظام وعندما ترسل الولايات المتحدة معونة كبيرة بالملايين إلى خصوم النظام.. فهذا معناه أن الربيع العربى لم يمت ولكنه يغير مجراه، خاصة أن عددا كبيرا من هؤلاء الخصوم لا يمكن قبوله بالضمير الوطني السليم.

هل تقصد أن الديمقراطية تتنافى مع الإخوان؟

بصورة كاملة تماماً.. سوف أحكي قصة ذات معنى.. ألقيت محاضرات عن الإخوان فى البرلمان الإنجليزي بمجلسيه اللوردات والعموم 11 مرة.. وفى إحدى هذه المحاضرات التى كانت مشتركة بين المجلسين، قالوا لى يومها أنك تقف اليوم هنا فى نفس المكان الذى تحدث فيه مندوب الإخوان أمس.. فقلت لهم لم أكن أعرف أن مندوب الإخوان كان هنا بالأمس، وبالطبع لم أسمع ما قال؟ ولكني أستطيع أن أقول لكم ماذا قال؟ وكان ورائي سبورة فكتبت عليها لقد أكد المندوب أن الإخوان ليسوا فى حالة حرب مع الحضارة الغربية.. الإخوان ليسوا لهم موقف رافض لوجود إسرائيل.. ثم سألتهم هل تريدون المزيد.. فأجابونى بالإيجاب.. فقلت لهم أن المندوب أكد أن الإخوان غير رافضين للمثلية الجنسية.. فأكدوا أن هذا ما حدث بالفعل، وسألوني كيف عرفت؟ فأجبتهم أن مندوب الإخوان كان يقول ما تريدون أن تسمعوه.. كي يخدعكم.

وأضفت يجب أن نثق تماماً أنه لا يوجد فرق اسلام سياسى.. كل هذه الفرق تتباين تكتيكيا.. وليس استراتيجيا.. كما أن كلمة «مصر» ليس لها معنى فى أدبيات الإخوان.. مجرد حفنة تراب.. هذه كلمة سيد قطب .. وهذه هى طريقة تفكيرهم. المواطن البنجلاديشي المسلم أقرب إليهم من المسيحى المصري.. شخصياً بعد 40 سنة من الكتابة عن الإخوان المسلمين والإسلام السياسي أرى أن كل فرق الإسلام السياسي قد تتباين تكتيكيا، ولكنها استراتيجيا صورة طبق الأصل.. الهدف واحد.. إقامة دولة الخلافة، وتحاول التوسع قدر الإمكان .. يحلمون بفكرة السيطرة على العالم.. هذه الفكرة هى التى حكمت عقلية اتباع ابن تيمية قرابة ألف سنة.. السيطرة على دول مثل السويد والنرويج، حتى ولو كان هذا من خلال الهجرة.. والمشهد العالمي فيه الكثير من المفاجآت المستقبلية.

أضف تعليق

خلخلة الشعوب و تفكيك الدول

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
إعلان آراك 2