خطة طوارئ للبيت الأبيض تحسبا لتدمير أكبر مصنع للرقائق في العالم في حالة غزو تايوان
القيود المفروضة على الصين ستضرب الصناعة الأمريكية وتعرض ريادتها التكنولوجية للخطر
تعتبر أشباه الموصلات أو الرقائق ضرورية لكل جهاز حديث، من الهاتف إلى أنظمة الدفاع المتقدمة، ناهيك عن الآلات المتقدمة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي، وقد دخلت "حرب الرقائق" بين الولايات المتحدة و الصين حالة من التردد العنيف، إما استقرار سياسي لإنفاق المليارات على تطوير الصناعة استجابة لدعوات "كثير من الماء" وإما صراع ومنافسة حامية وسط دعوات إلى نهج "ساحة صغيرة وسياج مرتفع". فلمن الغلبة؟
وفقًا لتقرير نشرته وكالة "بلومبرج" الأمريكية، شهدت واشنطن اجتماعات لكبرى الشركات الأمريكية، حضرها بات جيلسنجر من شركة إنتل Intel، وجنسن هوانج من شركة نفيديا Nvidia، وكريستيانو آمون من شركة كوالكوم Qualcomm، حذروا فيها من خطورة سيطرة الولايات المتحدة على صادرات الرقائق؛ لأنها ستؤثر على الهيمنة الأمريكية في صناعة أشباه الموصلات.
واتجهت الولايات المتحدة إلى السيطرة على صادرات الرقائق إلى الصين بسبب مخاوف واشنطن من التهديدات على الأمن القومى، واتهام بكين بالوقوف خلف الجاسوسية الإلكترونية. واستهدفت إدارة بايدن صادرات الرقائق من تلك المصنوعة خصيصًا للسوق الصينية. ووقعت صناعة الرقائق فى أكبر اقتصاد فى العالم بين التوترات المتزايدة بين واشنطن وبكين.
النفط الجديد
وجاءت خطة طوارئ مزعومة للبيت الأبيض للتوسع في مصانع الرقائق وفرض قيود على الصين؛ تحسبا لتدمير أكبر مصنعا للرقائق في العالم في تايوان في حالة الغزو الصيني، بسبب مضيق تايوان والنزاع في بحر الصين الجنوبي، ونشرت صحيفة "ساوث تشاينا مورنينج بوست" الصينية، في أكتوبر الماضي عنوانًا رئيسيًا، "الرقائق هي النفط الجديد وتايوان هي المملكة العربية السعودية الجديدة".
ولم تقف الهند متفرجة في سوق أشباه الموصلات العالمي، فقد وضعت نيودلهي نفسها كلاعب جديد في مجال تكنولوجيا أشباه الموصلات بشراكة تكنولوجية مهمة مع الولايات المتحدة ولعل أحد العناصر الأساسية في الشراكة هو التصميم على تنويع سلسلة توريد أشباه الموصلات العالمية، التي تقع في قلب التنافس بين القوتين الاقتصاديتين الأولى والثانية فى العالم، الولايات المتحدة والصين.
ودعا مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، المديرين التنفيذيين في شركات أشباه الموصلات إلى إتباع نهج يجب أن يكون "ساحة صغيرة، وسياجًا مرتفعًا"، بمعنى أن يكون حجم انتقال الرقائق صغير جدا وسط إجراءات رقابية مرتفعة، لكنه أضاف أن فعالية هذا النهج محدودة.
تحذيرات جيلسنجر
ودافع سوليفان عن تصرفات إدارة بايدن، قائلا، في منتدى آسبن الأمنى: "إن الإجراءات ليس لها أي تأثير فعلى على التجارة بين الولايات المتحدة و الصين لمعظم تجارة أشباه الموصلات.. الغالبية العظمى من مبيعات الرقائق التي صممتها الولايات المتحدة للصين استمرت بلا توقف حتى يومنا هذا".
وتحصل شركات مثل Qualcomm على أكثر من 60 % من عائداتها من الصين، حيث توفر المكونات لصانعي الهواتف الذكية مثل Xiaomi. وتحصل شركة Nvidia، على 22 % من مبيعاتها السنوية من الصين. وتمثل المبيعات في الصين خمس إجمالي المبيعات العالمية لشركة Intel.
من جهتها، ترى الصين أن تحذير بات جيلسنجر، الرئيس التنفيذي لشركة إنتل، من أن مشاريع مثل مجمع مصنع إنتل المخطط له في أوهايو ستكون أقل أهمية بكثير إذا لم "تتوقف" إدارة بايدن عن فرض قيود جديدة على صادرات الرقائق إلى الصين، ووصفت التحذير بأنه "صرخة إنذار صاخبة"، حسبما أفاد تقرير لصحيفة " الصين اليوم".
قيود على التكنولوجيا
وأكد التقرير الصيني، أنه على الرغم من أن مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، قال إن القيود كانت محدودة، فإن جيلسنجر والرئيسين التنفيذيين لشركتي Nvidia وQualcomm، طالبوا إدارة بايدن بدراسة تأثير القيود؛ لأنها تضر بالصناعة الأمريكية.
ووصف التقرير الصيني إدارة بايدن متهكما بأنها "التنين الذي يحرس كنوز أمريكا"، حيث يدعى سوليفان أن إدارة بايدن "ستستمر في فرض قيود محددة للغاية وموجهة للغاية على التكنولوجيا".
وأشار التقرير إلى تأكيد الرؤساء التنفيذيين لأكبر ثلاث شركات رقاقات أمريكية على أن القيود لم تحقق النتيجة المرجوة لإبطاء تطوير الصين للذكاء الاصطناعي، مشيرين إلى أن الصين تملك البرمجيات التي تستطيع تعويضها عن العقوبات، وأن القيود ستضرب المحصلة النهائية للصناعة الأمريكية وتعرض ريادتها التكنولوجية للخطر.
وأكد المسئولون الأمريكيون أنهم مقتنعون بمقولة ستيف جوبز، الرئيس التنفيذي الراحل لشركة أبل، للرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما قبل عقد من الزمان: "الوظائف لا تعود"، وأن وعود إدارة بايدن بأنها ستعيد صناعة الرقائق إلى الوطن لم تؤد إلا إلى جعل الشركات الأمريكية الرائدة في الصناعة تعانى أضرارًا جانبية ودفعت عولمة إنتاج الرقائق.
تنظيف الألواح
وبقول كريس ميللر، أستاذ التاريخ في جامعة تافتس فى ماساتشوستس ومؤلف كتاب "حرب الرقائق Chip War": إن صناعة رقائق البطاطس يحتاج إلى كميات مياه أقل مقارنة بزراعة محصول البطاطس نفسه، أو المياه المستخدمة في توليد الطاقة الكهربائية. ولكن صناعة أشباه الموصلات تحتاج إلى المياه للحفاظ على رقاقات السيليكون خالية من أصغر بقع الغبار لمنع تلوث مكوناتها المجهرية.
ويلعب الماء دورًا أساسيًا في تنظيف الألواح أو رقائق السيليكون، التى يتم تقطيعها ومعالجتها للتحول إلى شرائح كمبيوتر. وقد يستخدم المصنع الواحد ملايين الجالونات فى يوم واحد، وفقًا لمركز جورجتاون للأمن والتكنولوجيا الناشئة (CSET) - حوالى نفس كمية المياه التى تستخدمها مدينة صغيرة فى العام.
ولا شك أن صناعة الرقائق، أثارت التوترات السياسية بشأن الموارد المائية على المستوى الوطني في تايوان، حيث استخدمت شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات TSMC المياه المخصصة للزراعة، وأثار الجفاف غضب المزارعين المحليين، الذين رأوا أنظمة الري الخاصة بهم مغلقة، من أجل صناعة الرقائق.
ويتطلب بناء مصنع أشباه الموصلات كميات هائلة من المياه والطاقة، ثم بعض الآلات الأكثر دقة على الأرض للعمل، وهو السبب الذي دفع الكونجرس الأمريكي إلى تخصيص أكثر من 50 مليار دولار؛ لتعزيز إنتاج الرقائق الأمريكية فى محاولة لجعل البلاد أكثر استقلالية من الناحية التكنولوجية وعدم الاعتماد على الصين.
وشملت خطة شركة إنتل intel الطموحة لبناء مصنع ضخم بقيمة 20 مليار دولار تأسيس محطة مياه رابعة فى منطقة تحتوى بالفعل على ثلاث محطات مياه توفر مجتمعة 145 مليون جالون من مياه الشرب كل يوم، لاستيعاب شركة إنتل.
وتستخدم صناعة أشباه الموصلات فئة خاصة من مياه "عالية النقاوة"؛ لتنظيف رقائق السيلكون طوال عملية التصنيع. وبينما قد يكون لمياه الشرب القياسية درجة نقاء تتراوح من 100 إلى 800 ميكرو سيمنز لكل سنتيمتر- وهو مقياس للتوصيل الكهربائى يستخدم كمؤشر للتلوث- فإن المياه عالية النقاء تحتوى على أقل من 0.055 ميكرو سيمنز لكل سنتيمتر، وفقًا لشركة جراديانت.