د. جمال شقرة: القوى المدنية ومحاولات الاختراق أهم العقبات التى واجهت «الضباط الأحرار» فى بداياته

د. جمال شقرة: القوى المدنية ومحاولات الاختراق أهم العقبات التى واجهت «الضباط الأحرار» فى بداياتهالدكتور جمال شقرة أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بـ جامعة عين شمس

واحد وسبعون عاما مرت ولا تزال ثورة 23 يوليو 1952 تحوى العديد من الأسرار والقضايا التى يشوبها الغموض، وتحتاج إلى الكثير من التحليل لتوضيح المراحل التى مرت بها وأهم العقبات التى واجهتها وأهم قراراتها وما تتعرض له من تزييف وكذلك ما حققته من إنجازات، التقت «أكتوبر- بوابة دارالمعارف» بالدكتور جمال شقرة أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بـ جامعة عين شمس، والذى يعد أهم من أرّخ لـ ثورة 23 يوليو 1952 بالدراسة والتحليل، وهو أول من اطلع على وثائق منشية البكري، وإلى نص الحوار.

بعد مرور 71 عاما ما تقييمك لثورة يوليو 1952؟

تعتبر ثورة يوليو أعظم ثورة فى تاريخ مصر المعاصر، حيث نجحت فى القضاء على نظام الملكية الذى فشل فى تحقيق الاستقلال ومعالجة الأزمات الاقتصادية التى كان يعانى منها الشعب المصري، ونجحت فى تحجيم الرأسمالية الاحتكارية التى كانت تتحكم فى الاقتصاد والسياسة، كما حققت مبادئ البناء التى وعدت بها الشعب المصرى فلم يأت الضباط الأحرار بأهداف من بنات أفكارهم فهم أبناء الشعب، كذلك نجحت الثورة فى تخفيف الفجوة بين الطبقات، فمن يدرس وضع المعدمين وفقراء الفلاحين ومتوسطى الفلاحين مقارنة بوضع كبار الملاك يعرف أن المجتمع كان ظالما، أهم ما يميز ثورة يوليو أن تنظيم الضباط الأحرار لم يكن ينتمى لأى قوى سياسية مدنية وكان الزعيم الراحل جمال عبد الناصر دائما ما يؤكد أن تنظيم الضباط الأحرار هو تنظيم وطنى ليس له أى علاقة بأى قوى سياسية.

أهم العقبات التى واجهت التنظيم فى بداياته كيف واجهوها؟

كانت القوى المدنية والسياسية هى أولى العقبات التى واجهت الضباط أثناء الإعداد للحركة لذا قرر الضباط الابتعاد عن القوى المدنية والتحرك بدونها وكانت العقبة الثانية هى محاولات جماعة الإخوان اختراق التنظيم إلا أن عبد الناصر كان رجلا ذكيا يعلم أن أهداف الضباط لن تلتقى مع أهداف الجماعة، فهم يريدون دولة دينية والخلافة وهى فكرة وهمية خلاف عبد الناصر الذى كان يؤمن بمبدأ الدولة المدنية وكان الإخوان متآمرين مع الاستعمار وممولين منه أما عبد الناصر فكان رافضا لفكرة الاستعمار فاتخذ قرارا مهما وهو ألا ينتمى الضباط الأحرار لأى جماعة أيدولوجية سواء إخوانية أو ماركسية.

كان للضباط الأحرار ميثاق أو قرارات داخلية تحكمهم.. فى رأيك ما أهم تلك القرارات؟

اتخذ الضباط الأحرار قرارين فى منتهى الأهمية فى المرحلة المبكرة من الثورة، الأول عدم اللجوء للاغتيال السياسى لأن المشكلة أكبر من الاغتيال السياسى لذلك لجأوا إلى التخطيط للثورة وكان التاريخ المحدد للثورة 1955 والقرار الثانى ألا يستخدموا العنف ضد أى مصرى يخرج فى تظاهرة مؤيدة للملك لكن كان العمل على تحريك الشارع وتجهيزه بالمنشورات السياسية والتجهيز حتى عام 1955 لطرد الإنجليز من مصر.

كمؤرخ كيف تقيّم التأريخ للتنظيم فى بداياته؟

التأريخ للتنظيم صعب لأن أوراقه كانت تحرق أولا بأول عند انتهاء الاجتماعات ولكن بقيت بعض المنشورات وشهادات الشهود من أعضاء مجلس قيادة الثورة نورت لنا الطريق كما أننى قابلت العديد من أعضاء مجلس قيادة الثورة وكذلك قيادات الجماعة الإرهابية والمنتمين إلى التنظيم الماركسي.

ماذا كانت علاقة جماعة الإخوان بمجلس قيادة الثورة والضباط الأحرار؟

كان هناك صراع خفى بين جماعة الإخوان وبين مجلس قيادة الثورة؛ لأن الجماعة تريد أن تحكم من خلف الستار، الأمر الذى رفضته قيادة الثورة تماما، وقد حاول تنظيم الإخوان أن يخترق مجلس قيادة الثورة لكنه فشل فشلا ذريعا لأنهم كانوا ضباطا وطنيين لا ينتمون سوى للوطن. وقد صرح عبد الناصر بأن الإخوان يريدون الدولة الدينية، وهو يريد الدولة المدنية ولذلك فإن الطرفين لن يلتقيا وكانت محاولة اغتيال جمال عبدالناصر عام 1954، كانت بمثابة الجولة الأولى فى صراعه مع جماعة الإخوان إلا أن الإخوان فشلوا.

أهم القرارات التى اتخذها مجلس قيادة الثورة؟

كانت قرارات الخامس من مارس قرارات ديمقراطية تمت بمنتهى الحنكة والحكمة؛ لأن تلك القرارات كشفت الضباب الذى يحيط بالحركة السياسية فى مصر كما قال عبد الناصر نفسه ذلك والتى كانت أهم قراراتها اتخاذ إجراءات فورية لعقد جمعية تأسيسية تنتخب بطريق الاقتراع العام المباشر وتكون مهمتها مناقشة مشروع الدستور الجديد وإقراره والقيام بمهمة البرلمان حتى يتم عقد البرلمان الجديد وفقا لأحكام الدستور الذى ستقره الجمعية التأسيسية.

فى رأيك ما أهم ما أسست له ثورة يوليو؟

أهم ما أسست له ثورة يوليو هو ابتعاد الجيش عن القوى السياسية والمدنية ومنع تسييس الجيش، فقد نجح الضباط الأحرار فى بناء جيش قوى وهو الجيش الذى حمى مصر من المؤامرات الصهيوأمريكية، والذى يحمينا الآن من الجماعات الإرهابية ومن مخططات إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط.

تتعرض ثورة يوليو للتزييف والتشويش.. فما أشهر هذه المحاولات؟

أشهر ما تتعرض له ثورة يوليو من تزييف هو الادعاء بأن مصر قبل الثورة كانت فى عصرها الذهبى فى حين أن الحقيقة أن الفلاحين كانوا حفاة عراة يجرون إلى الأرض للزراعة بها بالسخرة لصالح الأسر الإقطاعية وكانت الفترة ما بين 1923 و1952 هى فترة فشل الدولة المصرية وكانت الدولة مهددة بالضياع وسط صراعات دولية وأزمات سياسية واجتماعية فى الداخل من فساد إدارة وملك مستهتر وعلى رأس تلك الأزمات فشل الدولة فى تحقيق الاستقلال والحرية للشعب المصرى وفشلت فى حل الأزمة الاقتصادية الاجتماعية أو طرح مشروع قومى لمعالجة ظاهرة الحفاة وهو أمر مذل ومهين للكرامة المصرية.

كما أن هناك ادعاء بأن اللواء محمد نجيب لم يشارك فى الحركة وهو غير صحيح حيث كان نجيب يعلم بأمر الحركة إلا أن تحركاته كانت محدودة نظرا لحساسية رتبته فى ذلك الوقت وحرصا على عدم انكشاف أمر التنظيم.

كذلك روج الإسرائيليين إلى أن تنظيم الضباط ما هو إلا رد على هزيمتهم فى حرب 1948 إلا أن الحقيقة أن الضباط الذين شاركوا فى حرب 1948 والمقصودين بذلك عددهم 9 وهو ما عرف بسر الضباط التسعة وكان هؤلاء التسعة يجتمعون فى بيوتهم بعد عودتهم من الحرب ويقررون أو يناقشون الأحوال السياسية وموقف القوى السياسية من إخوان ومنظمات ماركسية والحزب الاشتراكى وحزب الوفد.

كيف كانت ترى القوى العظمى مصر فى ذلك الوقت؟

أشارت التقارير الاستخبارية الأمريكية إلى أن الدولة المصرية تنهار وأن الملك فاشل ونحن لا نستطيع ترك مصر تنهار مما يؤكد خوف أمريكا من تدهور الأوضاع فى مصر خاصة فى ظل التنافس مع الاتحاد السوفيتى، فمصر بالنسبة للقوى الدولية رمانة الميزان فى المنطقة لذلك كانت أمريكا تخشى من سوء الأوضاع ومن قيام ثورة فكان الوضع كما وصفه الأمريكان «زفت» ولا بد من ثورة وكانت خصوصية ثورة يوليو أنه لا يمكن للقوى والأحزاب السياسية أن تقوم بثورة والقادر الوحيد على القيام بثورة هو الجيش.

ما أهم الوثائق التى تم الكشف عنها وأرّخت لثورة يوليو؟

كان لى الحظ أن أطلع على أرشيف منشية البكرى أكثر من مرة وهو الأرشيف الذى نقل من منزل الزعيم الراحل جمال عبد الناصر بعد وفاته إلى قصر سرايا القبة، ثم إلى قصر عابدين فى كراتين كبيرة مكتوب عليها الأرشيف السرى للرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وعندما تعاملنا معها أدركنا أنها وثائق أرشيف منشية البكري، وهى وثائق تخص ثورة يوليو فى المقام الأول، وهى فى قصر عابدين حتى الآن.

ما أبرز الوثائق التى لفتت نظرك والموجودة فى أرشيف منشية البكري؟

الأرشيف الذى كان ناصر يحرص عليه هو أرشيف شكاوى الجماهير ورسائلهم إلى عبد الناصر والتى تحوى آلاف من الرسائل التى أرسلت من مختلف طبقات وفئات الشعب من المثقفين والعمال والفلاحين والمعدمين فى الريف والمدينة وتنوعت حسب مطلب كاتبها.

ما أهمية وثائق منشية البكري؟

هى مصدر غنى لدراسة أوضاع مصر الاقتصادية والاجتماعية، وتتضمت رسائل الجماهير إلى جمال عبد الناصر وكان هناك نوع من الرسائل يحمل سبا وتجاوزا فى حق الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، لدرجة أن القائمين على أرشفة الوثائق أطلقوا عليه اسم «البريد الأسود» أى البريد الذى كتب بأسلوب غير لائق فى خطابات الرئيس ولم يكن يحمل بالطبع أسماء حقيقية وكان يحمل توقيعات وهمية وكانت تلك الخطابات تتهم الرئيس بأنه فاسد ومن تلك الاتهامات أن لكل واحد من أبنائه عربة وتليفزيون خاص به، وكان الرئيس عبد الناصر يتعجب عند قراءة تلك الرسائل ويندهش من هذه الأكاذيب.

كانت للثورة أهداف اقتصادية فإلى أى مدى نجحت الثورة فى تحقيقها؟

نجحت ثورة يوليو فى تحقيق تنمية اقتصادية معتمدة على الذات، وأكبر دليل أن ناصر ترك لنا آلاف المصانع، بالإضافة إلى اكتمال مشروع بناء السد العالي، والكثير من المشروعات الاقتصادية التى حملت معها نكهة اجتماعية كمشروع الملكية الزراعية وغيرها، وتحقيق نهضة صناعية كبيرة بينها مصانع الحديد والصلب وغيرها من الصناعات.

ما الفارق بين ثورة يوليو وثورتى يناير ويونيو؟

ثورة يناير خرجت من رحم ثورة يوليو، فالثوار الحقيقيون الذين خرجوا فى الميادين ضد نظام مبارك كان قد فاض الكيل بهم نتيجة لسياسات الانفتاح الاقتصادى التى طبقها السادات والخصخصة التى طبقها مبارك، ونتيجة لسيطرة رجال المال والأعمال وحالة التآكل والتهميش التى بدأت تتعرض لها الطبقات المتوسطة، ولكن هذه الانتفاضة استغلتها جماعة الإخوان وحولتها لخدمة مصالحها وكانت النتيجة صعود محمد مرسى للحكم وهى سنة سوداء فى تاريخ مصر وهنا سنلاحظ أن موقف ثورة يوليو من جماعة الإخوان تكرر فى ثورة 30 يونيو فقد خرج الشعب رافضا هيمنة جماعة الإخوان على الدولة وأن تقع مصر تحت الحكم الفاشى فكانت ثورة يونيو لتصحيح مسار ثورة يناير وإبعاد الجماعة الدموية عن السلطة.

أضف تعليق